سلسلة الفكر الإيراني المُعاصر: الثقافة في خدمة الآيديولوجيا
معمر عطوي
يقع العمل الثقافي غالباً في خدمة الآيديولوجيا، خصوصاً في بلادنا حيث يُعتبر الرأي المتحرر من تهويمات العقائد وأطر الحزبية نوعاً من الخيانة للأمة أو الهرطقة على الدين وضلال عن الطريق القويم لدى الحركات الإسلامية، كذلك اتهامات ليست بعيدة عن هذه الذهنية لدى غير المتدينين.
هذا ما نشهده اليوم مع المؤسسات البحثية ومراكز الدراسات التابعة للجمهورية الإسلامية الإيرانية، حيث لا يبدو أنهم استفادوا من أخطاء توظيف الثقافة في خدمة الآيديولوجيا، فواصلوا لعبة انشاء العديد من مراكز البحوث والدراسات والمجلات المتخصصة بطريقة عبثية أصبح معها كل مشروع من هذه المشاريع مجرد وكالة إعلانية للثورة ومذهبها وشخصياتها ومراجعها الدينية الذين لا يجوز نقد مواقفهم ولا مناقشة آرائهم.
فبدلاً من الاستفادة من مراكز الغرب للدراسات والأبحاث، المتحررة من عقدة السلطة، والمتميزة بآدائها النقدي البعيد عن المجاملة والمحاباة والشخصانية، والتي باتت تشكّل عوناً أساسياً للحكومات في تنفيذ خطط ومشاريع الدولة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وحتى على مستوى الحروب والسياسات الخارجية، بقيت دولنا ومنظوماتنا السياسية في العالم العربي والإسلامي تمارس التشظي الدفاعي عن الآيديولوجيا من خلال مؤسسات سرعان ما تندثر إن لأسباب مالية أو لضعف في الكوادر العاملة أو لصراع بين أجنحة السلطة كما حصل مع مجلة “شؤون الأوسط “ومركز الدراسات الاستراتيجية الذي يصدرها، حيث ضعفت المجلة وتراجعت ميزانيتها بعد تراجع نفوذ الرئيس السابق أكبر هاشمي رفسنجاني الذي أسس هذا المركز في بيروت حين كان رئيساً للجمهورية الإيرانية.
أزعم أن مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلامي، يحاول التفرد من هذه الناحية بالعمل على توثيق المسيرة السياسية والثقافية والإعلامية للجمهورية الإسلامية، من خلال سلسلة الفكر الإيراني المُعاصر الذي صدر منها أكثر من عشرين كتاباً طرقت العديد من المواضيع التي تهم الباحث أو الصحافي في الشؤون الإيرانية.
هذه السلسلة التي أنجزها مجموعة من الكتّاب والباحثين، تناولت “الأسس الفكرية للثورة الإسلامية الإيرانية” في كتاب للباحث الإيراني محمد شفيعي فر، نقلها الى العربية محمد حسن زراقط، و”النظام التربوي الإيراني” لمجموعة من الباحثين.
ثم تتطرق السلسلة إلى الشعر فتتضمن كتاباً بعنوان “رحلة عاشقة” للشاعرة طاهرة صفّار زادة، و”ثلاثاء الفواصل الحارقة” للشاعر قيصر أمين بور، و”أجنحة للهبوط” للشاعر موسى بيدح الذي قام أيضاً بترجمة الديوانين السابقي الذكر اضافة الى ترجمته ضمن السلسلة نفسها لكتاب “قصائد بتوقيت بيروت” للشاعر علي رضا قزوة.
وفي الأدب أيضاً، ثمة كتاب من جزئين بعنوان “إستقبال الأدب الفارسي المعاصر في الوطن العربي” لنسرين هاني الدّهني.
وللمسرح أيضاً حصته من موسوعة مركز الحضارة، فقد تضمنت كتاب بعنوان “تاريخ المسرح في إيران منذ البداية إلى اليوم” لفاطمة برجكاني.
وبالعودة إلى القانون السياسي، صدر كتاب بعناون “دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية- قراءة في عناصر التجديد والحداثة” للكاتب علي عبد الله كريّم.
أما في الدين والاجتهاد، فثمة كتاب هن “تجديد الفكر الديني في إيران- دراسة في علم اجتماع المعرفة” للكاتب فردين قريشي وترجمة علي الموسوي.
وفي الفكر كتاب “مطارحات فكريّة في التجربة الإسلامية الإيرانية” للشيخ محمد مهدي الآصفي.
وفي “الفكر التربوي الإمامي- إيران نموذجاً” أعدّ حسّان عبدالله حسان أيضاً كتاباً من جزئين. أما الإعلامي الزميل سركيس أبو زيد فقد كتب عن “المسيحية في إيران- تاريخها وواقعها الراهن”. وأعدّ رسول سعادتمند، كتاباً أيضاً من جزئين بعنوان “بيان الثورة في مرآة الإعلام” عرض فيه الأحاديث والبيانات الصحافية لمؤسس الجمهوريّة الإسلامية الإمام روح الله الموسوي الخميني. ونقلها الى العربية عباس صافي.
قد تكون هذه السلسلة مهمة للباحث في الشؤون الإيرانية، فثمة مواضيع أخرى تضمنتها لا مجال لذكرها جميعها في هذه العجالة، بيد أن بيت القصيد هو أن كل عمل مؤسساتي ثقافي بحثي نشهده في منطقتنا نستبشر به خيراً على مستوى نظرتنا لتقدير الفكر والتحليل ودورهما في بناء الحضارة، لكن غالباً ما تخرج الينا هذه المراكز بصورتها التبشيرية الترويجية التي تعمل وفق ذهنية “كل حزب بما لديهم فرحون”. ربما هنا تكمن إشكالية وغما العقائد التي لا مهرب منها، لكن ينبغي التركيز على مؤسسة واحدة تتمتع بهامش من حرية الخروج عن الترويج للقائد وللحزب وللمذهب، وتُخصص لها ميزانية ضخمة بدلاً من توزيع أموال “الثورة” على مراكز ودكاكين وانتهازيين ومنتفعين ومنافقين لا جدوى ولا طائل منها. عندها قد يصح القول إن مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلامي أصبح يضاهي مراكز الأبحاث الفكرية العالمية التي ترسم سياسات الحكومات من منطلق واقعي لا يحمل تقديساً للأفكار أو للأشخاص أو لآيديولوجيا معينة.