صعلوكيات: ولكن من هو العدو ؟ إسرائيل فقط ؟؟؟؟
روبير بشعلاني
ولكن من هو العدو ؟ أسرائيل فقط ؟؟؟؟
الأنظمة التي هي سبب بلائنا ليست هي عدو؟؟؟” يسألني صديق ببراءة.
والصديق يظن حتماً أنه وضع اليد على الجرح. صحيح ليست إسرائيل العدو “فقط”.
الأنظمة ؟ منظومة نعم.
العدو هو منظومة النهب العالمي لثروات الأمم مباشرة أو عبر أدوات, مجرد أدوات. منظومة احتكار الكون وموارده بيد عدد قليل من الدول على رأسها دولة امبراطورية واحدة.
المنظومة عالمية أو معولمة كما يقال بلغة اليوم. وهي عالمية من زمن تحول الرأسمال من صناعي الى مالي. من زمن التنافس بين الرأسماليات المتنافسة على “السوق”, اي نحن الذين نستهلك ولا ننتج, أي نحن الذين نملك ثروات هائلة في باطن أرضنا.
مواردنا الأساسية موجودة في الخليج العربي, مركز عملية النهب في بلادنا. أين يضع السارق يده عادة ؟ في الجيب. وجيبنا نحن موجود منذ عقود في الخليج.
الناهب الخارجي يركز على سرقة موارد العرب في الخليج عبر تقسيم البلاد أولا وخلق كيانات هشة “مستقلة” و”معترف” بها دولياً, أي منه شخصياً, ثم عبر تعيين نواطير عشائرية وطائفية هشة أيضا لا يمكنها أن تستقر في الحكم بدون دعم الناهب نفسه فتصير دمى بين يديه. تنتج الكميات التي يحتاجها هو من النفط والغاز وبالأسعار التي تناسبه هو, ثم تنفقها على استهلاك بضاعته,هو, المدنية والعسكرية, وبالأسعار التي يحددها هو.
وما تبقى يوزع كفتات للنواطير التي تحتفظ بالقسم الرئيس منها وتوزع الباقي على “الدول” العربية الأخرى “المعترف بها دولياً” كريع تعيد العشائر الحاكمة توزيعه على العامة بما يسمح لها بإعادة إنتاج قراباتها المتخلفة, وبما يسمح بإعادة إنتاج تبعيتها للنواطير الخليجية, أي للمنظومة.
إسرائيل في هذه المنظومة تلعب دوراً وظيفياً كمخفر مكلف بأمن المنظومة وكقاعدة عسكرية زرعت في نقطة جغرافية تمنع توحد البلاد إذا ما طرأ على بال أحد منا ( عبد الناصر كمثال) أن يفكر في كسر المنظومة. لاحظوا معي أن حروب إسرائيل تترافق دائماً أو تلي تهديداً ليس لأمنها بل لأمن المصالح الإقتصادية الغربية, أمن المنظومة. فهي تستعمل في كل مرة لكسر أي مشروع إستقلالي ينشأ في المنطقة.
نحن إذن إزاء عدو مودرن يسميه بعض الفلاسفة إمبريالية. عدو لا يهمه من العالم الخارجي عن الرأسمال الفعلي إلا نهب موارده وتعزيز السيطرة عليه لكي يحوله الى دكان يستهلك بضاعته المنتجة كل يوم بحاجة أو من دون حاجة. “العرض يخلق السوق” يقول جهابذة هذا النمط.
عدونا منظومة إذن وليس أنظمة. عدونا هو عملية مركبة هدفها الأساس النهب. الباقي تفاصيل. العدو عندنا هو منظومة النهب التي ركبت نواطير قرابية محلية ومخفراً إسرائيلياً ودكاناً.
الممانعة ليست إلا ممانعة لهذه المنظومة. المقاومة كذلك. والثورة أيضاً. فلا يحدثني أحد عن ثورة حقيقية تقوم بدون تغيير هذه المنظومة والقطع معها. كل ثورة تقوم ضد “الأنظمة” هي في الواقع صراعات “سرايا”, بين النواطير أنفسهم, يتنافسون على خدمة الناهب بشكل أفضل. منافسة على وظيفة ناطور عند المعلم, الناهب الخارجي.
كل ثورة لا تقوم في مركز النهب أولا , أو لا تستهدفه أساساً, هي, في أحسن الظنون, صراع نواطير وفي أسوأ الظنون, مشبوهة.
