الرئيسية » أخبار العرب »

مقابلة بي بي سي مع «جبهة النصرة»: سوريا دولة إسلامية تحكمها الشريعة

أجرى المقابلة بول وود

بعد انتظار دام لساعات في الظلام والبرد القارس حتى يفتح المخبز أبوابه، بدأت مجموعة الرجال ممن يقفون على رأس الطابور المنتظر في القرع على الأبواب في محاولات يائسة لفتحها.

موضوعات ذات صلة

وقال لي أحد الناشطين موضحا إن النقص في إمدادات الخبز في منطقة النزاع بحلب يعتبر جريمة أخرى يتحمل بشار الأسد مسؤوليتها، لتعترض عليه سيدة كانت مرتدية حجابا ومعطفا أسود طويلا قائلة: “لا تلق باللوم على بشار، إن ما نعاني منه الآن هو من صنع أنفسنا.”

وقالت ذلك وخلفها أعضاء من مقاتلي الجيش السوري الحر يحاولون المحافظة على النظام.

ويظن كثيرون من سكان حلب أن المتسبب في نقص إمدادات الخبز هو الجيش السوري الحر، الذي يسرق الدقيق ليبيعه في مناطق أخرى.

وأجابني أحد الضباط من أعضاء الجيش الحر مؤكدا عندما سألته عما إذا كان ذلك يحدث فعليا من قبل أفراد المقاتلين، أو ما إذا كانت قيادات الجيش الحر هي التي تصدر الأوامر بذلك لتمويل عملياتها: “يحدث الأمران كلاهما، بما في ذلك كتيبتي،” وأضاف قائلا بنبرة حزينة: “إننا جميعا سارقون.”

وفيما يبدو أنه قال ذلك مازحا، لينفجر أقرانه في موجة من الضحك، إلا أنه كان يعني ما يقوله أيضا.

“مجاهدون سوريون”

ويعتبر المستفيدون من هذه الأوضاع هم الإسلاميون، خاصة جبهة النصرة، الذين يسيطرون حاليا على عملية توزيع الدقيق على مخابز المناطق التي يسيطر عليها الثوار في حلب.

وقال لي الضابط إنه ما من كتيبة من كتائب الجيش الحر –وهم يتهمون بعضهم البعض بالسرقة- تثق في أي أحد آخر.

ولا تنتمي جبهة النصرة إلى الجيش السوري الحر، كما أنها مشهورة بالانضباط والأمانة. هي جماعة جهادية تعتبر مسؤولة عن أغلب التفجيرات الانتحارية في سوريا، كما أنها مسجلة على قائمة أمريكا السوداء للمنظمات الإرهابية.

وقد أعلنت بنفسها منذ سنة مضت في مقطع فيديو نشر على شبكة الإنترنت عن مسؤوليتها عن عدد من العمليات الأخيرة للتفجير بالسيارات المفخخة.

وظهر رجل ملثم في ذلك المقطع ليعلن قائلا: “نحن مجاهدون سوريون، عدنا إلى سوريا من جبهات جهادية مختلفة ليعود حكم الله في الأرض، ولننتقم لكرامة السوريين التي انتهكت ولدمائهم التي سالت.”

وأضاف قائلا: “يجب على كل حر أبي أن يحمل السلاح، وإن اضطره ذلك حتى لبيع أثاث منزله. يا أهل الشهامة والرجولة، لقد آلت جبهة النصرة على نفسها أن تكون هي السلاح الإسلامي في هذه الأرض.”

وتعتبر جبهة النصرة منظمة سرية خطيرة، إلا أنه وبعد فترة طويلة من المفاوضات، تمكنّا من إجراء حوار مع قائد من قادتها العسكريين يعرف بأبي لقمان.

ويرى أبو لقمان، وهو في الثلاثينيات من عمره، أن سوريا دولة إسلامية تحكمها الشريعة، فليست هذه المعركة معركة للديمقراطية.

واستهل أبو لقمان حديثه قائلا: “باسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد.”

وتابع قائلا: “إن الشعب السوري متدين بطبعه، فهم يحبون الإسلام وقد سئموا من الأنظمة العلمانية والاشتراكية. وهم يتطلعون جميعا إلى قيام دولة إسلامية. من المستحيل أن يقوم أي نظام آخر في سوريا.”

وكان أبو لقمان طالبا عندما جرى اعتقاله من قبل النظام عام 2008. وكان عضوا ناشطا في المنتديات الجهادية على الإنترنت، وانضم إلى جبهة النصرة عندما كانت لا تزال تنظيما سريا، قبل ستة أشهر من ذلك الإعلان الرسمي عنها على شبكة الإنترنت.

وكان يرتدي قناعا أثناء إجراء الحوار معه، وقال موضحا أن ذلك ما هو إلا إجراء وقائي ضد جواسيس النظام.

