العمالة الأجنبية في برج حمود: استغلال وعنصرية… وانحراف
إميلي حصروتي ــ خاص “أخبار بووم” (إعادة نشر)
ماذا يجري في منطقة برج حمود اللبنانية، وكيف تحوّلت إلى رمز لعنصرية اللبنانيين ورفضهم لتقبل الأجانب على أرضهم، رغم ما اشتهروا به من حبهم للضيف؟ ما هو هذا التقرير التلفزيوني الذي أشعل دوائر مواقع التواصل الإجتماعي استنكاراً للّهجة التي تضمّنها بحق أجانب يعملون على الأراضي اللبنانية، مضيفاً إلى انقسام جبهتي 8 و14 آذار انقساماً جديداً، والأهم، كيف يرى أهالي برج حمود الوضع اليوم؟
تعود القضية إلى أسابيع خلت عرضت خلالها محطة “أم تي في” التلفزيونية اللبنانية تقريراً مصوراً خاصاً ضمن نشرة الأخبار المسائية، (انقر هنا)، تستعرض فيه حال أحد شوارع “برج حمود” من زاوية ما يعانيه قاطنوه من تدهور أمني واجتماعي وأخلاقي سببه غياب الرقابة والرعاية الأمنية للمنطقة التي تحتوي أعداداً كبيرة من العمالة الوافدة.
فقد جالت الكاميرا، ترافقها معدة التقرير، راكيل مبارك، في شارع يصل منطقة برج حمود بمنطقة الدورة المجاورة، التي تعتبر مركزاً لعدد من المصانع والمعامل التجارية، ملتقطةً الإنتشار العشوائي للعمالة الأجنبية الوافدة التي احتلّت الأرصفة والمباني السكنية، فتحوّل الشارع من خلالها الى مسرح للمخالفات الأمنية والأخلاقية أدّت الى انتفاضة السكان اللبنانيين ضدّ ما اعتبروه “مسّاً بأمنهم وأعراضهم و أرزاقهم”.
التقرير التلفزيوني نفسه، لم يأت بأيّ ابتكار، لكن التعابير العنصرية التي كالتها الصحافية طيلة أربع دقائق شكلت صدمة كبيرة لمن شاهدها وسمعها. نعوت تمييزية وتصنيف عرقي غير مسبوق، فوصفت العمال الأجانب بـ “الغرباء”، وصنّفت ذوي البشرة السوداء بـ “كأنك في السودان” وعادات الأجانب الإجتماعية بـ”أجواء غريبة”، فيما بدا فاقعا تغييب أي وجهة نظر لهؤلاء الأجانب الذين التقتطهم الكاميرا بشكل استعراضي، لخوف معدّة التقرير، كما ذكرت، أو قرفها، ربما، من الاقتراب منهم.
مواقع التواصل الإجتماعي التهبت استنكاراً لأسلوب معدة التقرير في الحديث عن العمالة الوافدة. واعتبر الناشطون الاجتماعيون أنها تخطّت ابسط القواعد الإنسانية والمهنية، في الوقت الذي انشغلت وسائل الإعلام بتصاريح السياسيين اللبنانيين حول الواقع المعيشي والاجتماعي لبرج حمود، وكأنه وليد اللحظة.
موقع “أخبار بووم” تحدّث إلى عدد من سكان المنطقة للوقوف على حقيقة الأسباب التي جعلت من برج حمود منطقة على حافة الانفجار السكاني والسياسي، وخصوصاً بعد الإجراءات التي اتخذتها البلدية بعدم تجديد عقود الإيجار غير المسجّلة لمن لا يستوفي شروط الإقامة النظامية من المهاجرين. وفي حين رأت أوساط تيار المستقبل في هذه التدابير محاولة من البلدية، المحسوبة على خصومها السياسيين، لتطهير المنطقة من الأكراد السوريين الذين شاركوا بتظاهرات ضد النظام في سوريا، انبرى نواب المنطقة لنفي التهمة وضبطها في إطارها التنظيمي فقط.
طوني، صاحب محل تجاري في برج حمود، يقول: “لدي عدد من الأصدقاء الوافدين الى المنطقة وبعضهم أكراد، وهم يعيشون مع عائلاتهم بكل احترام، ولكني لا أنكر أن هناك تجاوزات تحصل، كما جرى منذ فترة أمام متجري حيث طعن شاب كردي بسكينه مواطناً، فقمت بالاتصال بالقوى الأمنية التي اعتقلت الفاعل”. أما عن أسباب هذا العنف فيضيف: “هناك مشكلة إدمان الكحول التي تؤثر على أداء وتفكير هؤلاء المهاجرين، وخاصة العاطلين عن العمل منهم، حيث يتحولون الى الكحول للترويح عن فقرهم وغربتهم وضيقهم، فيحلّل لهم المشروب كل محرّم ويتعرضون بالكلام البذيء والتحرش للسيدات، ما يؤدي الى تدخل أبناء المنطقة ويتحول الأمر الى خلاف ينتهي عادة بالدم”.
