سر معركة حلب: طريق «هو شي منه» بناه الإيرانيون والتف عبره الجيش السوري
باريس – بسّام الطيارة
تستأثر معركة حلب باهتمام المراقبين الدولين نظراً لتأثيرها المباشر على مجريات «الحرب في سوريا» من ناحية ميزان القوى بين المعارضة والنظام، وعلى الميزان القوى الإقليمي من ناحية الصراع المتمدد عبر الحدود.
ومن هنا أهمية الجولة التي حصلت في الأيام القليلة الماضية والتي قادت الجيش السوري لاستراد أكثر من ١٢ قرية غرب مدينة حلب ( سلمية وأثريا وخناصر والمزرعة ورسم النقل وأم عامود صغير وأم عامود وجنيد وقبتين وخريرش وجلاغيم وتل عابور وتركان وتل شغيب والنيرب ومخيم النيرب). والذي مكن النظام من حسم هذه الجولة هو تغيير استراتيجي كبير تم بفضل «المستشارين الإيرانيين». يذكر الجميع أن معركة حلب انطلقت في بداية شهر تشرين الأول/أوكتوبر وقيل يومها أن بشار الأسد رمى في المعركة قوات قوامها ٣٠ ألف عسكري مجهزين بدبابات ومدرعات وراجمات. ومع ذلك عجزت هذه القوة عن التقدم وقطعت لها المعارضة المسلحة الطريق الرئيسي في معرة النعمان. وقد حاول قوات النظام مراراً تجاوز هذه العقبة من دون جدوى.
هنا دخل على الخط تغيير استراتيجي كبير كبير تمثل في تطبيق خطط الطيب الذكر «الجنرال جياب» القائد العسكري الفيتنامي الذي وضع نظرية «تجنب التجمعات السكانية» وو ما قاده إلى خط طريق «هو شي منه» الذي ساهم بنقل قوات الفيتكونغ مباشرة خلف القوات الأميركية وقوات فيتنام الجنوبي في سايغون. وخلاصة هذه الخطة كانت ضرورة تجاوز «عقدة معرة النعمان» ومن هنا الاتجاه نحو الغرب ومن ثم الإلتفاف شمالاً ومحاصرة قوات المعارضة بين شرقي حلب والحدود (حيث قوات الأكراد). وقد كلف القائد في الحرس الثوري المهندس «حسام خوش نويز» المعروف بحسن شاطري، رئيس الهيئة الإيرانية لإعادة الإعمار في لبنا، برسم وإنشاء الطريق، وهو ما فعله بسرعة مذهلة «أثارت إعجاب الخبير الغربي» الذي اعترف بأن «رسم الطريق وانشاءها بهذه السرعة قد فاجئ المراقبين الغربيين»، ولمح الخبير إلى أن المهندس الإيراني الشاطري قد تم اغتياله في عنجر وليس قرب مجمع جمرايا جنوب دمشق، حين كان متوجاً لمراقبة «ورشة فتح الطريق».
وقبل أن ينتهي شق الطريق الذي «يتجنب التجمعات السكانية» انطلقت القوات خلال يومين فقط وراء ورش الأشغال التي كان يقوم بها إيرانيون لتفاجئ قوات المعارضة في القرى غرب ريف حلب بينما توجه رتل شرقاً فاقتحام قرية المالكية غرب مدينة السفيرة، وقد أكد مرصد حقوق الإنسان المقرب من المعارضة هذه المعركة ونقل وبيان للائتلاف الوطني المعارض خبر ارتكاب قوات نظام مجزرة . وقد تابعت القوات النظامية فاستعادت مدينة اليعربية وهو المعبر الحدودي مع العراق بمحافظة الحسكة، بعد أن كان مقاتلو المعارضة قد سيطروا عليها.
وانسلخ رتلاً آخر واتجه ليسطر على قرية تل شغيب في جنوب شرقي مدينة حلب (يوم الجمعة) وسمحت السيطرة على هذه البلدة بأعادة فتح خط إمداد إلى أكبر مدن سوريا : حلب، ويعوض فقدان السيطرة على جزء من الطريق السريع الرئيسي الذي يربط بين الشمال والجنوب، ما يقلب موازين القوى في معركة حلب.
وللجغرافيا دور مهم في هذه المعركة التي لا يتردد خبير غربي من وصفها بـ«المصيرية»: إذ أن منطقة حلب وريفها تشكل «رئة مفتوحة على الخارج» بالنسبة للقوى المعارضة المسلحة وتسمح لها بالتواصل مع «الحليف» التركي، وقد ازدادت أهمية هذه المنطقة بعد أن «استقرت الجبهة في رأس العين» نتيجة اتفاق يقول جميع الفرقاء إنه «لن يصمد طويلاً» ويصفه مقرب من الأكراد بأنه «اتفاق ميداني عسكري لا بعد سياسي له. وقد علمت «أخبار بووم» أن برهان غليون قد وقع علىالاتفاق أمس (السبت) ما أعطاه وزناً سياسياً. ويفسر مقرب من الأكراد هذا التوقيع بأن الجيش السوري الحر أدرك معنى أن يكون محصوراً بين اأكراد وبين الحدود التركية.
صمد الاتفاق أم لم يصمد فهو يشكل بالنسبة للجيش السوري «حاجزاً مريحاً» كما يقول الخبير الغربي. خصوصاً أن المناطق التي تمتد غرباً وصولاً إلى البحر الأبيض المتوسط (حوالي الـ ٣٠٠ كلم) تقطنها على جانبي الحدود السورية التركية أقليات ليست في وارد تأمين «غطاء سكاني» للمعارضة. من هتا يرى الخبير أن بين الأكراد والمعارضة السورية يخدم النظام السوري بشكل كبير جداً، ولا يستبعد أن تكون ديناميكية التفاوض التي باشرتها أنقرة مع حزب العمال الكردستاني تدحل ضمن استراتيجية نزع فتيل معركة حلب «بين المعارضة والأكراد» ومن هنا التساهل الذي تظهره تجاه الزعيم المسجون عبدالله أوجان. تدرك أنقرة بأن جمود الوضع على حاله يعني «تجميد» ما بين ٥٠٠ إلى ٦٠٠ كلم في مواجهة بين القوات الكردية والكتائب المقاتلة في المعارضة، بحيث لا تحتفظ المعارضة المسلحة المدعومة من تركيا والغرب إلا على حوالي ٣٠ إلى ٥٠ كلم (يبلغ طول الحدود ٨٦٠ كلم).
وتدور حول حلب «معركة ثانوية» للتمكن من مجموعة المطارات. وقد تحدث المرصد عن اشتباكات في محيط مطار النيرب العسكري المجاور لمطار حلب الدولي الذي يحاصره المقاتلون المعارضون منذ بدء «حرب المطارات» بالمحافظة في ١٢ شباط/فبراير المنصرم. وتسعى قوات النظام لفك الحصار عن بلدة خان العسل التي يحاول المقاتلون السيطرة عليها منذ أيام.
ويشير الخبير إلى أن غياب أي «تسليح جدي للمعارضة …وبسرعة» هو بمثابة فتح طريق حلب كي يعيد النظام سيطرته عليها وعلى وريفها ما يترك للمعارضة فقط حوالي الـ ٣٠ كيلومتر من الحدود المفتوحة على تركيا، وهي غير كافية لبناء ممر نحو «حوض سكاني» يفتح الطريق نحو إنشاء مناطق محررة وإقامة حكومة مؤقتة.