كومندانتي تشافيز والوهم العربي
إميلي حصروتي
يُنتخب خليفة الرئيس الفنزويلي الراحل هيوغو تشافيزفي 14 نيسان المقبل أي بعد شهر ونصف فقط من وفاته و بعد خمسة أشهر من فوزه بولاية رئاسية جديدة مما يدلّ على أن أي انتخابات قادمة سيخوضها شافيز من قبره بغض النظر عن اسم المرشح الذي يقف على رجليه بمواجهة رئيس الإئتلاف المعارض هنريكه كابريلس.
في أكتوبر الماضي ربح شافيز المريض بالسرطان الانتخابات الرئاسية بفارق 10 بالمئة فقط عن منافسه كابريلس ما يعني أن هناك حوالي ستة ملايين و نصف فنزويلي كانوا يتشاركون مع المعارضة اليمينية مخاوفها من صعوبة تشريع آلية لانتقال الحكم في عهد تشافيز الذي صرح مرارا عن رغبته في البقاء رئيسا للبلاد أقله حتى العام 2030. هؤلاء الستة ملايين و نصف فنزويلي هم ممن يعارضون همّة الرئيس الراحل في توزيع الهدايا النفطية للخارج فيما تغرق فنزويلا في عجز حكومي و فساد و غياب للاستثمار و ارتفاع معدلات الجريمة بالإضافة لتضخم لا يمكن التغاضي عنه و قد يكون بينهم ربما من يفكر أن ليس هناك ما يستدعي كل هذا العداء للولايات الأميركية المتحدة.
صورة فنزويلا المتهالكة بعد 14 سنة من حكم تشافيز يرفضها نيكولاس مادورو، رجل الرئيس الأمين و نائبه الذي عيّنه قبل رحلته الأخيرة للعلاج في كوبا ليدير شؤون البلاد فيما لو لم يعد لممارسة مهامه الرئاسية، ما فُسّر يومها على أنه رغبة الراحل بتسمية صديقه لخلافته. تعود قصة الرجلين إلى أوائل التسعينات من القرن الماضي، بعدما دخل تشافيز السجن إثر انقلاب فاشل على الحكم فتحرك سائق الباص و النقابي نيكولاس مادورو بكل الاتجاهات و قام بحملات للإفراج عنه مما أدخله دائرة تشافيز الضيقة الى أن أصبح فيما بعد رئيسا للجمعية الوطنية الفنزويلية ثم وزيرا للخارجية. لكن طريق مادورو إلى رئاسة فنزويلا ليست بالسهولة التي يتحدث عنها من استندوا الى قدرة الرجل على ركوب موجة الحزن العارم على رحيل تشافيز، فمنذ موت الرئيس و نائبه يراكم الأخطاء التي يسعى لتغطيتها بغطاء شعبوي يرتكز على تقليد “الكومندانتي” في كل شيء، إذ يُعتبر قبوله بمنصب رئيس مؤقت للبلاد في حفل قاطعته المعارضة التي أشارت أن هذا الموقع يجب أن يشغله رئيس الجمعية الوطنية في فنزويلا بحسب ما جاء في الدستور سقطة كبرى، هذا بالإضافة لإعلانه عن ترشحه للإنتخابات الرئاسية المقبلة في الوقت الذي تناط بالرئيس المؤقت مهمة الإشراف على شفافية إجراء هذه الإنتخابات، مع العلم أن سيليا فلورس زوجة مادورو تشغل منصب مدعي عام الجمهورية الأمر الذي يضيف الى تضارب المصالح الصارخ بين واجبات موقعه كرئيس مؤقت و مرشح في آن.
شكّل حكم الرئيس الراحل هيوغو تشافيز نقلة نوعية في الصراع الحديث القديم الذي قسّم العالم بين معسكرين واحد أميركي و آخر مناهض له بقوة إذ شقّ نهجاً لا يخطر على بال بين ما قاله ماركس و ما دعا اليه السيد المسيح، فعندما وصل الى الحكم كان هناك 66 بالمئة من الفنزويليين فقراء بينهم 36 بالمئة تحت خط الفقر فيما حوالي ثلثي الشعب لم يكن يحظى بأي تغطية اجتماعية أو صحية و قد ترك معظم المراهقون مدارسهم. بعد انقلاب قصير و فاشل قام به الجيش في سنة 2002 ضده، صمم تشافيز على العودة الى أحضان القاعدة الفقيرة التي جعلته رئيسا و حصل ذلك بمؤازرة حليفه الكوبي فيدل كاسترو، فبدأت “المهمات الإشتراكية” عملها عام 2004 بتمويل من عائدات النفط و قد رأت الأحياء الفقيرة في فنزويلا المستوصفات الطبية لأول مرة بعد مجيئ مئات الأطباء من كوبا للمساعدة، فيما انكبت الجهود على التعليم فأعلنت اليونيسكو اختفاء الأمية من فنزويلا في العام 2006 أي نفس السنة التي خاطب فيها تشافيز الجمعية العمومية للأمم المتحدة قائلا عن جورج بوش “بالأمس كان الشيطان هنا و لا زال المكان يعبق برائحة الكبريت” و كان وقتها مقعد ممثل الولايات الاميركية المتحدة فارغا.
لم تكن تلك المواجهة الأولى و لا الأخيرة مع أميركا، ففي العام 2008 طرد تشافيز السفير الأميركي و هدد بقطع واردات النفط عن أميركا لدورها المزعوم في مساندة مظاهرات المعارضة في بوليفيا في وجه صديقه الرئيس موراليس. و في العام 2011 وقف العرب مشدوهين و مصفقين أمام الإدانة الشديدة التي صدرت عن تشافيز بحق إسرائيل بعد هجومها على اسطول الحرية التركي المتجه الى غزة فزجر اسرائيل بقوله “اذهبي الى الجحيم، يا دولة اسرائيل” ثم تابع كلامه فشتم نظام “اليانكي” – الأميركي الداعم للإرهاب والذي يدعي أنه يحارب أي إرهاب ما لم يكن هو مصدره.
يطول الكلام عن هيوغو تشافيز فالرجل مستفز بمواقفه و أصيل في انتمائه إلى دولته و شعبه كما تشتهي الشعوب من حكامها، طبب الفقراء و أطعمهم و بنى لهم المساكن لكنه كان مدير سيئ: 1000 مليار دولار عائدات النفط خلال العشر سنوات الماضية علمت الفنزويليين و لكنها دفعت بالمتخرجين منهم للهجرة، الطرقات غير صالحة و الجسور تنهار و المصافي النفطية تنفجر يرافق ذلك انقطاع في التيار الكهربائي و رشوة و طفيليون يستفيدون من علاقاتهم داخل الحكومة لعرقلة كل شيء لا يمرّ بجيوبهم.
في الأيام التي تلت موت هيوغو تشافيز راقبت عبر فايسبوك و تويتر عرباً ينتحبون على صديق القضية الفلسطينية و يكيلون الشتائم للحكام العرب الذين تخلفوا عن حضور مأتم الثائر الأكبر فيما بعض هؤلاء تلتهمه نيران الثورة حياً، راقبتهم يصفقون للرئيس أحمدي نجاد الذي ودّع “صديقه” بما يليق بالصداقة من دمع و انفعال خالف المألوف في هذه المناسبات. كانت التعليقات تمر تحت أنفي ببلاغة و عِزة و إباء و حاولت تكراراً أن أمنع نفسي من قول الحقيقة: يا أغبياء، لم يكن صديق فلسطين، كان عدو أميركا!