وعن موقفه من قرارات البلدية، يقول طوني: “أشعر بالإرتياح طبعاً، ولكني أيضاً أعتبر هؤلاء المهاجرين مصدر دخل لي ولتجارتي، فآمل ان يتمّ إيجاد حلّ سريع لا يلحق الصالح بالطالح ويضرّ بهم وبنا”.
تقيم أم علي في برج حمود مع عائلتها منذ ثلاثين سنة، وهي حاليا تعيش خوفاً كبيراً: “لم يعد الحي آمناً، فالأغراب في كل مكان، حتى حجابي لم يعد يحميني من التحرشات والكلام المسيء لي ولحشمتي. ابنتي في الثامنة من العمر جاءها أحد الوافدين، وهو كردي، وعرض عليها مالاً لتلاقيه في الشارع المجاور، أحمد الله انني تنبّهت له في الوقت المناسب. لقد فرضت على ابنائي حظراً للتجول بعد السادسة مساء، كل يوم هناك ضحايا جدد لهؤلاء الزعران، وأحوالنا المادية لا تسمح لنا بالانتقال لمنطقة أخرى. والإتكال على الله في غياب الدولة”.
بلدية برج حمود بدأت فعلياً تطبيق قرار عدم تجديد الإيجارات، وقد تمّ طرد عدد كبير منهم، فيما حال من الخوف والترقب تسود من تبقوا. الأكثرية من هؤلاء يتشاركون غرفة سكنية واحدة للتخفيف من عبء الإيجارات، في مقابل تدني الأجور. وبحسب قرارات البلدية الجديدة، فإنهم سيصبحون في الشارع.
حسين (34 عاماً)، كردي سوري متزوج ويقطن مع عائلته في برج حمود منذ العام 1996، يقول: “لا شك أن هناك فئة من المنحرفين الذين يسيئون لسمعة الأكراد في المنطقة، وهم منبوذين منا أيضا ولكن الحل هو بيد الدولة اللبنانية التي يجب أن تعتقل المخلّ بالأمن أياً كانت جنسيته”. وعن قرار البلدية يقول: “أسكن مع عائلتي في شقة وقد تكلم معي وكيل البناية حيث أقيم، وأخبرني أنه صدر قرار بعدم تجديد الإيجارات لكل الأجانب في برج حمود، ولكنه بعد فترة عاد وقال لي إن العائلات لن يتعرض لها أحد وإن بإمكاني البقاء في منزلي”.
محمد (27 عاماً)، مقيم غير شرعي حالياً، صريح للغاية في مقاربته لواقع الوافدين الأجانب في برج حمود والأكراد خاصة، يقول: “إننا نتعرض لاستغلال مقيت من قبل اللبنانيين، سكنت برج حمود لمدة سبع سنوات وانتقلت مؤخرا الى منطقة الدورة المجاورة. غير صحيح أننا نختلق المشاكل ونخلّ بالأمن، بل على العكس، نحن نعمل بجدّ للقمة عيشنا بينما يأتي صاحب الملك فيزيد الإيجار عشوائياً ونقبل على مضض كوننا لا نستطيع اللجوء الى جهة حكومية تنصفنا، حتى فاتورة الكهرباء ندفع عمولة فوقها للجابي ونصمت كيلا نطرد من الشقة، إنهم يستغلون ضعفنا وقلة حيلتنا وصعوبة عودتنا الى ديارنا”.
ويضيف محمد، الذي طلب تغيير اسمه، “نحن في خوف دائم، فبعض مالكي الشقق لا يتورعون عن زجّنا في مشاكل وقضايا إخلاقية ليتمكنوا من طردنا وتأجير الشقق لمن يستطيع دفع إيجار أعلى. ثم هناك مشكلة عدم اعتبارنا بشر ذوي مشاعر، فماذا لو احببت فتاة وتقربت منها بغرض التعرف اليها لأخطبها وأتزوجها، هل هذا يحوّلني إلى متحرش ويدعو الجميع للتنادي لضربي وطردي؟ ولكن كل هذا يحصل لأن لا مرجعية أمنية نعود إليها وهذا برسم الدولة اللبنانية”.
لمن لا يعرف برج حمود، فهي من أولى الضواحي التي نشأت حول مدينة بيروت، وقد شكّلت ملاذاً للأرمن الذين جاؤوها هرباً من المجازر التي تعرّضوا لها في بدايات القرن الماضي على أيدي العثمانيين، ثم تابعت توسّعها وانضمّ إليها لبنانيون قادمون من أطراف الجنوب والبقاع سعياً وراء الرزق والعلم. غيّرت الحرب الأهلية اللبنانية وجه هذه المنطقة مرات كثيرة، فكان أن تهجّر ابناؤها من الشيعة وجاء مكانهم مسيحيون تهجّروا من قراهم، وبقيت السمة الأولى التي تمّيزها: فقر من يلجأون إليها وتنوّع أصولهم وفروعهم، في مرافقة مأساوية للإفرازات الديموغرافية التي عرفها لبنان مع كل أزمة.