من يقاتل رجالات الأسد؟ بقلم وسيم نصر
بين مؤيدين ومعارضين، كُتب الكثير عن طبيعة الأوضاع في سوريا منذ بداية الحراك الشعبي في الخامس عشر من آذار الماضي. هل التظاهرات فعلاً سلميّة وكيف يُفسر عدد القتلى في صفوف العسكريين؟ هل يشن الأسد حرب إبادة ضد شعبه أو ضد الإرهابيين؟
أعطى الأسد “جواباً” على هذه التساؤلات في مقابلته الأخيرة مع الصنداي تيليغراف، عندما صرح أن “العمليات العسكرية الأخيرة تقاد حصرياً ضد الإرهابيين”، ما يعني أن العمليات السابقة كانت تشن ضد الجميع دون تمييز بين مدني، عسكري أو إرهابي…
الأسد في تفسير القمع من خلال “الصراع الذي بدأ في خمسينيات القرن الماضي بين الإسلاميين والقوميين العرب”. قبل أن يضيف أن أي هجوم غربي على سوريا سيؤدي إلى “زلزال” في الشرق الأوسط. هذه التصريحات تظهر أن النظام في سوريا في وضعيةٍ سيئة وأن طريقة قرأته للمتغيّرات لم تتغير منذ زمن حافظ الأسد، إذ إن الكثيرين من الحرس القديم لا يزالون فاعلين في أروقة النظام وهم يمسكون الكثير من مقوّمات الدولة وأجهزة الأمن فيها. إن كانت فعلاً سوريا لا تشبه تونس أو مصر أو ليبيا، فإن إرادة التغيير التي عصفت في كل هذه البلاد تبقى متشابهة.
إلا أن الاختلاف في سوريا يكمن في الإنقسام ما بين مكوّنات الشعب السوري الطائفية. إنقسام نراه يزداد وضوحاً في كل طبقات المجتمع وأيضاً على مستوى العائلة الواحدة في بعض الأحيان. إنقسام ليست المعارضة بعيدة عنه، بالرغم من كل محاولات توحيدها بطريقة تجعلها أكثر فعالية.
شبح الحرب الأهلية ليس ببعيد، فإن السوريين المؤيدين والمعارضين للنظام يتحضرون لمواجهة تزداد عنفاً يوماً بعد يوم.
تبنى الجيش السوري الحرّ الهجمات الأخيرة التي تعرضت لها الوحدات الموالية للأسد، وإن كان النظام يحاول التخفيف من وطأة ذلك بتركيزه على “هجمات الإرهابيين” دون ذكر المنشقين.
رياض الأسعد ورجاله لاجئون في تركيا “لأسباب إنسانية”، هذه رواية السلطات التركية. لكن العقيد السوري المنشق بحماية عشرة جنود أتراك ولا يمكنه التصريح أو التكلم إلا من خلال وزارة الخارجية التركية. بالرغم من التصريحات الرسمية التي تؤكد أنه ليس هنالك أي مساعدة عسكرية للمنشقين. الأسعد لا يخفي نيّته الإستحصال على الأسلحة ويدعو الدول الأجنبية إلى مساعدته في “حماية الشعب السوري”، فإنه يؤكد قدرته على إسقاط النظام إذا تأمنت له المساعدة العسكرية اللازمة.
هذا الضابط (الذي لجأ إلى تركيا بعد القمع الدموّي في قريته بديتا الذي أدى إلى مقتل العديد من أفراد أسرته) يؤكد أنه على رأس قوة من عشرة ألاف مقاتل (١٨ فرقة وبعض الخلايا السرية) وأنه على اتصال عملاني مع رؤساء الفرق في الداخل السوري ويتبنى المسؤلية الكاملة عن كل العمليات القائمة ضد القوات الموالية للنظام. لكن الأخصائيين يناقضونه في تحليلهم للوضع العسكري في سوريا، إذ يصفون العمليات بغير المنظمة والعشوائية.
إذاً من أين يأتي السلاح إلى سوريا؟ لسخرية القدر نفس المهربين الذين خدموا مصالح النظام لسنين طويلة، هم الذين يهربون وسائل الإتصال والسلاح إلى ثوار سوريا. المهربون يعملون بشكل عائلي أو عشائري وانتقالهم إلى تهريب السلاح لا يكمن عن قناعة سياسية بل أكثر من أجل الربح المادي أو لأسباب تعود إلى الثأر بسبب النزاع القديم مع السلطات. على سبيل المثال القتال الذي دار في بداية الثورة على الحدود اللبنانية، والذي وصف على أنه قتال بين منشقين والجيش، كان قتالاً بين المهربين والهجانة (حرس الحدود السوري).
