النفايات الصحية الأميركية تغزو البرازيل
باهيا ــ ساندرا شاغوري
قضى “المعهد البرازيلي للبيئة والموارد الطّبيعية المتجدّدة” (إيباما) يوم الثلاثاء 25 تشرين الأول/أكتوبر الماضي بفرض عقوبة على مؤسسة برازيلية مختصّة في النّسيج، “إيمبيريو ديفورو بولسو” أو إمبراطورية قعر الجيوب، والمتواجدة في ولاية بيرنامبوك، بغرامة مالية قدرها ثلاثة ملايين من الدّولارات، أي ما يقارب 2.1 مليون يورو لاستيرادها من الولايات المتحدّة 46 طنّا من نفايات المستشفيات.
وكان من المفترض أن يعاد إرسال هذه الشّحنة إلى ميناء تشارلستون الواقع في ولاية كارولينا الجنوبية في الولايات المتّحدة، لكنّ فات الأوان. وعمّت بلبلة في منطقة شرق البرازيل حيث يتركّز معظم زبائن هذه المؤسّسة المدانة.
وقامت مصالح “الوكالة الوطنية للرّقابة الصّحية” (أنفيزا)، يومي 11 و13 تشرين الأول/أكتوبر الماضي، بضبط حاويتين معبئتين بالقطن في ميناء “سوابي” شمال شرق البرازيل. واكتشفت السّلطات أنّ الشّحنة كانت تحتوي على شراشف ووسادات وملابس نوم بالية وكومة من الأقمشة المختلطة بحقن وأنابيب القسطرة وقفازات كلّها قادمة من مستشفيات الولايات المتّحدة.
ويقول جيلبيرتو يرنك، وهو تقنّي في معهد “إيباما”، “ذهبنا مباشرة لمقابلة المتسلّم، حينها أدركنا أنّ الشّحنات هي في حقيقة الأمر منتوجات مبيعة”، وفي إحدى المستودعات تمّت مصادرة أكثر من 30 كيلوغراماً من “أقمشة نسيج لا تستجيب للمواصفات المعمولة بها دوليّاً”، والتّي كانت جاهزة للبيع فوراً. ودُعيت مؤسسة “إيمبيريو ديفورو بولسو” لإيقاف جميع أنشطتها، ويضيف يرنك مرتبكًا: “لا أريد أن أصدّق أنّها ممارسة شائعة”.
ومع ذلك، فبعد هذا الاكتشاف المربك، ضاعفت عناصر الأمن تدخلّها على مستوى العديد من المستشفيات في المنطقة بفضل الاستنكارات المستمرّة التّي تهاطلت على الإذاعات المحلّية. وتمّ العثور في مستودعات بمدينة “كاروارو” على عشرة أطنان من الشّراشف والوسادات والسّترات الآتية من الوجهة ذاتها. وتمّت عملية تفتيش واسعة في مراكز المستشفيات الإقليمية بمدينة إيلهيوس في منطقة باهيا البرازيلية ومصادرة أكثر من 830 كيلوغراماً من أنسجة المستشفيات، وكانت الأنسجة هذه المرّة كلّها مطبوعة بأسماء مستشفيات وعيادات طبّية برازيلية. لكنّ هذا الخبر لم يكن مدعاةً للارتياح إلاّ قليلاً، فلقد كشفت محاسبة المستشفى أنّ تلك الأنسجة تمّ شراؤها بـريالين (ما يعادل 80 سنتيماً يورو) للمتر الواحد من طرف مؤسّسة محلّية مموّلها متواجد في سانتا كروز دو كابيباربي، حيث المقرّ المركزي لمؤسّسة “إيمبيريو ديفورو بولسو”.
وبدأ الهلع والخوف ينتشر تدريجياً على كامل المنطقة، وقامت وكالة “أنفيزا” بتوضيح التّشريع الخاصّ بنفايات المستشفيات: “المبيعات التّي تمتّ مصادرتها في ميناء سوابي هي خطرة وآتية من مصادر مجهولة”. هذا ما أوضحه لويس أرماندو أمارال، المدير المساعد للوكالة، التي تقوم بالتّفريق بين النّفايات المتماثلة (الشّراشف والبزّات) التّي يستلزم تطهيرها ويمكن إعادة بيعها، وبين نفايات المستشفيات التّي عليها آثار الدّم وإفرازات الجسم، وهذه النّفايات لابدّ من حرقها وإتلافها كليّاً.
في الوقت ذاته، نفى مالك الشّركة، ألتير تيكسيرا ديمورا، استيراد 46 طنّاً من نفايات مستشفيات الولايات المتّحدة. وعقب محامي المالك، جيلبيرتو ليما، مؤكّداً أنّ “المصدّر أخطأ في السّلعة، وزبوني يشتري القطن المعيب منذ عام 2009 من مؤسسة “تاكسبورت إينس”.
وتحوّلت الأنظار بعدها نحو الولايات المتّحدة، وتمكّنت يومية “أو إيستادو ديساوو باولو” من الاتصال بالمتحدّث باسم الشّركة الشّمالية الأميركية بنيويورك، لكنّه رفض أن يكشف عمّا إذا كان اسم مؤسسة “إيمبيريو ديفورو بولسو” مسجّلاً على القائمة الطّلبية وأوضح بعدها “يتمّ التّفاوض على المبيعات مع زبائننا البرازيليين من مقرّنا الرّئيسي في الهند”.
وتدخّل النواب المحلّيون بعدما عبّروا عن سخطّهم في كون البرازيل أصبحت مزبلة للولايات المتّحدة، وطلب رسميّاً محافظ ولاية بيرنامبوك، إدواردو كامبوس، من مكتب التّحقيقات الفيدرالي (أف.بي.آي) القيام بتحقيق في تشارلستون.
وأوضح وكيل الشّؤون الاجتماعية، المكلّف بالوساطة لدى قنصل الولايات المتّحدة في المنطقة الشّمالية الشّرقية، أنّه من المزمع أن تقوم وكالة حماية البيئة الشّمالية الأميركية بإرسال ممثّل إلى البرازيل لمتابعة التّحقيق.
من جهة أخرى، صرّح وزير الصّحة البرازيلي، ألكسندر باديلا، في 21 تشرين الأوّل/أكتوبر، “إنّنا لن نسمح لأيّ بلد كان أن يجعل من بلدنا البرازيل مزبلته الخاصّة”.
وقرّرت لجنة مجلس النّواب الذّهاب إلى ولاية بيرنامبوك لمرافقة المحقّقين يوم 31 تشرين الأوّل/أكتوبر، ويقول غاضباً ألويزيو دوس سانتوس جونيور، وهو من حزب الخضر، “التّخطيط في المتاجرة بهذا النّوع من السّلع هو فعل همجيّ، تصوّروا كلّ الأشخاص الذّين سيستعملون هذه السّلع بعد ذلك، هذا يشّكل لهم خطرا كبيرا في الإصابة بحالات عدوى مرضية”.
وستقوم اللّجنة بتفقّد، خاصةً، قطب النّسيج في منطقة “سوابي”، حيث أصبحت مؤسسة “إمبراطورية قعر الجيوب” غير مرغوبة لدى التّجار الذّين لا يزالون مصدومين.