وخارج مكتبه، كان يقف عدد من المقاتلين من ذوي اللحى، بينهم اثنان يرتدون الزي اليمني حاملين الخناجر التي تعرف “بالجنبيات” ورشاشات الكلاشنكوف.

وفي معرض سؤاله عن تبريره للتفجيرات الانتحارية التي من الممكن أن يكون من بين ضحاياها مدنيون، أجابني قائلا: “لسنا نحن فقط من نقوم بمثل هذه التفجيرات الانتحارية، فالعديد من فصائل الجيش السوري الحر تلجأ إلى هذه الطريقة أيضا. كما أن النظام السوري أيضا يرسل السيارات المفخخة بين المدنيين ثم يلقي بالتهمة علينا لتدمير سمعتنا. وأرجو ألا نكون سببا في قتل مدنيين، سواء أكانوا مسلمين أو غير مسلمين.”

وعندما قلت له إن الولايات المتحدة تعتبركم إرهابيين، قال: “إن الغرب خائفون من لحانا، على الرغم من أن اليهود يطلقون لحاهم أيضا. إن الغرب يتآمر ضد المسلمين ويصورهم على أنهم وحشيون.”

وأردف قائلا: “عندما وضعتنا الولايات المتحدة على قائمة الإرهابيين لديها، لم يؤثر ذلك فينا بشيء، بل إنه عزز من مكانتنا. فالسوريون يكرهون الحكومة الأمريكية. والحمد لله فإننا نعتبر ذلك وسام فخر.”

وعندما سألته عما إذا كانت الجبهة تابعة لتنظيم القاعدة، قال: “كلانا يستخدم نفس اللغة والمصطلحات، حيث إننا جميعا نتحدث العربية. إلا أنه ما من أي صلة بين جبهة النصرة والقاعدة. نحن سوريون.”

وسألته عما سيحدث إذا ما أرادت الولايات المتحدة ودول أخرى مجابهة النظام. فأجابني: “نحن لا نحارب من أجل ذلك أو ضده. بالطبع، سيكون تدخلهم في صالحنا. إلا أننا لا نريد أي تدخل خارجي، فنحن أهل هذه البلد ونحن قادرون على الدفاع عنها بأنفسنا.”

“غير طائفي”

وكانت تلك أولى المقابلات التي تذاع مع أحد أعضاء قيادة جبهة النصرة؛ لذا كان أبولقمان يتوخى الحذر.

وتعتبر الجبهة هذه المعركة معركة سورية، لا دخل لها بعملية جهادية موسعة. فهم لا يحملون أي نوايا عدوانية تجاه أي دولة أخرى، طالما لم تعلن عن دعمها للنظام الحاكم.

ولن تكون هناك أية هجمات تستهدف أطيافا أو أقليات في سوريا، والمسيحيون بالذات ليس لديهم ما يخافونه.

وعلق أبو لقمان مخاطبا إياي: “إن الدين الإسلامي يبيح لنا أن نتزوج المسيحيات وأن نأكل من طعامكم ونعيش معكم. كما أن عندنا فتاوى كثيرة تأمرنا بعدم انتهاك دماء المسيحيين أو استغلال ممتلكاتهم. فالمسيح هو نبينا أيضا، وأنا أحب المسيح أكثر منك.”

وعندما كان الأمر لا يتعلق بمسائل عسكرية، كان الأمير أبو لقمان يباشر التعامل مع بعض الأمور والطلبات ونحن جالسون، ليبدو واضحا لنا ازدياد أهمية تلك المجموعة في الحياة العامة هنا يوما بعد يوم.

وكان من بين تلك الطلبات واحد قد نفد الغاز لديه، والآخر يشتكي من هجر أبنائه له وهو في سن متأخرة، وأرملة ثالثة كانت تطلب المساعدة في الحصول على إرثها من عائلة زوجها المتوفى، بينما طلب رابع المساعدة للإفراج عن أحد أقاربه ممن قبضت كتيبة تابعة للجيش الحر عليه، حيث كان قبل الثورة يدير نشاطا ثقافيا عاما ترفع فيه صورة الرئيس الأسد.

وقيل لعائلة هذا الأخير أن عليها أن تدفع للإفراج عنه مبلغا يصل إلى بضع مليونات ليرة سورية – أي ما يعادل عشرات الآلاف من الدولارات-.

وكنا نسمع عددا من تلك القصص لأناس مقبوض عليهم، أو مختطفين بالأحرى، لصلتهم بالنظام. وكان الإفراج عنهم يرتبط بدفع بعض المبالغ المالية.

محكمة الشريعة

وتبدو مدينة حلب الآن أشبه بفرنسا عام 1944 في أواخر الحرب العالمية الثانية، حيث أصبحت مدينة معدومة الثقة يشار فيها بأصابع الاتهام بالخيانة إلى أي أحد سواء أكان ذلك حقيقيا أم قائما على محض الخيال.

