“الجبهة الإسلامية السورية”: قوة متطرفة جديدة (دراسة)
هارون ي. زيلين*
شهد النصف الثاني من عام 2012 زيادة في نزعة التطرف بين صفوف المعارضة السورية المسلحة، وخاصة في شمال وشرق البلاد. ولعل ما تبلور في البداية كقوة علمانية انعكست بصفة أساسية في تكوين “الجيش السوري الحر” الذي ينضوي [الثوار] تحت لوائه، قد تشرذم رويداً رويداً إلى فصائل إسلامية متناحرة من بينها “صقور الشام”، و”كتائب أحرار الشام”، و”جبهة النصرة”. وبينما نالت “جبهة النصرة” القدر الأكبر من الاهتمام لا سيما بعد تصنيفها كمنظمة إرهابية من قبل واشنطن في أوائل كانون الأول/ديسمبر، إلا أنه لم يُسلّط سوى النذر اليسير من الضوء على “كتائب أحرار الشام” وهي مجموعة جهادية سلفية أخرى ذائعة الصيت تنمو قوتها ويستمر دعمها يوماً بعد يوم في حلب وإدلب وأماكن أخرى. وفي 21 كانون الأول/ديسمبر، أعلنت “كتائب أحرار الشام” عن إنشاء قوة مقاتلة شاملة جديدة تدعى “الجبهة الإسلامية السورية”. ونظراً للبسالة والشجاعة الكبيرة التي أظهرتها الجماعة في ميدان القتال والتشابه الأيديولوجي مع “جبهة النصرة”، يتعين على واشنطن وضع تصور كامل لقدراتها وانتشارها.
من هم هؤلاء؟
في بيان وفيديو إعلان تشكيل “الجبهة الإسلامية السورية”، أعلن المتحدث باسم الجبهة أبو عبد الرحمن الصوري أن الجماعة تتبع المذاهب السلفية المتشددة وأنها تخطط للإطاحة بنظام الأسد وحلفائه، وتعمل بعدها على تطبيق معاييرها في تفسير الشريعة في البلاد. ووفقاً لما قاله، إن ذلك سيعني إقامة مؤسسات تركز على القضايا السياسية والدعوة والتعليم الثقافي والإغاثة الإنسانية.
وتتكون “الجبهة الإسلامية السورية” من أحد عشر لواء، من بينها “كتائب أحرار الشام” (التي تعمل في جميع أنحاء سوريا)، و”حركة الفجر الاسلامية” (التي تعمل في مدينة حلب وحولها)، و”كتائب أنصار الشام” (في اللاذقية وحولها)، و”لواء الحق” (في حمص)، و”جيش التوحيد” (في دير الزور)، و”جماعة الطليعة الإسلامية” (في المناطق الريفية من ادلب)، و”كتيبة مصعب بن عمير” (في المناطق الريفية من حلب)، والجماعات “كتيبة صقور الإسلام”، و”كتائب الإيمان المقاتلة”، و”سرايا المهام الخاصة”، و”كتيبة حمزة بن عبد المطلب” التي تعمل في منطقة دمشق. وليس لدى الألوية الخمسة الأخيرة سجل يُذكر أو ليس لديها أي سجل على الإنترنت في خوض المعارك مما يشير إلى أنها ليست لاعباً حقيقياً على الأرض.
وتؤكد “الجبهة الإسلامية السورية” في نهاية بيانها من كانون الأول/ ديسمبر، أنها مفتوحة أمام التنظيمات الإسلامية الأخرى التي تتضامن معها في قضيتها، ويُظهر الفيديو المصاحب مقاتلي الجبهة وهم على أرض المعركة في دمشق وحمص وحماه وإدلب وحلب ودير الزور، من بين أماكن أخرى. ومنذ ذلك الحين، كانت “الجبهة الإسلامية السورية” و”جبهة النصرة” الواجهة الأمامية في عدة معارك هامة، منها تحرير مطار تفتناز مؤخراً وعملية هروب من سجن في إدلب وبذل جهود للسيطرة على جسر الشغور.
كما يُظهر الفيديو جهود الإغاثة الإنسانية التي تقوم بها “الجبهة الإسلامية السورية”، التي شملت على سبيل المثال تمهيد طرق جديدة وتنظيف أخرى قديمة وصنع الخبز للعدد المتزايد من المحتاجين في سوريا إلى جانب تزويدهم بالمواد الغذائية. وتشمل جهود القوة الناعمة الأخرى إقامة مسابقات تلاوة القرآن للأطفال. بالإضافة إلى ذلك، يُسلط الفيديو الضوء على اثنين من الفاعلين الرئيسيين الذين يمولون هذه الجهود وهما: “صندوق الإغاثة والمساعدات الإنسانية” وهي منظمة مجتمع مدني مرتبطة بالحكومة التركية ولها علاقات مع حركة «حماس»، وجمعية خيرية قطرية، وهي منظمة مجتمع مدني أخرى مرتبطة بالحكومة.