الحرية والديمقراطية شعارات بحاجة الى دولة عصرية, دولة القانون والمواطن الفرد. والدولة بحاجة الى الاستقلال لكي تبنى وفقاً لمصلحتها هي. والاستقلال بحاجة الى استرجاع موارد الدولة المنهوبة وإلا لبقيت دولة تابعة وغير ديمقراطية لأنها في هذه الحالة تعمل لا وفقاً لمصالح شعبها بل خدمة لمصالح المحتل.
العملية المعرفية التي حولت “العدو” ونقلته من حقل النهب, المنظومة, الى حقل الحريات الشخصية, كأننا في الدول الإسكندينافية, هي حتماً عملية مقصودة ومشغولة ولم تأتِ أبداً من عدم. هي عملية إشغال أصحاب المصلحة بقضايا جانبية من أجل تعزيز العملية المطلوب إخفاء معالمها.
نعم المطلوب اليوم واكثر من اي يوم مضى تحديد العدو في بلادنا. فلقد صرنا نهباً لنظريات غير بريئة تحدد لنا, هي, العدو, طبعاً وفقاً لما يعزز منظومة النهب ويبقيها خارج الأضواء بحجج ملفقة وجاهزة للإرتداء الفكري. Prêt à penser
لكن هل يعقل أن تقوم حرية بلا دولة ؟ وهل يعقل أن تقوم دولة بدون استقلال ؟ وهل يعقل قيام استقلال بدون إمكانيات وموارد؟ وهل يعقل قيام دورة طبيعية لدولة طبيعية ثرواتها منهوبة ويديها مغلولة بشبكة من العلاقات الإقتصادية والمالية تجعلها رهينة بدل أن تكون غنية وحرة ؟
كل ثورة لا تقوم ضد هذه المنظومة, التي تجعل الغني فقيراً و تحرمك من استغلال عناصر قوتك في صراع الأمم, لا يعوّل عليها. العدو هو هذه المنظومة التي علينا مواجهتها بكل ما أوتينا من قوة. العدو هو هذه المنظومة التي تنحصر جغرافياً اليوم في بلادنا في منطقة الخليج أساسأً. فكيف يمكن لهذه النواطير الخليجية ان تدير تحررنا من المنظومة هذه وهم حلقة رئيسة فيها ؟
الثورة إذا لم يكن هدفها قلب النواطير ومن المكان المحوري لها, الخليج, واسترجاع الموارد, عبر فك التبعية وأواليات النهب, لبناء الدولة الحقة فهل تكون فعلا ثورة ؟ ضد من ؟ الأنظمة ؟ وماذا نفعل بها بعد الإنتصار على الأنظمة ؟ حروب أهلية لأن بناء الدولة بدون الموارد غير ممكن ؟
المنظومة مركبة ومترابطة على نحو لا يتيح فك الحلقات ومواجهتها واحدة واحدة. إلا من بابها ومفتاحه اليوم مركز النهب الدولي الرئيس في منطقتنا. العالم قائم اليوم على المصالح الإقتصادية والاستراتيجية. والصراعات البشرية قائمة على السيطرة على هذه المصالح ومن يقول غير ذلك هدفه الواضح إخفاء هذه الحقيقة الأزلية للسياسة. كل من يقول غير ذلك هدفه حرفنا عن وعي مصلحتنا في حقوقنا وتأبيد السيطرة علينا.
فصراعنا مع الغرب ليس على تفسير آية الكرسي ولا على الدين الأفضل للمرء ولا على شكل الحكم المثالي الأفلاطوني بل على ثرواتنا. هو ينهبها ونحن بحاجة اليها لبناء دولتنا الصاعدة إسوة بالأمم الطامحة. ونحن في هذه المعركة لسنا وحدنا في هذا العالم, بل لنا حلفاء واصدقاء يعانون ما نعاني ويحلمون بتحررهم كما نحلم.
كل السلوكات السياسية الخاطئة تبدأ بتحليل خاطيء لطبيعة الصراع وموضوعه وتحديد العدو الحقيقي ثم تتحول الى خطيئة خطرة عندما يبدأ المرء بالتبرير.
عدونا منظومة أي مجموعة عناصر مجردة ومركبة التعقيد والبعض يحاول أن يجرنا الى المحسوس المفرد السهل بهدف إبقائنا في الأحتلال الفعلي وفي التبعية والتخلف.