وإذا ما لاحظ الناس سيارة ممتلئة بمقاتلي الجيش الحر تتجه للقبض على أحد ما، فإنهم يقومون بالانتشار في ذلك الشارع لإيقافهم.

كما أننا سمعنا عن رجل صودرت سيارته في إحدى نقاط التفتيش التابعة للجيش الحر. وعندما تقدم بشكوى إلى جبهة النصرة، أرسلت الكتيبة التي صادرت سيارته شهودا يقسمون أنه من شبيحة النظام، ليوضع بعد ذلك في الحجز.

إلا أنه تم الإفراج عنه وردت إليه سيارته بعد أن حولت جبهة النصرة قضيته إلى محكمة حلب الجديدة للشريعة.

وتأسست محكمة الشريعة تلك من خلال جبهة النصرة وثلاثة كتائب أخرى من الكتائب المتدينة التابعة للجيش السوري الحر.

ومن المفترض أن تكون تلك المحكمة بديلا عن النظام القضائي العلماني الذي كانت الدولة السورية تديره في السابق.

إلا أن تأثير تلك المحكمة يبدو ظاهرا، حيث يرسل بالقضايا الصعبة إلى تلك المحكمة للفصل فيها.

وعلى سبيل المثال، لم يتمكن فريقنا من الحصول على إذن للتصوير أمام ذلك المخبز إلا عن طريق تلك محكمة الشريعة.

كل ذلك والمعارك لا تزال دائرة في حلب.

فبعد يوم من رحيلنا، قصفت غارة جوية المنطقة السكنية التي كنا نقيم فيها مخلفة ما يقرب من 26 شخصا تحت الأنقاض.

إلا أن جبهات القتال تبدو بعيدة، كما أن القوات النظامية تتمركز في عدد قليل من القواعد العسكرية، ويبدو أن المناطق “المحررة” آخذة في التوسع.

مذاق الرماد

ودائما ما يعتقد الجيش السوري الحر أن قلب حلب لم يكن أبدا مع الثورة.

والآن، يستحوذ أرباب المتاجر والفلاحون ورجال الأعمال الصغار الذين قدموا من المناطق الريفية على أجزاء كبيرة من المدينة. وهم يكتشفون أن الانتصار يحمل مذاق الرماد.

ففي الأجزاء المحررة من حلب، تقف الطوابير بالساعات الطوال أمام المخابز، كما يعاني أهلها من انقطاع الكهرباء، ويبحث الأطفال بين أنقاض البيوت فيها عما يمكنهم أن يوقدوه للتدفئة.

وعلى الرغم من أن الكثيرين في الحقيقة لا يزالون يدعمون الجيش الحر، إلا أنه ومع الأوضاع المعيشية الصعبة والمشكلات التي يتسبب فيها الجيش الحر نفسه، يلجأ آخرون إلى الجماعات المتشددة أمثال جبهة النصرة، لما يسمعونه عنها من انضباط وشجاعة، مما يوكد على أنه سيكون لهم شأن في مستقبل سوريا.

أما الغرب، فإنهم يواجهون الآن أزمة حقيقية.

فإذا ما وصلت الأسلحة إلى أيدي الثوار السوريين، فإنه من الممكن أن تصل تلك الأسلحة فيما بعد غلى أيدي الإسلاميين الأصوليين.

وما لم يتم التعرف على الوسطيين في هذه الانتفاضة ودعمهم، فإن السلطة ستنتقل إلى الجهاديين، حيث يمثلون الجهة الأكثر تنظيما وانضباطا.

اُكتب تعليقك (Your comment):

صحافة اسرائيل

إعلان

خاص «برس - نت»

صفحة رأي

مدونات الكتاب

آخر التعليقات

    أخبار بووم على الفيسبوك

    تابعنا على تويتر

    Translate »
    We use cookies to personalise content and ads, to provide social media features and to analyse our traffic. We also share information about your use of our site with our social media, advertising and analytics partners.
    Cookies settings
    Accept
    Privacy & Cookie policy
    Privacy & Cookies policy
    Cookie name Active

    Privacy Policy

    What information do we collect?

    We collect information from you when you register on our site or place an order. When ordering or registering on our site, as appropriate, you may be asked to enter your: name, e-mail address or mailing address.

    What do we use your information for?

    Any of the information we collect from you may be used in one of the following ways: To personalize your experience (your information helps us to better respond to your individual needs) To improve our website (we continually strive to improve our website offerings based on the information and feedback we receive from you) To improve customer service (your information helps us to more effectively respond to your customer service requests and support needs) To process transactions Your information, whether public or private, will not be sold, exchanged, transferred, or given to any other company for any reason whatsoever, without your consent, other than for the express purpose of delivering the purchased product or service requested. To administer a contest, promotion, survey or other site feature To send periodic emails The email address you provide for order processing, will only be used to send you information and updates pertaining to your order.

