تحقيق: محنة اللاجئين السوريين في أوروبا
أثينا (رويترز) – فر صاحب متجر سوري يدعى أسامة من القتال في حلب وهو على ثقة بأنه سيلقى ترحيبا في أوروبا. لكن بعد مرور خمسة أشهر تقطعت به السبل في اليونان التي شارفت على الإفلاس حيث بدأ يعاني من شح في المال وفتور في مشاعر المحيطين به.
وبعد أن تعرض أسامة وزوجته وطفليهما للضرب والسرقة من مهربيهم فور وصولهم إلى أثينا اعتقلوا بسبب الهجرة غير الشرعية واحتجزتهم الشرطة اليونانية التي رووا لها محنتهم. وبعد صدور أمر لهم بمغادرة اليونان دون تحديد وجهة محددة ندم أسامة على ذهابه إلى هذا البلد.
قال أسامة (35 عاما) أثناء جلوسه في شقة قديمة بالطابق الأرضي على جدارها علم سوريا “في الوقت الحالي نعلق كل آمالنا بالله. هناك حرب في سوريا أصابتها بدمار كبير.”
وأضاف “عشنا في اليونان أقسى تجاربنا ولا نستطيع الذهاب إلى بلد آخر. ليس لدينا مال ولا وثائق تحقيق شخصية ولا جوازات سفر. نحن محاصرون هنا.”
وتقول السلطات اليونانية إن الشرطة ملتزمة بإلقاء القبض على كل من يدخل البلاد بطريقة غير شرعية.
وليست أسرة أسامة إلا حالة من الحالات المتزايدة التي يصل فيها لاجئون سوريون إلى أوروبا أملا في بداية جديدة ولا يجدوا أنفسهم إلا محاصرين في أكثر دول القارة تعثرا من الناحية المالية حيث أججت الأزمة مشاعر الكراهية تجاه المهاجرين.
وفي العام الماضي اعتقلت اليونان أكثر من ثمانية آلاف سوري لدخولهم البلاد بطريقة غير شرعية مع استمرار الانتفاضة ضد الرئيس بشار الأسد إذ كان معظم هؤلاء السوريين يأملون في الذهاب إلى شمال أوروبا.
وانتقدت جماعات حقوقية معاملة السوريين في اليونان قائلة إنهم يتعرضون للاعتقال والاحتجاز ورفض طلبات اللجوء بل والترحيل على العكس تماما من استقبالهم في دول أخرى بالاتحاد الأوروبي مثل السويد وألمانيا اللتين تقدمان نوعا من الحماية للسوريين.
وقالت إيفا كوسي المسؤولة عن مراقبة اليونان في منظمة هيومن رايتس ووتش المعنية بالدفاع عن حقوق الإنسان “وضع طالبي اللجوء السوريين سيء للغاية شأنه في ذلك شأن غيرهم من طالبي اللجوء في اليونان.”
وتسلط قصة أسامة الضوء على محنة اللاجئين السوريين الذين لا يجدون تعاطفا يذكر معهم أو فرصة للحصول على حق اللجوء أو فرصة عمل. ونظرا لاحتياجهم إلى مغادرة البلاد فإنهم يقعون ضحايا لاستغلال المهربين.
وبعد أن دمرت قنبلة منزل أسامة في حلب العام الماضي دفع سبعة آلاف يورو (تسعة آلاف دولار) للمهربين الذين قاموا بتهريب أسرته على متن قارب من تركيا إلى جزيرة ساموس اليونانية.
وفور وصولهم إلى أثينا استدرجهم المهربون -الذين وعدوهم باستكمال رحلتهم ونقلهم إلى بلد آخر في أوروبا- إلى شقة عصبوا فيها أعينهم واعتدوا عليهم بالضرب وسرقوا وثائقهم ومدخراتهم البالغ قدرها 12500 يورو.