ما الذي يريدونه؟
في 17 كانون الثاني/يناير، نشرت “الجبهة الإسلامية السورية” شرحاً مستفيضاً لأهدافها بصورة ميثاق مكون من سبع صفحات. وفي بعض من أجزائه هناك إعادة صياغة ما جاء في الفيديو المصور من كانون الأول/ديسمبر، في حين تقدم الأجزاء الأخرى منه المزيد من التفاصيل.
أولاً، بعد الإطاحة بنظام الأسد، تأمل “الجبهة الإسلامية السورية” في تمكين الإسلام في المجتمع وذلك عن طريق إعداد الأفراد لتولي أدوار قيادية في عدة مجالات خلال الفترة الانتقالية. كما تتطلع أيضاً إلى إعادة بناء سوريا على أساس الوحدة والشفافية، مما يعني محاربة الفساد والاستغلال وفقاً للعقائد القرآنية والسلفية. وستسير عملية اتخاذ القرارات وفقاً لمبادئ التشاور وتجنب الخلافات والاستمرار حسب الشريعة الإسلامية. ووفقاً لهذا الميثاق، سينفذ هذا البرنامج تدريجياً — حيث تدعي “الجبهة الإسلامية السورية” أنها ستتجنب “التطرف” (بمعنى الاستخدام غير الضروري لمفهوم “التكفير” ضد مسلمين آخرين) وأنها سستفادى أخطاء الماضي. وعلى الرغم من ذلك، فإن القرارات ستكون ملزمة بمجرد إصدارها.
ويتطرق هذا الميثاق أيضاً إلى المرأة، والقضايا الطائفية، وغير المسلمين. وتقوم وجهة نظر “الجبهة الإسلامية السورية” على أن المرأة تلعب دوراً تكميلياً، وأن المفاهيم الغربية لحقوق المرأة تعتبر ضد الإسلام وهي غير مقبولة. وعلاوة على ذلك، وعلى الرغم من المطالبة بالحفاظ على الوحدة السورية ورفض الانقسامات العرقية والطائفية، تطالب الجبهة بأن يكون الدين الإسلامي السني دين الدولة والمصدر الوحيد للتشريع في مرحلة ما بعد الأسد. وتقوم وجهة نظرها بشأن حقوق الأقليات على تفسيرها للشريعة الأمر الذي يوحي بأن السكان من غير السنة سيكونون مواطنين من الدرجة الثانية. وعلى الرغم من تأكيد هذا الميثاق على العدل والإنصاف عند التعامل مع غير المسلمين، إلا أنه يرفض أيضاً أية أنشطة بين الأفراد من ديانات مختلفة كما يرفض الاختلاط.
كيف يختلفون عن “جبهة النصرة”
على الرغم من أن “الجبهة الإسلامية السورية” تدور في نفس الفلك الأيديولوجي لـ “جبهة النصرة” وتتعاون معها في ميدان القتال، إلا أن “الجبهة الإسلامية السورية” تعتبر جماعة مختلفة وأكثر دهاء. ويرجح ألا يُعرف إن كانت هذه الاختلافات ستحدث فارقاً على الأرض من عدمه إلا بعد سقوط نظام الأسد لأن هذا هو المحور المشترك ما بين فصائل الثوار في الوقت الحالي.
وعلى النقيض من “جبهة النصرة”، التي ينظر إليها على أنها فرع من «تنظيم القاعدة في العراق»، ليست لـ “الجبهة الإسلامية السورية” أية روابط معروفة على مستوى القيادة مع تنظيم «القاعدة». وعلاوة على ذلك، تظهر مراسلات “جبهة النصرة” في مقدمة المنتدى الرئيسي لـ «القاعدة» على الانترنت — وهو “شموخ الإسلام” — بينما تمتلك “الجبهة الإسلامية السورية” حسابها الخاص المستقل على كل من الفيسبوك وتويتر وتستخدم كل منهما كمنفذها الأول للإصدار والنشر.
