تقسيم سوريا
بسّام الطيارة
لا شك في أنه لو بقيت الثورة مسالمة ولم تجنح نحو العمل المسلح لكان النظام قد تهاوى منذ زمن طويل. ولكن بعد سنتين من التدمير والقتل بات هذا الطرح وراء الجميع معارضة ونظام ولاعبين إقليمين ودوليين.
السؤال اليوم هو أي مصير ينتظر سوريا كدولة وكيان وشعب؟ التطورات الأخير أظهرت تباعداًً بين موسكو وواشنطن، أي أن باب الحل السياسي بات موصداً لا سبيل لولوجه أياً كانت تنازلات الأفرقاء على الأرض.
يمكن القول إن مواقف روسيا كانت منسجمة مع سياستها المعلنة منذ بداية الأزمة. وظلت الديبوماسية الروسية تسير على خط ثابت وتحاول أن تفرض حلاً سياسياً يتوافق مع نظرتها لمنع انهيار النظام، وساعدها في ذلك دعم الصين و،،،«صمود النظام».
ولكن لا يمكن توصيف السياسة الأميركية بالنزاهة خلال السنتين الماضتين. ويعود ذلك لأسباب عدة، منها الانتخابات الرئاسية التي جعلت واشنطن تغيب عن الساحة السورية، ومع انتهاء «الوقت الضائع» كان على الفريق الديبلوماسي الجديد أن يتآلف مع الملف السوري الساخن وأن يضبط تفلت مبادرات حلفائه اللاعبين الثانويين الإقلميين مثل قطر وتركيا والسعودية والدوليين خصوصاً بريطانيا وفرنسا.
حتى أسابيع قليلة ماضية كان الحل يدور ضمن حلقة إطار «اتفاق جنيف» وكان كل طرح يخالف «روح» هذا الاتفاق يعتبر وكأنه دوران في الفراغ. بينما كان الاختلاف فقط على «النص» من هنا طغى إحساس عام بأن اتفاق ما يمكن أن يحصل بين العملاقين، وأن ما يقوم به اللاعبون الإقليميون ما هو إلا للاستنفاد ولتحقيق بعض المكتسبات لتصريفها بعد الحل.
ما الذي حصل كي تتغير قواعد اللعبة ويظهر شرخ في الاتفاق الأميركي الروسي ينذر بحرب طويلة بالوكالة بين العملاقين؟ الإجابة على سؤال مثل هذا توجب جولة شمولية واسعة تبدأ من الأمور الداخلية الروسية مروراً بالأزمة الاقتصادية في الغرب وتألق اقتصاديات دول البريكس ومسألة الدرع الصاروخي إلخ…ولكن واقع الحال هو توتر بين العملاقين ينعكس على الشرق الأوسط.
من هنا تبدو العلاقات الدولية عبر المجهر السوري وكأنها عودة للحرب الباردة بين موسكو وواشنطن تدور رحاها على الأرض السورية. فالحلفاء مصطفون كل وراء قطب ويعملون على تغذية صراع فرض عبر المعارك تقسيما للأرض السورية يشبه تقسيمات سابقة في فيتنام وكوريا، صراع يمكنه أن يدوم لعقود طويلة.
بات ثابتاً اليوم أن المعارضة السورية قد تشرذمت ولم تعد قادرة على الإلتحام مع كامل الشعب السوري لإسقاط النظام، وأن الجيش النظامي لم ينهار كما كان متوقعا. وبات ثابتاً أيضاً أن النظام لن يستطيع أن يقضي على المعارضة التي باتت تسيطر على بقاع واسعة من البلاد وأن بروز الكتائب الجهادية وإن أضرت بالمعارضة فهي لم تنزع عنها شرعيتها لا في الداخل ولا في الخارج. وبات ثابتاً أيضاً أن الانقسام طال شرائح واسعة من أبناء سوريا. يدل كل هذا إن لزم الأمر على أن كافة العوامل المؤهبة لقسمة بلاد الأمويين تضافرت للوصول إلى حالة شبيهة بالحالة الكورية، فقط تداخل الجبهات يؤخر رسم خطوط التقسيم جغرافياً على أرض الواقع.
يقول خبير عسكري غربي يعمل لدى مؤسسة أبحاث دولية بأن توازن القوى سيفرض فكرة تثبيت المواقع وحماية المكتسبات على الأرض، وبالتالي يتوقع هذا الخبير أن يعمد المتحاربون، خصوصاً قوى المعارضة، إلى دعم مكتسباتهم على الأرض وحمايتها والإلتفات نحو داخل المناطق التي يسيطرون عليها عسكرياً لإحكام سيطرتهم «المدنية» على السكان. بالطبع تقود هذه الاستراتيجية إلى صراعات بين الجماعات المعارضة
حصل هذا في «الشمال الكردي» فبعد معارك بين الجهاديين والقوى الكردية (مثل معركتي رأس العينّ) توصل الفريقان إلى «نوع من التوازن» في تلك المناطق.
في المناطق الأخرى تدور المعارك على مستويين بين المعارضة بشكل عام والجيش النظامي وهذه المعارك تخوضها كل الفصائل المعارضة، ولكن في حال دحر قوات النظام فإن «معارك صغيرة» ستدور بين الجهاديين والجيش السوري الحر حيث يسعى كل منهما لتثبيت سيطرته على المناطق «المحررة» (حصل هذا مؤخراً في تل أبيض وفي مدينة الرقة). وتدخل هذه الاستراتيجية في الانسحابات التي تنفذها القوات النظامية، فهي تتخلى عن مناطق لا تستطيع الدفاع عنها وتصب جهودها على مناطق تؤمن لها التواصل الجغرافي مع مناطق تسيطر عليها سيطرة كاملة.
من هنا أهمية معركة حمص وريفها ومعارك ريف دمشق لأن هذه امعارك سترسم الخط الفاصل بين مناطق المعارضة ومناطق النظام. كما أن علامة استفهام كبيرة تدور حول المعارك التي تدور في منطقة درعا على الحدود الأردنية والمناطق الملاصقة للجولان المحتل. الأهمية تكمن في رغبة الفريقين بالمحافظة على «منافذ» على الحدود و«نقاط تماس» مع الأردن وإسرائيل للبقاء في اللعبة الإقليمية وللتأثير على مجرياتها.
تسليح المعارضة سيدفع روسيا وإيران إلى زيادة نمط تسليح ومساعدة النظام وهذا التسليح المتبادل سيسمح بإقامة توازن على الأرض يعقبه تصليب الحدود الداخلية للصراع بشكل يحاكي نزاعات الالحرب الباردة: سوريا الشمالية وسوريا الجنوبية.