تهريب السلاح يدر أرباحاً طائلة، إذ أن البيوت السورية لا تعج بالأسلحة مثل البيوت اللبنانية أو العراقية. المشترون ليسوا فقط من الثوار بل أيضاً من الأقليات مثل العلويين والمسيحيين الخائفين من تغيير النظام، إذ أن التجربة العراقية لا تزال في الأذهان. هذا الطلب الجديد على الأسلحة الفردية يُشعل الأسعار، على سبيل المثال فإن الكلاشينكوف يباع بسعرٍ يناهز ١٥٠٠ دولار بعد أن كان سعره لا يزيد عن ٨٠٠ دولار.
الحدود اللبنانية السورية ، ٣٣٠ كلم، يصعب ضبطها، بالرغم من جهود السلطات اللبنانية التي لا تزال تداري الجار السوري، بالرغم من الإختراقات السورية للحدود وبالرغم من تلغيم بعض المناطق من قبل الجيش السوري؛ إذ أن عدد الممرات غير الشرعية المعروفة عددها يزيد عن ٥٠.
من ناحية الحدود الشرقية الموقف العراقي، بداية الشهر الفائت، لم يلق تغطية إعلامية تذكر، بالرغم من أن الحكومة العراقية أعلنت دعمها للنظام السوري. قوات عراقية نُشرت على الحدود لمكافحة تهريب الأسلحة، حتى أن الجيش العراقي نفذ عمليات داخل الأراضي السورية في منطقة البوكمال. لكن مسؤول اللجنة الأمنية لمنطقة الأنبار العراقية أعلن أنه يدعم مطالب الشعب العراقي ونفى أي تنسيق مع الجهات السورية المختصة. ذلك من غير أن ننسى خوف العراقيين من إستعمال بلادهم “كصندوق بريد” لتمرير رسائل سورية إلى الغرب. حتى أن بعض الخبراء يرون أن عودة التفجيرات يمكن أخذها من هذا المنظار.
لكنهم لا يأخذون بعين الإعتبار المصالح الإيرانية، إذ أن تفجر الوضع العراقي لا يخدم طهران لا على مستوى العراق ولا على مستوى المنطقة. مصالح سوريا وإيران إن كانت متناغمة فهي ليست متطابقة؛ مما يجعل تهديد الأسد بتفجُر المنطقة عارٍ من المضمون من دون دعم إيراني عملي وفعلي. علماً أن نفوذ طهران زاد على حساب نفوذ دمشق في الآونة الآخيرة.
دور تركيا في المرحلة المقبلة سيكون مفصلياً. الطلب المتزايد حول منطقة حظر جوّي يأتي مع محاولة إقامة نواة مقاومة في المناطق الجبلية على الحدود التركية شمال غرب سوريا. لكن النظام السوري لاحظ ذلك منذ بداية الحراك الشعبي ودفع بقواته لإفراغ هذه المناطق من سكانها الذين فروا إلى الأراضي التركية.
أنقرة “تسمح” للجيش السوري الحرّ بتنسيق عمليات داخل سوريا والعودة إلى المخيمات داخل أراضيها، دون أن ننسى دور تركيا في إستقبال المعارضة السورية وتسهيل عملها. إن كان العمل العسكري لا يؤثر على النظام حالياً، فإن الدعم المتزايد للمعارضة سيكون له تأثير متزايد.
إعلان إنتهاء العمليات العسكرية في الشرق التركي ضد حزب العمال الكردستاني سيجعل الأتراك طليقي الأيدي في تعمالهم مع الوضع السوري، إذ أن خطر إستعمال الأكراد سيكون أقل وطأةً على القيادة التركية. في نفس السياق الذي سبق وذكرته أن إيران هي على تنسيق كامل وشامل مع تركيا على كل الأصعدة، وبالأخص على الصعيدين العسكري والأمني، ما يحد أيضاً من قدرة سوريا على التلاعب بهذا الملف.
آخر خطاب لرجب طيب إردوغان كان بغاية الوضوح، إذ أعلن أن الشعب السوري سيصل إلى مبتغاه، واصفاً ضحايا القمع بالشهداء. هذا وعزلة سوريا المتزايدة يوماً بعد يوم، على ضوء آخر التصريحات الروسية، الصينية وحتى الإيرانية. تجعل تفجر الوضع الأمني في الداخل السوري الخطر الأكبر حالياً. إذ أنه الخيار الأسوأ إنما الوحيد للنظام، إلا إذا كان قبول المبادرة العربية حقيقياً، لكن إستمرار القتل والتدمير لا يبشران بذلك…