    How do we protect your information?

    We implement a variety of security measures to maintain the safety of your personal information when you place an order or enter, submit, or access your personal information. We offer the use of a secure server. All supplied sensitive/credit information is transmitted via Secure Socket Layer (SSL) technology and then encrypted into our Payment gateway providers database only to be accessible by those authorized with special access rights to such systems, and are required to?keep the information confidential. After a transaction, your private information (credit cards, social security numbers, financials, etc.) will not be kept on file for more than 60 days.

    Do we use cookies?

    Yes (Cookies are small files that a site or its service provider transfers to your computers hard drive through your Web browser (if you allow) that enables the sites or service providers systems to recognize your browser and capture and remember certain information We use cookies to help us remember and process the items in your shopping cart, understand and save your preferences for future visits, keep track of advertisements and compile aggregate data about site traffic and site interaction so that we can offer better site experiences and tools in the future. We may contract with third-party service providers to assist us in better understanding our site visitors. These service providers are not permitted to use the information collected on our behalf except to help us conduct and improve our business. If you prefer, you can choose to have your computer warn you each time a cookie is being sent, or you can choose to turn off all cookies via your browser settings. Like most websites, if you turn your cookies off, some of our services may not function properly. However, you can still place orders by contacting customer service. Google Analytics We use Google Analytics on our sites for anonymous reporting of site usage and for advertising on the site. If you would like to opt-out of Google Analytics monitoring your behaviour on our sites please use this link (https://tools.google.com/dlpage/gaoptout/)

    Do we disclose any information to outside parties?

    We do not sell, trade, or otherwise transfer to outside parties your personally identifiable information. This does not include trusted third parties who assist us in operating our website, conducting our business, or servicing you, so long as those parties agree to keep this information confidential. We may also release your information when we believe release is appropriate to comply with the law, enforce our site policies, or protect ours or others rights, property, or safety. However, non-personally identifiable visitor information may be provided to other parties for marketing, advertising, or other uses.

    Registration

    The minimum information we need to register you is your name, email address and a password. We will ask you more questions for different services, including sales promotions. Unless we say otherwise, you have to answer all the registration questions. We may also ask some other, voluntary questions during registration for certain services (for example, professional networks) so we can gain a clearer understanding of who you are. This also allows us to personalise services for you. To assist us in our marketing, in addition to the data that you provide to us if you register, we may also obtain data from trusted third parties to help us understand what you might be interested in. This ‘profiling’ information is produced from a variety of sources, including publicly available data (such as the electoral roll) or from sources such as surveys and polls where you have given your permission for your data to be shared. You can choose not to have such data shared with the Guardian from these sources by logging into your account and changing the settings in the privacy section. After you have registered, and with your permission, we may send you emails we think may interest you. Newsletters may be personalised based on what you have been reading on theguardian.com. At any time you can decide not to receive these emails and will be able to ‘unsubscribe’. Logging in using social networking credentials If you log-in to our sites using a Facebook log-in, you are granting permission to Facebook to share your user details with us. This will include your name, email address, date of birth and location which will then be used to form a Guardian identity. You can also use your picture from Facebook as part of your profile. This will also allow us and Facebook to share your, networks, user ID and any other information you choose to share according to your Facebook account settings. If you remove the Guardian app from your Facebook settings, we will no longer have access to this information. If you log-in to our sites using a Google log-in, you grant permission to Google to share your user details with us. This will include your name, email address, date of birth, sex and location which we will then use to form a Guardian identity. You may use your picture from Google as part of your profile. This also allows us to share your networks, user ID and any other information you choose to share according to your Google account settings. If you remove the Guardian from your Google settings, we will no longer have access to this information. If you log-in to our sites using a twitter log-in, we receive your avatar (the small picture that appears next to your tweets) and twitter username.

    Children’s Online Privacy Protection Act Compliance

    We are in compliance with the requirements of COPPA (Childrens Online Privacy Protection Act), we do not collect any information from anyone under 13 years of age. Our website, products and services are all directed to people who are at least 13 years old or older.

    Updating your personal information

    We offer a ‘My details’ page (also known as Dashboard), where you can update your personal information at any time, and change your marketing preferences. You can get to this page from most pages on the site – simply click on the ‘My details’ link at the top of the screen when you are signed in.

    Online Privacy Policy Only

    This online privacy policy applies only to information collected through our website and not to information collected offline.

    Your Consent

    By using our site, you consent to our privacy policy.

    Changes to our Privacy Policy

    If we decide to change our privacy policy, we will post those changes on this page.
    Save settings
    Cookies settings