- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

لحظة 14 شباط

طانيوس دعيبس

لحظة الحدث التاريخي الذي جسّدته جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري لا تزال مستمرة.
هذا هو الإستنتاج الأول الذي يجب أن يحضر في الذهن اليوم في الرابع عشر من شباط.
تلك اللحظة السياسية الكبرى أدخلت لبنان في مرحلة انتقال عنيف تغيّر معها مجمل واقعه السياسي وطبيعة الصراعات المتعددة التي تدور فوق مساحته الصغيرة. وأهم ما تغيّر هو عودة الإعتبار لفعالية العامل الداخلي في التأثير على مسارات هذه الصراعات وعلى نتائجها. أي بكلام أبسط أصبحت القوى السياسية اللبنانية أمام مسؤولية إعادة صياغة أدوارها وقراراتها وأشكال تعاملها مع الواقع السياسي اللبناني المأزوم. واليوم بعد مرور ثماني سنوات على هذا الإنتقال العنيف المستمر والمرشح للإستمرار، كيف يبدو المشهد اللبناني ؟
– أولاً، لا يزال العنف يطبع المراحل الإنتقالية التي نعيشها منذ العام 2005 ( مرحلة ما قبل الدوحة : عنف الإغتيالات والإنقسام الحاد العمودي انتهاء ب7 أيار – مرحلة ما بعد الدوحة : عنف التعطيل والخطاب الإلغائي وعنف محاولات العودة إلى ما قبل ال2005 – مرحلة ما بعد ثورات الربيع : عنف الحدث السوري بكل مظاهره.. ) . وهو عنف يعكس من بين عوامل عدة الطبيعة الإنقلابية في ممارسة واستهدافات القوى السسياسية ، وهي نقيض لطبيعة الصراع الديموقراطي التي تحتاج إلى تسوية تاريخية تجعل الصراع على السلطة عملية تداول بدل أن تكون عملية استيلاء .. والموضوع هنا يتجاوز فكرة السلاح . إنه عنف مضمون المشاريع السياسية وليس فقط مظاهرها.
– ثانياً ، لا تزال القوى السياسية، بأكثريتها، أسيرة انقسامها الأولي، بالرغم من التغيير الكبير الذي حصل في أسباب وظروف نشوئه. لقد تغيّر النظام العربي حتى ولو لم ترسو بعد صورته الجديدة على برّ.، وتغيّر النظام في سوريا أياً تكن نتائج المأساة التي تضربها اليوم. وتغيّرت مشاريع المنطقة الجيوستراتيجية إلى حد الحديث عن سايكس-بيكو جديدة. وتغيّرت المقاربات الإيرانية والتركية والسعودية والمصرية في الإقليم المحيط. ولم يستدع ذلك أية مراجعات فعلية وجريئة من جانب القوى اللبنانية تطرح السؤال عن جواز الركون إلى المراهنة على نتائج تلك المتغيرات ؟ أم الإنكفاء إلى الداخل اللبناني لإعادة بناء توافقاته في ضوء تلك المتغيرات. وقد يكون الصراع الدائر حول قانون الإنتخاب، في جانب منه، مؤشراً على قسرية هذا الإنكفاء عاجلاً أم آجلاً.
– ثالثاً، لا تزال الدولة اللبنانية دولة محتلة من الداخل. قد تكون تخلصت من احتلالات الخارج، لكنها بالتأكيد خاضعة لإحتلال القوى السياسية والطائفية المهيمنة عليها. بعد ثماني سنوات على استعادة حضورها، لم تستطع الدولة ان تتحوًل إلى حاضنة ومرجعية للبنانيين. لم تتحوًل إلى قوة معنوية تحميهم. جميع التوافقات والتسويات والصفقات تتم خارج مؤسساتها التي يقتصر دورها على تشريع وقوننة وتنفيذ تلك التوافقات. نحن لا نزال “مشروع دولة” حتى إشعار آخر..
– رابعاً، إن اللحظة السياسية التاريخية التي بدأت مع استشهاد الرئيس الحريري، المستمرة حتى الآن، لم تنتج بعد قواها السياسية التاريخية. قوى الأمر الواقع الموجودة التي ورثتها، بفصيليها   14 و8 ، لا تزال عاجزة عن الإنتقال بها إلى مرحلة الإستقرار. ولا يزال التخبط السياسي مهيمناً على أدائها محكوماً بفكرة واحدة هي الإستيلاء على السلطة. لحظة 14 شباط لم تجد بعد خريطة طريقها. والأمل أن لا يطول الإنتظار…