العالِم الروسي وكذبة أسلحة الدمار
لا يبدو أن مضمون التقرير الجديد للوكالة الدولية للطاقة الذرية، المتعلق بتطورات البرنامج النووي الإيراني، يخرج عن إطار التكهنات والتسييس الشبيه بكذبة أسلحة الدمار الشامل في العراق قبل غزوه عام 2003، لكن الواضح أن تحريك الملف النووي للدولة الفارسية في هذا الوقت بالذات، من شأنه صرف أنظار طهران عن ربيع ثورات العالم العربي وإنهاكها بجولة جديدة من العقوبات التي قد تخفف من أي تدخلات محتملة للنظام الإسلامي في ما يجري على الساحة العربية، سواء لمصلحة النظام كما هي سياسته في سوريا او لمصلحة الشعب كما في البحرين واليمن.
في أي حال، التقرير الدولي الذي يتهم طهران بالحصول على معلومات مهمة قد تؤدي الى صنع قنبلة ذرية، أتى بعد أسابيع قليلة من اتهام الحرس الثوري بتدبير مؤامرة لاغتيال سفير السعودية لدى واشنطن عادل الجبير، لكن هذا لا يعني أن هذه التطورات تصب في مصلحة حصار سوريا، كما تدّعي التحليلات السياسية الدائرة في فلك دول الممانعة. ففيما تسير العلاقات السورية الأميركية في حركة مد وجزر من دون انقطاع، لا تزال العلاقات بين واشنطن وطهران مقطوعة منذ العام 1979، تاريخ نجاح الثورة الإسلامية في السيطرة على الحكم. وبالتالي، تبدو الدعوات المكثفة في دوائر القرار الغربي لتشديد العقوبات على النظام الإيراني تسير في سياق متواصل، لتشكل امتداداً لأربع مجموعات من العقوبات المالية والاقتصادية صدرت عن مجلس الأمن الدولي ضد الجمهورية الإسلامية منذ العام 2007.
ولم تتوقف الهجمة الغربية الإسرائيلية الشرسة ضد نظام الملالي على هذه العقوبات، بل تجاوزتها الى أعمال اغتيال استخبارية طالت علماء نوويين بارزين في إيران، ناهيك بنشر فيروس معلومات استهدف الشبكة العنكبوتية المتعلقة بالنظام النووي، ما أدى الى إبطاء نشاط أجهزة الطرد المركزي التي تعمل على تخصيب اليورانيوم الى درجات يمكن استخدامها في انتاج نووي ذي اهداف سلمية، اذا لم يتعدّ الـ20 في المئة، أو يمكن استخدامه في صنع قنبلة فيما لو وصلت درجة التخصيب الى 95 في المئة.
لعل ما يجري تجاه ايران دولياً هو سياق متواصل لا علاقة له باللحظة، انما هو استجابة لصراخ اسرائيلي يثير المخاوف من تهديد نووي اسلامي فارسي، واسرائيل، بإثارتها هذا الخوف بين وقت وآخر انما تهدف الى التذكير بأنها لا تزال «ضحية». لكن الأكثر خطراً وما يتم التحضير له هو جعل إيران مكروهة عربياً بشكل أكثر وأشد على خلفية مؤامرة اغتيال السفير السعودي. سياسة تتحمل طهران بعض وزرها بوقوفها الى جانب النظام السوري ضد شعبه، وعلى ضفة معاكسة لنبض الشارع العربي الذي طالما نظر اليها كرأس حربة في وجه التحديات الغربية ودعم المقاومة في فلسطين ولبنان.
في أي حال، لا يمكن تجاهل طبيعة العلاقات السياسية في المجال الجيوستراتيجي للمنطقة، حيث تقف الصين وروسيا الى جانب ايران عند اي منعطف لبحث تشديد العقوبات ضدها في مجلس الامن. قد يكون ذلك نابعاً في الفترة الأخيرة من عودة الحذر الغربي إزاء العلاقة بين طهران وموسكو التي عادت الى مجاريها الطبيعية بعد برودة استمرت نحو أكثر من سنة على خلفية تأخير تسليم مفاعل بوشهر النووي في جنوب ايران ورفض الروس بيع الايرانيين صواريخ من طراز s300 المضادة للطائرات.
مع ذلك، بدت المواقف الغربية حذرة في تهديداتها لطهران، مستبعدة شن حرب تطالب بها اسرائيل لاستهداف المفاعلات النووية الإيرانية، الا أنها تستعيض عن الحرب التي تعرف عواقبها السيئة جيداً بعقوبات مشددة قد تطال هذه المرة قطاع النفط والغاز في إيران.
الدول الغربية التي كان لديها شبه إجماع على كارثية أي حرب محتملة، ستحاول في الوقت نفسه اقناع دول لها وزنها في المنطقة، مثل الهند وتركيا، تقليص علاقاتها التجارية مع إيران الى أقصى حد. وفي السياق نفسه تأتي زيارة نائب وزير المالية لشؤون الإستخبارات والإرهاب الأميركي ديفيد كوهين ونائب وزيرة الخارجية توماس نايدس، إلى إسرائيل الأسبوع المقبل. واللافت أن كوهين وهو المسؤول الأكبر عن العقوبات الإقتصادية ضد إيران، سيزور الامارات بعد تل أبيب، خصوصاً ان هذا البلد الخليجي يعتبر ممراً تجارياً حيوياً للبضائع الإيرانية الى العالم وبالعكس.
هي جولة أخرى من تشديد الحصار على النظام الايراني، وجدت في العالم الروسي فياتشيسلاف دانيلينكو ذريعة على غرار أسلحة الدمار الشامل في العراق، مع أن توضيح العالم الروسي جاء سريعاً، نافياً أن يكون قد قام بأي مساعدة للإيرانيين في المجال النووي العسكري. ثمة تطورات عديدة تدفع الغرب الى تشديد الحصارعلى إيران لكن كل هذا الجو الدخاني في المدى المنظور لا يشير إلا الى استمرار سياسة عض الأصابع بين طهران وواشنطن، سياسة قد تستمر إلى أجل تكون نهايته تسوية شاملة او حرب تغير وجه المنطقة.