غير أن أفراد الأسرة صدموا عندما اعتقلتهم الشرطة جميعا بمن فيهم الطفلين البالغين من العمر ثلاث وخمس سنوات وأودعتهم مركز احتجاز مكتظا بالمهاجرين غير الشرعيين.
وقال أسامة الذي لم يكشف سوى عن اسمه الأول خوفا على سلامة أقاربه في سوريا “لقد سرقونا ودمروا معنوياتنا تقريبا واحتجزونا رغم أننا كنا ضحايا.”
ويقول أسامة إنه بعد أسابيع من احتجازهم للمرة الأولى عاد إلى مركز الشرطة لمتابعة قضية السرقة ليتم اعتقاله مجددا واحتجازه عشرة أيام لتجاوزه فترة الإقامة المسموح بها بموجب أمر الترحيل.
ومع استبعاد العودة إلى سوريا واستحالة الذهاب إلى مكان آخر في أوروبا دون أموال أو جوازات سفر لا يغادر أفراد أسرة أسامة منزلهم في أثينا إلا نادرا خشية أن تلقي الشرطة القبض عليهم أو يهاجمهم اليمينيون المتشددون.
وفي ظل الفقر المدقع الذي تعيشه أسرة أسامة فإنها تعتمد على بعض السوريين الآخرين للبقاء على قيد الحياة.
وتقول منظمة هيومن رايتس ووتش نقلا عن بيانات الشرطة إنه منذ بداية عام 2012 رحلت اليونان ما لا يقل عن 55 سوريا.
وتنفي اليونان ترحيل سوريين قائلة إن عمليات الترحيل التي قامت بها العام الماضي وعددها 58 كانت لأشخاص يريدون العودة رغم أن المنظمة الحقوقية تفند ذلك نظرا لأن حالات العودة الطوعية تدرج على قائمة منفصلة بعيدا عن الترحيلات كما أن وكالة الاتحاد الأوروبي لمراقبة الحدود (فرونتكس) كشفت أيضا عن زيادة كبيرة في “حالات الإعادة القسرية” للسوريين من جانب اليونان.
وقالت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشئون اللاجئين إن اليونان رفضت 150 طلب لجوء من السوريين العام الماضي ولم توافق سوى على طلبين عندما فر الآلاف من الصراع الذي أودى بحياة 70 ألف شخص.
وفي مبنى حكومي بإحدى ضواحي أثينا نفى مسؤول كبير معني بالهجرة في وزارة الأمن العام اليونانية تعامل بلاده مع اللاجئين السوريين بطريقة جائرة.
وقال المسؤول باتروكلوس جورجياديس “ما نسعى إليه هو معاملتهم بطريقة مختلفة .. أن نبدأ بهم ونطلق سراحهم من مراكز الاحتجاز” مضيفا أن اليونان تريد وضعا خاصا للسوريين ولم تجد حتى الآن صيغة قانونية لهذا الوضع.
ونفى جورجياديس أيضا رفض اليونان طلبات لجوء سورية قائلا إن تراكم الطلبات على مدى ثلاث إلى خمس سنوات يعني أن من قدموا طلباتهم العام الماضي لم ينظر في حالاتهم حتى الآن.
ودافع عن احتجاز اليونان للسوريين قائلا إنه لا خيار لديها سوى اعتقال أي شخص يدخل البلاد بطريقة غير شرعية مشيرا إلى أنه من القانوني احتجازهم لمدة تصل إلى 18 شهرا.
وتزيد الأزمة المالية الشديدة التي تعاني منها اليونان من الصعوبات التي كثيرا ما واجهتها في التعامل مع تدفق المهاجرين من آسيا وإفريقيا فيما أدت المشاعر العدائية المتزايدة تجاه المهاجرين إلى تزايد الهجمات عليهم وساعدت حزب الفجر الذهبي اليميني المتشدد على دخول البرلمان للمرة الأولى في العام الماضي.