العراق على أبواب الحرب الأهلية في سوريا
في الوقت الذي كان المقاتلون السوريون المعارضون يحققون الاثنين تقدمهم الابرز على قوات نظام الرئيس بشار الاسد بسيطرتهم شبه الكاملة على مدينة الرقة في شمال البلاد، تمددت الحرب السورية الى منطقة الانبار العراقية حيث ادى كمين الى مقتل 48 جنديا سوريا نظاميا كانوا في طريق عودتهم الى الاراضي السورية.
إذ اعلنت السلطات العراقية مقتل 48 جنديا سوريا في كمين غرب العراق الاثنين اثناء اعادة نقلهم الى بلادهم التي فروا منها خلال اشتباكات مع معارضين، في حادثة تنذر بانتقال فعلي للصراع السوري الى العراق. وقال علي الموسوي المستشار الاعلامي لرئيس الحكومة العراقية نوري المالكي في تصريح لوكالة فرانس برس ان الجنود السوريين “جرحى وكانت تتم اعادتهم عند معبر الوليد (غرب)، وقد اعترضتهم مجموعة ارهابية وقتلت منهم 48 جنديا وتسعة جنود عراقيين”. واضاف “هذا يؤكد مخاوفنا من محاولة البعض نقل الصراع الى العراق، لكننا سنتصدى بكل قوة لهذه المحاولات من كل الاطراف”.
واصدرت وزارة الدفاع العراقية في وقت لاحق بيانا اتهمت فيه “مجموعة ارهابية” قالت انها تسللت من سوريا بقتل الجنود السوريين والعراقيين. واوضح البيان ان الجنود السوريين الذي كانوا ينقلون الى معبر الوليد (غرب) تمهيدا لتسليمهم الى السلطات السورية “تعرضوا الى عدوان غادر من قبل مجموعة ارهابية متسللة الى داخل الاراضي العراقية قادمة من سوريا”. وحذرت الوزارة “كافة الاطراف المتصارعة في الجانب السوري من نقل صراعهم المسلح داخل الاراضي العراقية او انتهاك حرمة حدود العراق، وسيكون الرد حازما وقاسيا وبكل الوسائل المتاحة”.
وبحسب المقدم في قوات حرس الحدود محمد خلف الدليمي، فان الجنود السوريين فروا الى العراق يوم السبت خلال اشتباكات مع قوات معارضة عند منفذ اليعربية الحدودي (شمال غرب). واوضح الدليمي ان الكمين “وقع في منطقة مناجم عكاشات” القريبة من الرطبة (380 كلم غرب بغداد) “عندما قام مجهولون بفتح النار من جانبين باتجاه الموكب واستطاعوا حرق ثلاث سيارات عسكرية وقد استخدموا القذائف والعبوات الناسفة والاسلحة الرشاشة”.
وذكر ضابط في قيادة عمليات الانبار ان عدد الجنود السوريين الذين كانوا في طريقهم الى معبر الوليد هو 65 جنديا، وان الاشتباكات بدات عند الساعة 15,00 (12,00 ت غ) واستمرت لنحو ساعة ونصف ساعة. من جهته قال ضابط في الجيش العراقي لفرانس برس ان “معظم المسلحين هم من تنظيم القاعدة”، وان “اتفاقا بين العراق والحكومة السورية” هو الذي دفع العراق الى محاولة اعادة الجنود السوريين الى بلادهم.
ميدانيا، اعلن مدير المرصد السوري لحقوق الانسان المقرب من المعارضة رامي عبد الرحمن في اتصال هاتفي مع وكالة فرانس برس انه “تمت السيطرة بشكل شبه كامل على مدينة الرقة باستثناء اجزاء ما زالت القوات النظامية متواجدة فيها، لا سيما مقر الامن العسكري وحزب البعث” حيث تدور اشتباكات. واضاف عبد الرحمن ان الرقة الواقعة في محافظة تحمل الاسم نفسه ويسيطر المعارضون على اجزاء واسعة من اريافها، قد تكون “خلال الساعات المقبلة، اول مركز محافظة خارج سيطرة النظام”. واوضح ان المقاتلين هم من “جبهة النصرة” الاسلامية المتطرفة المدرجة على اللائحة الاميركية للمنظمات الارهابية، اضافة الى مجموعات اخرى مقاتلة. وتحدث عن معلومات عن “اسر ضابط كبير في فرع امن الدولة ونقله الى تركيا”، اضافة الى اسر ضابط كبير آخر في الامن السياسي، ومقتل ضابط كبير في شرطة المحافظة.
الى ذلك، اظهر شريط فيديو بثه ناشطون على شبكة الانترنت جمعا من الاشخاص وهم ينزلون تمثالا للرئيس السوري الراحل حافظ الاسد، والد الرئيس الحالي بشار الاسد. وفي وقت لاحق، اشار المرصد الى تعرض محيط قصر المحافظة القريب من التمثال، للقصف من الطائرات الحربية “في محاولة لابعاد مقاتلي الكتائب المقاتلة” ومنعهم من اقتحام القصر، ومتحدثا عن سقوط “عشرات الشهداء والجرحى”.
