نجاة شرف الدين
أقسم الرئيس الأميركي باراك أوباما اليمين الدستورية لولايته الثانية ، ورسم ملامح سياسته للأربع سنوات المقبلة ، على المستوى الداخلي كما على المستوى الخارجي ، وبدا واثقا من إمكانية إحداث تغيير يؤرخ، ليس فقط لأول رجل أسود على رأس الدولة الأميركية ، بل لإنجاز داخلي يسجل له ، ليدخله التاريخ كإصلاحي الى جانب الكبار ك ” إبراهام لينكولن ” و” توماس جيفرسون ” . كتب الكثير عن خطاب أوباما ، وأبدى البعض الخشية من لعنة الولاية الثانية ، إلا أنه بدا جازما في خطته الإقتصادية ومعالجة ” الهاوية المالية ” كما متابعة خطة الإنسحاب من أفغانستان والتشديد على المعالجة الدبلوماسية في الملفات الخارجية والإبتعاد عن خوض الحروب ولا سيما مع إيران . أوباما الذي فشل في ولايته الأولى بإحداث أي إختراق في ملف المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية نتيجة تعنت سياسة رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو في ملف الإستيطان ، يبدو أنه سيترك هذه المهمة في ولايته الثانية الى وزير خارجيته جون كيري ، الذي يقوم بزيارة الى المنطقة في شهر شباط ، فإذا ما نجح بإحداث إختراق عندها يدخل أوباما الى الواجهة وإذا ما فشل يكون أوباما بعيدا عن الصورة المباشرة .
كيري الذي أعرب عن أمله بأن تتيح نتائج الإنتخابات الإسرائيلية إمكان إستئناف المفاوضات مع الفلسطينيين قال ” إن الفشل في تحريك المفاوضات من شأنه أن يغلق الباب بصورة نهائية أمام حل الدولتين ” .
في أي حال ، فإن الملف الفلسطيني الإسرائيلي ليس موضوعا على سلم أولويات الرئيس الأميركي ، المسكون بهاجس عدم الفشل في خطواته ، إضافة الى الكيمياء المفقودة مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو ، والذي فاز مجددا في الإنتخابات المبكرة التي دعا إليها بنفسه ، إنما بدا هذا الفوز ضعيفا بنيله واحد وستين مقعدا في الكنيست ، وهو بحاجة الى تحالف واسع نسبيا ليتمكن من تشكيل حكومته ، وبالتالي فهو يحتاج الى تقديم تنازلات داخلية للحلفاء ، كما الى تنازلات بقبول التفاوض ربما ، في حال أراد التحالف مع حزب “يش عتيد، يوجد مستقبل ” بزعامة الصحافي والإعلامي السابق يائير لبيد ، الذي حصل على تسعة عشر مقعدا في الكنيست ، والذي طالب في حملاته الإنتخابية باستئناف المفاوضات مع الفلسطينيين من خلال تحديد تاريخ واضح لذلك .
وعلى الرغم من التعليقات العديدة التي وصفت لبيد بأنه تنقصه التجربة في العمل السياسي ، ويستطيع نتانياهو أن ينصب له المكائد ويقع فيها ، إلا أنه من المبكر الحديث عن ملفات التفاوض في جدول أعمال نتانياهو ، سيما وأنه قال : ” إنه يتطلع إلى تأليف حكومة تكون موسعة قدر الإمكان، وتملك القدرة على الاستقرار، وذلك كي تتعامل أولاً وقبل أي شيء مع التهديدات الأمنية الجوهرية الماثلة أمام إسرائيل، وشدّد على أن في الإمكان مواجهة هذه التهديدات.
صحيح أن رئيس الوزراء الإسرائيلي نجح في الإنتخابات ، ولو لم يتلق إتصال تهنئة من صديقه اللدود ” أوباما ” مباشرة بل إستلحقه بعد خمسة أيام باتصال ، متعهدا العمل عن كثب مع إسرائيل لتحقيق الأمن والسلام في الشرق الأوسط بحسب البيت الأبيض ، لكن الصحيح أيضا أن الجولة الثانية من المعركة الدائمة وغير المعلنة بين الرجلين ، لم تنته عند حدود الحملات الإنتخابية للرجلين ، ويبدو أن صداها سيتردد في الأربع سنوات المقبلة ، إذا ما بقيا في موقعيهما …