هكذا حصلت فلسطين على عضوية «اليونسكو»
باريس ــ بسّام الطيارة
بدأت عملية التصويت الساعة الواحدة في القاعة رقم واحد لمقر اليونسكو في أجواء مشحونة بالتهديدات الأميركية. دبلوماسي أوروبي قال مبتسماً لـ«أخبار بووم»: بات الأميركيون يسعون لرفع نسبة الممتنعين بعدما تأكدوا من أن التصويت سوف يكون لصالح فلسطين. نظر يمنة ويسرة ثم اتبع متنهداً «في الواقع التصويت اليوم يرمي بظله على وحدة القرار الأوروبي». تنفس قليلاً قبل أن يضيف «لا توجد سياسة خارجية أوروبية واحدة ولا وجهة أوروبية متقاربة». نقل الدبلوماسي المخضرم أجواء الوجوم الذي ساد بعثات الدول العضوة في الاتحاد الأوروبي، وهو ما اتفق ممثلو هذه البلدان على تسميته «مأزقاً» حقيقياً. إذ بعدما فشلت الولايات المتحدة في إقناع البعثة الفلسطينية بسحب الطلب والقبول بـ«درجة دنيا من العضوية»، وصفها ممثل دولة أوروبية بأنها «عضوية ممسوخة»، انتقلت الضغوط الأميركية على الدول الأوربية وفعلت رافعات النفوذ التي تمتلكها على الدول «جديدة العضوية»، فدفعت كل من سلوفاكيا وألبانيا وهنغاريا وبلغاريا وبولونيا ورومانيا لمتنع عن التصويت إلى جانب عدد من الدول الشيوعية السابقة، التي تنتظر على أبواب الاتحاد الأوروبي، ما دفع البعض لتذكر مقولة مادلين أولبريت، وزيرة الخارجية السابقة، من أن «إدخال أكبر عدد من دول الكتلة الشيوعية السابقة في الاتحاد الأوروبي يخدم السياسة العليا الأميركية». في حينها فهم البعض هذا التأكيد على أنه «دعم لأوروبا» ويتبين يوماً بعد يوم أن واشنطن تستعمل هذه الدول كـ«حصان طروادة» في الاتحاد الأوروبي.
جاء موقف الولايات المتحدة على وزن التهديدات المعلنة والمبطنة ووقفت إلى جانب اسرائيل واستراليا وألمانيا وهولندا التي صوتت «ضد» وإلى جانب «ميكرو دول» تساند إسرائيل أياً كان موضوع التصويت، لدرجة يصف دبلوماسي عربي موقفها «بأنه تصويت بواسطة الفاكس». اللافت للنظر أيضاً أن واشنطن لا تملك حصان طروادة واحد بل حصانين، فالثاني بات رابضاً في «أفريقيا الفرنسية» التي بدأت دبلوماسية مستعمراتها القديمة تبتعد عن مسار الدبلوماسية الفرنسية، كما هو حال شاطئ العاج التي امتنعت بعكس «نعم» فرنسا، رغم الحرب التي قام بها ساركوزي لإخراج حسن واتارا من مأزق الحرب الأهلية. إلا أن بعض المراقبين أشاروا إلى السنين التي قضاها وتارا في واشنطن في البنك الدولي والتي «تركت آثارها» في سياسة سوف تبتعد رويداً رويداً عن باريس، وعن القضايا العربية رغم وجود جالية عربية كبيرة فيها.
موقف فرنسا كان لافتاً، وإن «كان غير مبدئي»، كما وصفه أحد الدبلوماسيين العرب الذي فسر بأن «تصويت فرنسا مع كان بسبب تعنت ألمانيا». وشرح بأن فرنسا طالبت بأن تمتنع دول الاتحاد الأوروبي كتلة واحدة و٢٧ صوتا. إلا أن ألمانيا وهولندا رفضتا هذا «الحل الوسط»، فما كان من فرنسا وإسبانيا إلا أن صوتتا مع، في حين انحازت إيطاليا إلى جانب الامتناع مثل بريطانيا التي غطت رأسها برمال «خلاف أورويي» وقدمت امتناعها كأنه حياد.
بالطبع يستطيع أن يقول دايفيد كيليون، السفير الأميركي إلى المنظمة الدولية، أنه «نجح». فعلى عكس المرات السابقة في كل ما يتعلق بالتصويت على مسألة تتعلق بالقضية الفسلطينية، لم تجد الولايات المتحدة نفسها «وحيدة إلى جانب إسرائيل وبعض الجزر المنثورة في المحيط الهادي»، بل استطاعت أيضاً أن «تحيد» عدداً لا بأس به من الدول. لكن رغم ذلك لم ينجح السفير بتغيير مطمح الدول العربية وفلسطين بالحصول على مقعد، رغم استعماله كل أنواع الابتزازات التي في حوزة واشنطن من التهديد بسحب المساعدات التي تبلغ ٢١ في المئة من ميزانية تجاوز الـ ٦٣٢ مليون دولار إلى لقاء وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي «ثلاث مرات». لقاءات تخللها، حسب معلومات «أخبار بووم»، كلام معسول وكلام مر، إذ حمله مسؤولية خسارة اليونيسكو لميزانيتها بسبب «التعنت الفلسطيني» وحاول «التحايل» بقوله إن «مباحثات تدور حاليآً في واشنطن للاعتراف بدولة فلسطينية في الأمم المتحدة» متناسياً الفيتو الأميركي المسلط فوق مجلس الأمن. وتارة لجأ إلى «الدستور الأميركي وقوانين الكونغرس» التي تمنع مساعدة منظمة تعترف بكيان غير منتمي إلى الأمم المتحدة. ووصل به الأمر إلى عرض قبول «توقيع السلطة الفلسطينية على عدد من المعاهدات الثقافية» تمكنها من «القول إنها عضو مشارك» في أعمال اليونيسكو و«حضور بعض الاجتماعات كعضو مراقب».
رغم هذا نجحت فلسطين بالحصول على ١٠٧ أصوات مقابل ١٤ معارضة وفي ظل ٥٢ امتناع عن التصويت، وضعها أحد الدبلوماسيين الأوروبيين من الذين صوتت دولتهم مع قبول العضوية «في خانة مربح واشنطن»، التي بات هدفها مع بدء عملية التصويت «الحصول على أكبر عدد امتناع» إلى جانب معارضتها، بعد أن تأكدت من «كسب فلسطين لمقعدها». لم تنتظر واشنطن مرور أكثر من ٤ ساعات فأعلنت «وقف دفع مبلعغ ٦٠ مليون دولار كان يجب تحويله خلال هذا الشهر للمنظمة. أما الحجة المقدمة فهي وجود قانون في الكونغرس يعود لعام ١٩٩٠ يمنع تقديم أي مساعدة لأي منظمة دولية تعترف بمنظمة التحرير.