الهاتيكفاه وبيروت دونت ميكس!
إميلي حصروتي
تخيل معي أننا في العام 2015 في الجمهورية السورية حيث احتشد مئات من الطلبة و المتظاهرين منددين بحفل غنائي يجمع الفنان ملحم زين و الفنانة نجوى كرم في دمشق. قد تقول الشعارات: “نجوى و ملحم ليه جايين، انسيتوا نحن مو ناسين” أو “غنيتوا للجزار و ما دعمتوا الأحرار”، أو أي شعارات تستنكر مجيئ فنانين مجّدوا بغنائهم بشار الأسد فيما سوريا الثورة لم تمح من ذاكرتها بعد جرائم النظام الأسدي و قتله الأطفال و تهجيره الآمنين و إذكاء نار المذهبية. ستخرج على الأرجح مظاهرة مضادة و أقلام مننددة بالمطالبة بمقاطعة حفل نجوى كرم و وملحم زين، سيخففون من حدّة الموضوع بحجّة أنهما غنّيا للأسد رغم الإنتفاضة الشعبية آنذاك دعما لصموده في وجه الصهيوني، سيطالبون بفصل الثقافة و الفن عن المعارك السياسية، قد تخاف نجوى على نفسها و قد يتراجع ملحم زين عن ذلك الحفل. طبعا إننا نتخيل كل ذلك، و لكن ما رأيك؟
نحن في بيروت 2013 و على بُعد أيام من حفل فريق الهارد روك “غانز ان روزس” الأميركي الذي اشتهر في الثمانينات من القرن الماضي و مازال له محبون كثر حول العالم، لكن هذا الفريق متهم في بيروت و مدان صوتا و صورة، لقد غنى في اسرائيل في شهر تموز/يوليو الماضي و قام عازف الغيتار الرئيسي في الفرقة “رون باملفوت تال” بعزف النشيد الوطني الإسرائيلي أي الهاتيكفاه، لكن “الهاتيكفاه و بيروت لا يختلطان” كما يقول القائمين على حملة مقاطعة داعمي اسرائيل في لبنان.
لا زالت عالقة في الأذهان الحملة التي شنّها هؤلاء في لبنان السنة الماضية ضد حفل الفنانة الفرنسية لارا فابيان التي عادت و ألغت حفل عيد العشاق في بيروت. هذه السنة بدأت الحملة عملها لإلغاء حفل فريق غانز ان روزس و على صفحتها على فايسبوك تقرأون: “أيها اللبنانيون، قريباً، في 30 آذار، قد تحلّ بينكم فرقةٌ عزفت النشيدَ “الوطنيّ” الإسرائيليّ صيفَ العام الماضي، ولم تجد حرجاً في مجاملة الدولة الصهيونيّة التي أعملتْ في دولنا القتلَ والاحتلالَ والتهجيرَ منذ العام 1948. فهل ستدعمونها بشراء بطاقاتٍ لعرضها؟ هل ستصفّقون وتصفّرون وتهلّلون لمن عزف نشيداً يمجّد هذه الدولة القاتلة؟ أيستحقّ “الفنّ” أن ننسى آلامَنا وعذاباتِنا التي لم تتوقّف يوماً منذ تأسيس “إسرائيل”؟ أتستحقّ بضعُ ساعاتٍ من المرح والطرب أن ننسى عشراتِ آلاف القتلى على يد أصحاب النشيد “الوطنيّ” الإسرائيليّ؟” هذه الأسئلة المشروعة طرحتها الحملة الفلسطينية للمقاطعة الأكاديمية و الثقافية لإسرائيل التي تشكل جزئا من حركة “مقاطعة اسرائيل و سحب الاستثمارات منها و فرض عقوبات عليها” التي تشرف عليها هيئة تنسيق منبثقة من المجتمع المدني الفلسطيني و هي تصف نفسها بأنها تعمل للسماح لأصحاب الضمائر الحية بلعب دور فعّال في مساعدة الفلسطينيين في معركتهم للعدالة.
