- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

“حرير وحديد” لفواز طرابلسي: التاريخ بمنطق الرواية

معمر عطوي
كلما قرأت كتاباً جديداً للكاتب اللبناني الأممي فواز طرابلسي، شعرت بإسلوب مختلف في المعالجة يتناسب مع روحية الكتاب ومضمونه، بيد أن “حرير وحديد” الذي صدر أخيراً في بيروت عن دار الريس، حمل جديداً مختلفاً يكاد يشبه أيقونات أمين معلوف الروائية، لكن بصورة واقعية مدعومة بتأريخ الأحداث.
في “حرير وحديد” الذي يتحدث عن مرحلة تاريخية تمتد زمنياً من بدايات القرن التاسع عشر وتنتهي بالربع الأول من القرن العشرين، وتمتد جغرافياً من جبل لبنان إلى السويس عابرة للقارات لتصل الى أوروبا، ينحو طرابلسي منحىً روائياً لكن موثقاً بما يدل على صحة الرواية وإن عدّل قليلاً ببعض أسماء أبطالها.
وكما نقلنا في “وعود عدن” الصادر أيضاً عن دار الريس في التسعينيات، الى عالم آخر من الوصف والأحداث، يحاول طرابلسي في عمله الروائي الواقعي محاكاة إسلوب الرواية من دون أن يجنح إلى الفانتازيا كثيراً إلا بما يتعلق بتعزيز نصّه بالمُحسّنات البديعية في اختيار التعابير ودقة الوصف وجمالية النسج.
طبعاً النسج هنا أمر بديهي، طالما أنه يتحدث عن الحرير وكيفية تربية دود القز وصناعة خيطان هذا الذهب الخالص الذي ساهم في بناء دول وامبراطوريات، حتى سُمي أحد أطول طرق المواصلات بين الشرق الأسط والشرق الأقصى باسمه.
الإشارة الى أمين معلوف في بداية العجالة، لا تهدف الى اتهام الكاتب بالتقليد أو المحاكاة، بقدر ما تشير الى مقاربة إسلوبية، تتناول طريقة السرد والمكان الذي يركّز عليه معلوف دائماً في رواياته، أي حوض البحر الأبيض المتوسط. وهو ما تمرأى واضحاً في رواية طرابلسي الذي جال حول المتوسط بادئاً رحلته من الساحل الإسباني ماراً بالجزائر ومصر حتى يصل جبل لبنان. وهي هذه الرحلة الجميلة التي تتفاوت فيها المشاهد بين الشرق والغرب، متعة التعرف على الأشخاص والأمكنة والإنجذاب الى تطورات الأحداث.
إذن هي عبارة عن لوحات سردية موزعة على نحو 294 صفحة من القطع الوسط، يربط بينها علاقة الشرق بالغرب، والاستعمار بمناطق الثروة، وحياكة السياسية الدولية وفق المنظور الكولونيالي.
ثمة كثافة معلوماتية يكاد قارئها يضع الى جانبه معجم الأعلام والأماكن لفك بعض رموزها، لكن طريقة توزيع هذه المعلومات وفق الشرط الروائي السردي وإسلوب طرابلسي السهل المُمتنع، تجعل القارئ يشعر بأنه يتابع شريطاً مصوّراً لمسار تاريخي هام رسم تلك الحقبة من الزمن، الذي يُعتبر لبنانياً، إرهاصات أساسية لتشكيل دولة لبنان الكبير.