تمام سلام: سياسة لا غالب ولا مغلوب
نال النائب تمام سلام اكثرية تخوله ترؤس الحكومة اللبنانية المقبلة بعد حصوله على توافق مختلف القوى السياسية، في خطوة مدفوعة بتأثير سعودي بارز في البلد المنقسم سياسيا وطائفيا، ورغبة في الحد من تداعيات النزاع السوري.
وحاز سلام (67 عاما)، وهي سني من بيروت واحد الشخصيات المعتدلة في تحالف قوى 14 آذار المعارض، على صوت اكثر من 64 نائبا من البرلمان المؤلف من 128 مقعدا، في اليوم الاول من الاستشارات التي باشرها رئيس الجمهورية ميشال سليمان اليوم وتختتم غدا.
وحصل سلام على تصويت غالبية الكتل الكبرى، لا سيما في تحالف 14 آذار الذي يشكل مظلة للقوى السياسية المعارضة والمناهضة لسوريا، وكتلة الزعيم الدرزي وليد جنبلاط.
كما صوتت له غالبية كتل “قوى 8 آذار” المؤيدة للنظام السوري، والتي كانت تشكل الاكثرية في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي التي استقالت في 22 آذار/مارس، وابرزها حزب الله الشيعي وحليفه تكتل التغيير والاصلاح بزعامة النائب المسيحي ميشال عون، وحركة “امل” الشيعية بزعامة رئيس مجلس النواب نبيه بري.
واعربت هذه القوى عن رغبتها في تشكيل حكومة وحدة تتمثل فيها مختلف الاطراف. وفي حين لم تبد قوى 14 آذار موقفا واضحا من حكومة الوحدة، شددت على ان الاولوية هي تنظيم الانتخابات النيابية المقررة بعد اشهر.
وقال النائب محمد رعد باسم كتلة نواب حزب الله، ان تسمية سلام اتت “تأكيدا منا على الانفتاح على اي خطوة قد تدفع باتجاه التفاهم وحرصا على اي فرصة يمكن ان تسهم في الحفاظ على استقرار البلاد او تفتح آفاق تشكيل حكومة جامعة تشكل اطارا للوحدة الوطنية (…) بين مختلف الاطراف والاتجاهات السياسية”.
وكان عون اعلن في وقت سابق بعد الظهر تسمية سلام، مشددا على ان “خيارنا هو الوحدة الوطنية والاستقرار في لبنان”، وذلك بعد ساعات من اعتبار بري ان هذه التسمية هي “صفحة جديدة تفتحها الاكثرية السابقة نحو المعارضة السابقة”.
من جهته، قال فؤاد السنيورة رئيس كتلة المستقبل النيابية وهي جزء من “14 آذار”، ان “الاوضاع الداخلية الصعبة والاقليمية (…) تقتضي العمل على تأليف حكومة تكون قادرة على تشكيل فريق عمل متجانس وفاعل ومنتج”.
واشار الى ان دور الحكومة سيكون “خفض مستويات التوتر في البلاد (…) وان تعمل على اجراء الانتخابات في اسرع وقت ممكن لكي ينتظم عمل مؤسساتنا الدستورية والحكومية”. اضاف “نحبذ ولا سيما في هذه المرحلة ان يكون الوزراء غير مرشحين”.
وقال نائب رئيس مجلس النواب فريد مكاري، المنتمي الى 14 آذار ان “حكومة وحدة وطنية تعني حكومة جامعة لكل اللبنانيين (…) لكن نريد حكومة للانتخابات، وقناعتنا ان اي حكومة يكون فيها مرشحون تكون حكومة لتمديد المجلس، وهذا الامر لا نوافق عليه”.
وما زال مصير الانتخابات النيابية المقررة في حزيران/يونيو المقبل معلقا في غياب التوافق حول قانون انتخاب جديد. وكان ميقاتي قال في خطاب استقالته ان احد دوافع خطوته الخلاف حول الاستحقاق الانتخابي.
وتأتي هذه التطورات على وقع النزاع السوري الذي دخل عامه الثالث، وانعكس احداثا امنية وتوترات سياسية في لبنان ذي التركيبة السياسية والطائفية الهشة، والمنقسم بين موالين للرئيس السوري بشار الاسد ومعارضين له.
وتمام سلام هو نجل الزعيم السني الراحل صائب سلام الذي تولى رئاسة الحكومة اللبنانية خلال مراحل عدة بين العامين 1952 و1973.
ورفع صائب سلام شعار “لا غالب ولا مغلوب” الذي يعكس حساسية التوازنات السياسية والطائفية في لبنان الذي شهد حربا اهلية طاحنة بين العامين 1975 و1990. وكان جنبلاط قال الخميس ان لسلام “صفة اعتدال (…) اسمه عنوان الاعتدال”، و”لم تخرج منه كلمة واحدة سيئة عن المقاومة الاسلامية”، في اشارة لحزب الله الذي تشكل ترسانته من الاسلحة موضع خلاف رئيسي بين القوى اللبنانية.
واتى ترشيح سلام بعد ساعات من زيارة قام بها الى المملكة العربية السعودية، حيث التقى رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، ابرز قادة 14 آذار والمقيم خارج لبنان منذ سقوط حكومته في العام 2011 بعد استقالة وزراء حزب الله وحلفائه. وادت المملكة الداعمة للمعارضة اللبنانية وصاحبة النفوذ الواسع لا سيما لدى الطائفة السنية، دورا محوريا في تزكية سلام.
وقال جنبلاط الخميس انه طرح اسم سلام على المسؤولين السعوديين الذين وافقوا عليه. كما ابرزت الصحف اللبنانية اليوم الدور السعودي في التسمية. واضافة الى السعودية، تحظى سوريا الغارقة في نزاع دام ادى الى مقتل نحو 70 الف شخص، بتأثير سياسي واسع عبر حلفائها وابرزهم حزب الله، علما انها حظيت بوجود عسكري في لبنان بين العامين 1976 و2005.
وقال استاذ العلوم السياسية في الجامعة الاميركية في بيروت هلال خشان، ان التوافق على تمام سلام نابع من كون “كل الاطراف في لبنان مهتمة بتخفيف حدة التوتر فيه”، ولانه “الخيار المثالي لفترة انتقالية في انتظار انقشاع الضباب في سوريا”.
ويضيف “طالما ان الجميع وافق عليه فهذا يعني ان لا رغبة لدى احد في التصعيد”.ويعتبر خشان ان “الدور السعودي في لبنان مداه الحد الذي تسمح به سوريا، والتأثير السعودي فيه محكوم ومحتوم بالموافقة السورية”. ويضيف “ليس بالضرورة ان يكون ثمة تنسيق مباشر بين سوريا والسعودية بخصوص لبنان، لكن الطرفين يفهمان على بعضهما البعض، والسعوديون يدركون ان لا مجال في لبنان لغالب ومغلوب”.