لا شك بأن ما يطلبه القائمون على هذه الحملة هو أضعف الإيمان لكل من يجاهر بمساندة الدولة الفلسطينية و العداء لإسرائيل، لكن الواجب الأكبر هو إتمام هذا العمل بالمطالبة بمقاطعة كل من يدعم الدولة العبرية بالأسلحة و العتاد و المواقف الأممية و بتسهيل عمل أجهزة مخابراتها. فلنخاصم أوروبا و أميركا و نغلق أبواب السفارات و القنصليات و المراكز الثقافية، فلنرد الهبات المادية و العينية من هذه الدول التي تعطي بيد و تضرب باليد الأخرى، لتكن الدعوة شاملة كاملة لا لبس فيها و لا حرج.
ماذا؟ لا يمكن ذلك؟ ستحرج حكوماتنا؟ حسنا، فلندعوا لمقاطعة البضائع و المؤسسات التي تموّل تسليح و تكنولوجيا اسرائيل الحربية، فلنقاطع فايسبوك وتويتر و الأيفون و الإيباد و مقاهي و مطاعم داعمي اسرائيل، هذا شيء لا شأن للحكومات فيه. ماذا؟ لا نستطيع؟ مضطرون إليها؟ لا مشكل، فلنقاطع محطة “الأم تي في” و “في اتش أس” الغنائتين اللتين اشترتا حقوق بعض موسيقى عازف الغيتار رون باملفوت تال لمقدمات أقوى برامجها التي تلعب ليل نهار في مقاهي و حانات بيروت، أو لنقاطع لعبة البلاي ستايشن أو الأكس بوكس اللتين استعملتا موسيقى تال في العابهما، فلنقاطع عشرات المنتوجات التي كتب تال موسيقى إعلاناتها…
في الحقيقة إن اللبنانيين بكامل أطيافهم معادون لإسرائيل و أي كلام غير ذلك افتراء، و لا أي لبناني اليوم يدعم قتل الفلسطينيين أو أطفالهم أو قتل قادتهم، تاريخ اسرائيل الدموي تجاه لبنان أقوى من أن يعلق عليه شكوك في عداء اللبنانيين لهذه الدولة العنصرية المستبيحة للحقوق و الإنسانية. في الأيام القادمة ستعلو اصوات تدعو لمقاطعة و إلغاء حفل غانز ان روزس و ستقابلها أصوات تدعو لعدم حشر الفن بالسياسة. الفريقان يخرجان من وجهة نظر صائبة، فالفريق الأول يريد معاقبة من يظهر اسرائيل كدولة مسالمة و أبنائها في أرضهم يتمتعون بحياة طبيعية فيما الفلسطينيين يذوقون الموت و الذل كل حين، و الفريق الآخر يعتبر أنه ليس من حق أحد أن يعاقب شخص لتعبيره عن رأيه و اختلافه بالرأي لا يمنع التواصل معه سيما و أنه لا يحمل بندقية.
على الصعيد الشخصي و بحكم إقامتي الطويلة في الغرب أعلم علم اليقين أن الصهاينة يأتون لبنان بباسبوراتهم الأجنبية يسرحون و يمرحون و قد تابعت مذهولة في أحد حانات مار مخايل في بيروت السنة الماضية موسيقي من أوروبا الشرقية صرّح فوق المسرح لمجموعة المتمايلين على موسيقاه أنه يحب الشرق الأوسط و يعرفه ككف يده و عدّد على الحضور أسماء أطباق فلسطينية يحبها، مفارقة لم ينتبه لها أحد إلا أنا متأخرة.
فليقاطع فريق غانز اند روزس الغنائي من يريد و ليحضره من يريد و من يحب الفلسطينيين في لبنان فليكلمني أستطيع أن أدله إلى عائلات لا تملك قوت يومها علّه يستطيع المساعدة مباشرة بإحياء فلسطين عبر إحياء شعبها.