لبنان: لكل القوى مصلحة في استقالة ميقاتي
بيروت – «برس نت»
تشكل استقالة رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي، تحولاً في مرحلة التوتر التي يعيش فيها لبنان، منذ سنتين أي منذ إسقاط حكومة سعد الحريري واستبدال كفة الأكثرية من ١٤ آذار إلى ٨ آذار. والتوتر الذي رافق حكومة ميقاتي مرده عاملان: أولاً تغيير موقف جنبلاط وانتقاله من جبهة إلى أخرى، ما جعل الأكثرية السابقة ترى أن «الحكومة قامت على انقلاب» ولم تكف عن المطالبة باستقالتها. ثانياً الثورة في سوريا والتي زادت من التنافر بين القوى السياسية اللبنانية رغم «إعلان سياسة النأي بلبنان عن أحداث سوريا».
هذا العاملان واكبا حكومة ميقاتي وأججا التوتر خلال سنتي الحكم، وجاءت عدة «حوادث» لتزيد من حدة هذا التوتر، لعل أبرزها استحقاق تمويل المحكمة الدولية ثم استشهاد اللواء وسام الحسن، ثم أزمة داتا التلفونات ومن بعدها التجاذب حول كهرباء لبنان ثم سلسلة الرواتب.
ولكن رغم كل هذه المطبات كان يمكن لأركان الحكومة التعايش داخل إطار لعبة «المشي على الحبل» لولا استحقاق الانتخابات النيابية، الذي برز وكأن «الطاقم السياسي قد اكتشف أن في لبنان انتخابات بعد أقل من أشهر قليلة». في الواقع كان الجميع يعلم أن قانون الانتخابات سوف «يولع المركب الحكومي وأن الجميع سيضطرون للقفز منه قبل الغرق معه».
فصياغة قانون انتخابي جديد أعاد خلط الأوراق كاملة، ليس فقط بين ميقاتي وحزب الله والتيار الوطني، بل أيضاً بين أركان ١٤ آذار. وتبين مع الأيام أن «لكل فريق سياسي مواله بشأن الانتخابات».
الرئيس ميشال سليمان متمسك بإجراء الانتخابات في موعدها.
كافة القوى المسيحية مدعومة من حزب الله تريد القانون الأرثوذكسي، الذي حسب قولهم يعطي المسيحيين حق إختيار ممثليهم في الندوة البرلمانية من دون الخضوع للوزن الانتخابي لبقية الطوائف (كل مواطن يصوت لنائب من طائفته).
قوى تيار المستقبل وبعض المستقلين الذين يرفضون القانون الأرثوذكسي لأسباب عديدة منها أنه يحصر قوة تيار الرئيس السابق في النواب السنة فقط، حيث ينافسه رئيس الحكومة وعدد من السياسيين السنة، كما أنه يفقد أي «مونة» على حلفاءه المسيحيين، الذين اصطفوا جميعاً مع القانون المرفوض إلى جانب الجنرال عون وبمعية البطريرك الماروني مار بشاره بطرس الراعي، مع دعم معلن من حزب الله.
وليد جنبلاط وقف بعيداً عن الخطين وتقرب من الرئيس سليمان، وبشكل غير مباشر اصطف إلى جانبهما ميقاتي. أما زعيم أمل نبيه بري فقد كان «كتوماً في العلن» على أساس أن القانون اارثوذكسي لا يضر به من جهة ولعدم قدرته التصدي لحزب الله من جهة أخرى.
في أثناء هذا كانت ألسنة لهب الثورة السورية التي تحولت إلى حرب أهلية قد بدأت تلفح جوانب لبنان الشمالية، والتحركات الإسرائيلية تتهدد جنوبه. ظن اللبنانيون أنه مثل العادة فإن إقرار قانون توافقي سيتم «عشية الانتخابات» وفق صيغة «لا غالب ولا مغلوب»و مع انتظار تشكيل حكومة تشرف على العملية الانتخابية، وبدأت الألسن تتداول أسماء كل من عدنان القصار أو خالد عيتاني، بينما وقف في الصف عدد من «المرشحين الراغبين» مثل فؤاد المخزومي (راجع أخبار بووم انقر هنا) أو الذين لا ضارة لهم في أن تتداول الصحف أسماءهم مثل نهاد المشنوق.
فجأة وعلى الطريقة اللبنانية خرج إلى العلن «مشكل» لم يكن على صفحات الإعلام وقاد إلى «انفجار الحكومة من الداخل» ودفع ميقاتي للاستقالة: التجديد لأشرف ريفي مدير عام قوى الأمن الداخلي.
فقد دفع حلفاء الأمس لميقاتي اسماً يصعب عليه قبوله قبل الولوج في عملية انتخابات: علي الحاج. ميقاتي عرض التجديد لريفي بعد بلوغه سن التقاعد، ولكن «وزراءه» رفضوا. كانت هذه «الحجة» التي يبدو أن «الجميع» ينتظرها لاستقالة الحكومة، وكأن لكل فريق داخل الحكومة مصلحة بهذه الاستقالة، أياً كان السبب.
بالطبع كان لدى ميقاتي أو لدى من رفض التجديد لريفي عدداً من الأسماء لطرحها لتحل محل ريفي مثل العقيد ابراهيم بصبوص رغم أن بلوغه السن هو بعد عشرة أشهر، أو العميد ديب الطبيلي قائد شرطة بيروت، أو العميد بسّام الأيوبي قائد سرية طرابلس أو العميد عبد الرزاق القوتلي. ولكن وزراء ميقاتي رموا على طاولة المجلس اسم علي الحاج «المرفوض من المعارضة» بينما تشبث ميقاتي بالتجديد لريفي «المرفوض من الأكثرية».
الفريقان كانا يبحثا عن حجة لاستقالة الحكومة.
هذه الاستقالة «مفيدة» للجميع فالحكومة أحالت مشروع قانون سلسلة الرتب والرواتب إلى المجلس النيابي. وميقاتي ابتعد عن «توصيف حليف دمشق بمجابهته لحلفاء دمشق». والوزراء الذين تصدوا لميقاتي ابعدوا شبح فرض قانون الستين بفرط الحكومة، جنبلاط ووزراءه بالطبع غير راضون ولكن «فترة راحة مع تمديد للمجلس لا تضر» لتصريف الموقف الجديد. نبيه بري وكتلتة وزراءه لم يضطروا لمواجهة «حزب الله» والتيار وجهاً لوجه، والرئيس ميشال سليمان عادت يداه حرتان مع إعداة جولة الاستشارات في ظل تموضع جديد لـ«بيضة القبان» عنينا وليد جنبلاط.
أما في صفوف المعارضة فإن استقالة هذه الحكومة كانت هدفاً لها منذ… تشكلت الحكومة، كما أن التمديد للمجلس قد يكون مفيداً لفتح مشروع طاولة الحوار، وإدخال البحث في قانون الانتخابات على كبند جديد على الطاولة.
الخاسر الأكبر هو المواطن الذي بات عليه أن يتعايش مع «حكومة تصريف أعمال» في ظل أزمة خانقة اقتصادياً وفي أجواء توتر طائفية ومذهبية شديدة. بينما تتجمع عوامل دفع لبنان إلى أتون نيران الحرب في سوريا.