وتقع المدينة على نهر الفرات في شمال البلاد وعلى مقربة من الحدود التركية، وكانت تضم قرابة 240 الف نسمة، قبل ان يضاف اليهم نحو 800 الف نازح من مناطق سورية اخرى جراء النزاع المستمر في البلاد منذ نحو عامين. وتعليقا على هذه التطورات الميدانية في الرقة، اصدر المجلس الوطني السوري المعارض احد ابرز فصائل المعارضة بيانا قال فيه ان “الشعب السوري عاش اليوم لحظات تاريخية تمثلت بتحرير محافظة الرقة، وكنس بقايا النظام المجرم من ريفها ومدينتها”.
واضاف البيان “بتحرر محافظة الرقة ذات المساحة الشاسعة والموقع الاستراتيجي، تتواصل عشرات آلاف الكيلومترات المربعة المحررة في شرق سوريا وشمالها، بعشرات آلاف الكيلومترات المحررة في شمال وغرب ووسط سوريا، وهو ما يمثل نصرا حاسما في مسيرة إسقاط النظام الأسدي المجرم، وخلاص سوريا من أبشع حقبة في تاريخها”.
وفي مناطق اخرى من شمال البلاد، تدور اشتباكات “داخل اجزاء من مطار منغ العسكري” في ريف حلب بشمال البلاد، والذي يحاصره المقاتلون المعارضون منذ شباط الماضي ضمن ما اطلقوا عليه “معركة المطارات” في المحافظة.
ونقلت صحيفة الوطن السورية الموالية للنظام ان “مسلحين ارتكبوا مجزرة مروعة في مدرسة الشرطة القريبة من قرية خان العسل في مدخل مدينة حلب الغربي راح ضحيتها نحو 115 شهيدا و50 جريحا كلهم من الشرطة المكلفين حماية الصرح التدريبي”.
في وسط البلاد، تشن القوات النظامية حملة واسعة لاستعادة احياء خارج سيطرتها في مدينة حمص، بحسب المرصد الذي قال ان اشتباكات “هي الاعنف منذ اشهر” تدور عند اطراف القرابيص وجورة الشياح والخالدية وحمص القديمة، تترافق مع قصف يستخدم فيه الطيران. وتحاصر القوات النظامية هذه الاحياء وسط المدينة التي يعدها الناشطون “عاصمة الثورة” التي اندلعت منتصف آذار/مارس 2011.
واشارت مصادر المعارضة الى ان “القوات النظامية وقوات الدفاع الوطني المسلحة الموالية لها بدأت هجوما الاحد على هذه الاحياء”، ما اسفر عن “مقتل وجرح العشرات” من الجيش النظامي وقوات الدفاع التي شكلها النظام من مدنيين مسلحين لمساعدته في القتال.
ومن الرياض كرر وزير الخارجية الاميركية جون كيري موقف الادارة الاميركية الحذر من تسليح المعارضة السورية، مكررا المخاوف من وصول هذه الاسلحة الى “الايدي الخطأ”، الا انه ابدى موافقة ضمنية على ارسال اسلحة من دول اخرى الى “المعتدلين” في هذه المعارضة. وتعهد وزير الخارجية الاميركي من الرياض دعم المعارضة السورية من دون تسليحها. وقال في مؤتمر صحافي مع نظيره السعودي الامير سعود الفيصل، ان “لدى المعارضة المعتدلة القدرة للتاكد من ان الاسلحة تصل اليها وليس الى الايدي الخطأ”، وذلك ردا على سؤال حول ارسال دول كقطر والسعودية اسلحة الى المعارضين. واضاف الوزير الاميركي الذي التقى عددا من نظرائه الخليجيين، انه “ليست هناك ضمانات بالا تصل الاسلحة الى الايدي الخطأ”. وتمتنع الادارة الاميركية عن تزويد المقاتلين بالسلاح خشية وصوله الى الاسلاميين.
من جهته، قال الفيصل ان بلاده الداعمة للمعارضة “تشدد على اهمية ان يتمكن الشعب السوري من الدفاع عن نفسه كحق مشروع”. وردا على سؤال حول الاسلحة المرسلة الى المعارضة، اجاب “لا نستطيع ان نقف صامتين امام المجرزة في سوريا. لدينا واجب اخلاقي (…) لم نر نظاما يستخدم صورايخ استراتيجية ضد شعبه”.
وبحث الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الفرنسي فرنسوا هولاند هاتفيا الاثنين في سبل “مواصلة التعاون لتطبيع الوضع في سوريا” بحسب الكرملين. واكد الاليزيه ان الاتصال تخلله “تبادل عميق للآراء” بين الرئيسين “في تمديد لمحادثاتهما في موسكو في 28 شباط/فبراير”. واعرب الرئيس الفرنسي عن قلق بلاده “حيال تصاعد اعمال العنف وتفاقم التهديدات المرتبطة بالازمة السورية”.