بيروت – «برس نت»
حكومة نجيب ميقاتي التي نجحت حتى الآن في تجاوز المطبات الكثيرة و الخطيرة التي واجهتها منذ ولادتها عبر اللعب على وتر الإنقسامات اللبنانية تارة أو عبر مقولة “النأي بالنفس” تارة أخرى، تجد نفسها اليوم في مواجهة أكبر كذبة كذبتها و صدقها آلاف العمال اللبنانيين في القطاع العام. فبعد مماطلة ورثتها هذه الحكومة عن سابقاتها و في خضم لحظة سياسية هامة في اللهيب الإقليمي الذي يحيط بلبنان فوجئت الهيئات الإقتصادية و المصرفية بإقرار مجلس الوزراء مشروع سلسلة الرتب و الرواتب للقطاع العام بكلفة 2200 مليار ليرة من دون أن تتمكن حتى اليوم من تأمين مصادر لتمويلها كاملة.
محادثات مطوّلة بين هيئة التنسيق النقابية و الحكومة استمرت طيلة الخمسة عشر أشهر الماضية أفضت جميعها الى مزيد من المماطلة و تراجعات أثارت ريبة الهيئة حول جدّية هذه الحكومة في تحويل القانون إلى مجلس النواب لدراسته، ما حدا بها الى الدعوة الى اضراب مفتوح بدأ في 19 شباط الجاري و تبعه عدد من التحركات الميدانية بلغت ذروتها اليوم في ما عرف بـ”زحف بيروت”. ففي مشهد لافت لم تشهده العاصمة منذ فترة طويلة، انطلقت تظاهرة نقابية عمالية حاشدة جمعت آلاف المعلمين و المعلمات الذين أتوا من كافة المناطق للمشاركة باتجاه السرايا الحكومية مقر رئاسة الوزراء اللبنانية حيث عقدت الحكومة جلسة وزارية لم يتضمن أي من بنودها إحالة قانون سلسلة الرتب و الرواتب الى مجلس النواب، ما دفع بهيئة التنسيق الى متابعة تحركها لتستمر التحركات يوم غد الخميس أمام وزارة المالية في بيروت بينما تتوزع بقية الاعتصامات أمام المعاهد التربوية و السرايا الحكومية في المحافظات و الأقضية اللبنانية كافة.
شدّ الحبال الذي وصل ذروته بين الحكومة و هيئة التنسيق النقابية يعزوه المراقبون و الخبراء الماليون الى استعجال الحكومة في إقرار قانون سلسلة الرتب و الرواتب قبل البحث الجاد في إمكانية تنفيذ القرارات التي اتخذتها لتمويلها من دون أن تمس هذه القرارات بالقيمة الشرائية للمواطن و زيادة الضرائب عليه إذ يرى البعض أنها باعت جلد الدب قبل صيده في حركة سياسية لا يبررها أي منطق اقتصادي فعلي. حاكم مصرف لبنان رياض سلامه كان قدر حضر جلسات الحكومة أثناء مناقشة قانون السلسلة و هو حذر الحكومة بالأرقام و الوقائع من مغامرة إقرارها قبل تمويلها فكان أن اعتمد مبدأ تقسيطها على خمس سنوات مخرجا لاستيفاء التمويل اللازم لها.
في عودة على المشهد العمالي، بدا ان هيئة التنسيق النقابية تمكنت و للمرة الاولى منذ فترة طويلة من حشد كافة القطاعات العامة و المجتمع المدني و النقابيين لدعم المطالب المستحقة لأصحابها. و قد بدا واضحا من الشعارات المرفوعة أن المواجهة قادمة الى تصعيد ما لم تحزم الحكومة أمرها بتحويل القانون الى مجلس النواب مما أفرح الناشطين الذين أثنوا على الطابع الجامع للتحرك العمالي الذي اخترق الاصطفاف المعهود بين جبهتي 8 و 14 آذار السياسيتين، و قد ذهبت الحماسة بالبعض ليروا في ما جرى اليوم بداية لربيع لبنان و لثورة جياع و للزحف الكبير نحو استرداد مال الشعب.
جلسة مجلس الوزراء اللبناني التي ختمت أعمالها مساءً دعت هيئة التنسيق النقابية للتروي و ترك المجال للدولة لايجاد ايرادات للتمويل.