بالإضافة إلى ذلك، فإن أحد أكبر الخصوم المشهورين لـ “جبهة النصرة” — المُنَظِّر الجهادي الشيخ أبوبصير الطرطوسي — يُعتقد أنه يقاتل مع “كتائب أنصار الشام” تحت لواء “الجبهة الإسلامية الثورية”. وقد تُوجِه موافقته الإجمالية على ميثاق الجبهة دعم الجهاديين العالميين بعيداً عن “الجبهة الإسلامية السورية” بسبب الجدل المستمر بينه وبين المناصر الجهادي العالمي لـ “جبهة النصرة” الشيخ أبو المنذر الشنقيطي. إلا أن الشنقيطي لم يُبد رأيه بعد حول تأسيس “الجبهة الإسلامية السورية” أو آرائها، رغم أن أحد المنظرين المشهورين الآخرين — وهو الشيخ إياد القنيبي الأردني — قد أعلن موافقته على ذلك.
ومن المعلوم يقيناً أن كلاً من القنيبي والطرطوسي قد لطّف من حدة موافقته بقوله إن بعض أجزاء ميثاق “الجبهة الإسلامية السورية” ليست كافية. إذ أعرب القنيبي عن قلقه بخصوص دعوة هذا الميثاق للتغيير التدريجي والشمولية متسائلاً عما إذا كانت هذه المبادئ تحتاج إلى التطبيق في مرحلة ما بعد الأسد من عدمه، في حين اعترض الطرطوسي على بيان “الجبهة الإسلامية السورية” وأعرب عن قلقه بشأن عبارة “جميع المسلمين في سوريا” ملقياً باللوم على الجبهة لعدم تسليطها الضوء على الأمة الإسلامية بأسرها. كما أعرب الطرطوسي أيضاً عن قلقه من أن الميثاق لم يطالب على وجه التحديد بدولة إسلامية شاملة وإنما اقتصر على إعطاء الإسلام مساحة للنمو والازدهار.
التبعات
على الرغم من أن “الجبهة الإسلامية السورية” لم تذكر صراحة أنها تريد دولة إسلامية إلا أن أهدافها وسياساتها المحددة توضح أنها تسعى لذلك في الواقع. وتشير وجهة نظر الجبهة عن التشريع القائم على الشريعة أنه سيتم “حماية” الأقليات لكنها لن تحصل على حقوق كاملة في مرحلة ما بعد الأسد. ورغم أن الجبهة ليس لها صلات بـ تنظيم «القاعدة» على غرار ما لـ “جبهة النصرة” من صلات، إلا أن رسائلها تشق طريقها إلى منتديات الجهاديين المشهورين. وبالإضافة إلى ذلك، فإن بعض الكتائب التي تعمل تحت لواء الجماعة الجديدة، لا سيما “كتائب أحرار الشام”، معروف عنها أنها تضم مقاتلين أجانب بين صفوفها.
ونظراً لهذه العوامل وفي ضوء التقارير التي توضح وجود تنسيق متزايد في العمليات القتالية مع “جبهة النصرة”، فإن “الجبهة الإسلامية السورية” ليست الفصيل الذي ينبغي على إدارة أوباما التعامل معه سياسياً أو عسكرياً. ومع ذلك، فوفقاً للشائعات الأخيرة، فإن “كتائب أحرار الشام” ربما تنضم قريباً إلى “المجلس العسكري الأعلى”، إحدى المنظمات المسلحة التابعة لـ “الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية” الذي تدعمه الولايات المتحدة. وهذا ربما يقيد مساعي الولايات المتحدة المحتملة لمساعدة المعارضة. وحتى لو لم تنضم كتائبها للمجلس، فلا تزال “الجبهة الإسلامية السورية” لاعباً هاماً على الأرض، ليس فقط بسبب قدراتها القتالية بل أيضاً بفضل تنظيمها لبعض أشكال الحكم البدائي في أجزاء من سوريا. سيتعين على الولايات المتحدة التعامل مع هذه الحقيقة عند اتخاذ أي قرار بشأن طريقة معالجتها للمشهد الحالي في سوريا.
تواجه الإدارة الأمريكية حالياً تحدياً كبيراً في تأمين المصالح الأمريكية في سوريا بسبب ترددها حتى الآن في دعم المعارضة. وفي حالة ثبوت كذب الشائعات المتعلقة بانضمام “الجبهة الإسلامية السورية” إلى “المجلس العسكري الأعلى”، ينبغي على واشنطن عندئذ الإسراع في جهودها لتدريب الوحدات المسلحة التابعة للمجلس وتمويلها وإمدادها بالسلاح. إن ذلك سيساعد على أقل تقدير في احتواء النمو المتزايد للقوات المقاتلة التي تعارض القيم الأمريكية ومصالحها في المنطقة.
*هارون ي. زيلين خبير في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى