المعارضة السوريّة: 3 تيارات بعيدة عن الشارع
دمشق ــ رغدة العزيزي
ما انفكت الأصوات، منذ بداية الحراك الشعبي في سوريا، تتعالى لدعوة المعارضة إلى التوحد كي تؤمن الغطاء السياسي الشرعي في مواجهة النظام. لكن ونظراً للسنوات المديدة التي تزيد عن أربعين عاماً من الحكم الفردي الدكتاتوري الذي ألغى الحياة السياسية وشوهها في سوريا، نجد أن المعارضة متشظية ومتفككة وأن هناك تباينات كبيرة بتوجهاتها. وبشكل عام يمكننا أن نجمل أبرز توجهات المعارضة بثلاثة، الأولى تلك التي تدعو الى التدخل الخارجي، والثانية وسطية تدعو إلى إسقاط النظام عبر التغيير الديموقراطي المتدرج بعيداً عن التدخلات الخارجية (بإسقاط النظام الامني)، والثالث يرى أن النظام قابل للإصلاح. وما يمكن ملاحظته انه حتى في الكتلة الواحدة ليس الكل متجانساً، إضافة إلى ان كلاً من تلك التوجهات تدعي بأنها “ممثل حقيقي عن الحراك والشارع”.
أما القوة الجديدة التي أفرزها الحراك الشعبي، وهي “التنسيقيات”، فيعتبر أفرادها أنفسهم أيضاً القادة الميدانيون للشارع ولتحركاته. وقد تخوفت تلك التنسيقيات من أن بعض تيارات المعارضة قد تكون مصدر إرباك لهذا الحراك وفي نهاية المطاف تصب في خدمة النظام، ما دفع جموعاً غاضبة للمناداة بإقصاء احدى هذه التيارات، وهي “هيئة التنسيق الوطنية”، للتبلور فجوة باتت تتسع اكثر بين معارضة الشارع والمعارضة السياسية.
أسفل النموذج
من هنا حاولنا رصد جملة من الآراء لمجموعة من الشخصيات السياسية المتعددة الاتجاهات وذلك للإحاطة بكل ما هو مطروح بخصوص الساحة السياسية في سوريا.
• ميشيل كيلو: المعارضة لم ترتق لمستوى الشارع
المعارض البارز ميشيل كيلو يقول: “اؤيد صوت الشارع وأرى أن المعارضة جاهلة بالسبل والأدوات المتعلقة بكيفية خدمة مطالبه، واذا أردنا ان نقرأ الواقع لا بد من الاعتراف بأن المعارضة لم ترتق إلى مستوى الشارع الذي يسبقها ويختلف عنها وعن مفرداتها. هناك قيادات متفرقة لا يوجد بينها كيمياء، ونحن فعليا لا نقوم بواجبنا كما ينبغي، فلدينا عقلية قديمة في العمل السياسي لا تتفق مع الوضع الحالي في سوريا”.
وهذا أيضاً ما يؤيده حسن كامل، أحد أعضاء “التيار الوطني لبناء سوريا”، إذ يقول “إن المعارضة لا تزال ضعيفة لم تلتقط أنفاسها من القمع الممارس ضدها في الماضي، فلم تلملم جراحها بعد لترى الطريق أمامها، في هذه الأثناء أصبح الشارع يشكل سيلاً جارفاً تحاول المعارضة تحقيق مشروعيتها عن طريقه، فنراها تطلق شعارات باسمه دون ان يكون لها فعل حقيقي على الارض، ونحن نرى تيارات تعقد المؤتمرات لكن بدون جدوى على الارض، فليس هناك دور فعال للمعارضة، ما يدفعنا إلى القول إن سوريا لا تملك معارضة حقيقية وما نملكه هو آليات مناكفة وليست آليات للانتقال إلى دولة ديموقراطية”.
أما القيادي في “هيئة التنسيق”، حسين العودات، فيخالف ما قيل سابقاً، اذ يعتبر أن “المعارضين السياسيين يعبرون عن الحراك
الشعبي إلى أبعد مدى، إلا أن المعارضة لم تتمكن من حماية الحراك كما يجب، فالشعب هو من يحمي نفسه ودورنا مجرد داعمين للحراك نحفزه ونتضامن معه. ونحاول ايجاد برنامج ونهج سياسي له كونه لا يزال فاقداً للبرامج السياسية تسيره الشعارات، وهذا سبب إتهام البعض بأن هناك هوة بين الشارع والمعارضة السياسية، وهذا طبعاً غير صحيح فنحن نطالب بكف يد الامن وخلق تكافئ فرص في نظام ديموقراطي، وهذا ما ننادي به، فأين الهوة. إلا أن هناك تنسيقيات تطلق بياناتها كما يحلو لها لكن هذا ليس له قيمة”. لكن العودات يتناسى أن الشارع الثائر تجاوز هذه المطالب لتصل إلى إسقاط نظام بأكمله.
• لؤي حسين: إسقاط نظام هو مصطلح شارع وليس سياسة
أما المعارض لؤي حسين فيتحدث بأكثر حدية حول ما يقوله بعض “هتيفيَ الشارع”، حسب قوله، ويرد “الشارع ليس له برنامج سياسي كي نقول انه يسبق المعارضة السياسية، والتي بدورها تسبقه بسنين عديدة”. ويتابع “نحن لدينا شارع بدون ال التعريف، فهي اسّ الاستبداد الثقافي في البلد، فالشعب السوري لا يختزل. وما يقوله الشارع الثائر عن عدم تعبير المعارضة لمطالبنا فهو إختلاف بالتعبير السياسي، وذلك بسبب ضعف الثقافة السياسية عند شباب التنسيقيات، فالمعارضة السورية تعبر بشكل كامل عن إرادة الشارع وغاياته ومطالبه، وليس بالضرورة إذا لم نتبن شعارات الشارع من مسبات وشتائم يعني أننا لا نعبر عنه، فمصطلح إسقاط نظام هو مصطلح شارع وليس سياسة. والى الان لم نفهم من الذين يتمسكون بجدية مطلب اسقاط النظام؟”.
بدوره، يقف المعارض السوري حسن عبد العظيم بين معارض ومؤيد لما سبق، ويقول “نحاول أن نعبر عن مطالب الحراك وهذا مرهون بصحة مواقف المعارضة، واثبتنا منذ عام 1979 أننا نسبق الشارع والى الان لا زلنا نسبقه ونعبرعنه حتى قبل أن يعبر هو عن مطالبه، وكسرنا حاجز الخوف كما الشارع الثائر وقدمنا تضحيات قبله، والان نشارك بتضحياته في الساحات ويجب أن يحترم قِدَمنا في النضال”.
وبين تسابق المعارضة والشارع المتصارع على ملكية الأقدمية في النضال، يبقى التساؤل لماذا لا يزال الشارع فاقداً للثقة بالمعارضة رغم كثافة المؤتمرات تحت مسمى معارضة وطنية؟ يقول احد اعضاء التنسيقيات “الشارع هو من اوجد الفرصة أمام المعارضة للظهور بشكل فعلي بالحياة السياسية، إلا أنها تعمل بما تقتضيه مصالحها، لنجد من يطالب بالحوار مع السلطة بشروطها، وطبعاً هذا النوع من صنع النظام. ومنها ما هي مقتنعة أن النظام قوي فتطالب بإصلاحات مثل المؤتمر الأخير بدمشق، وتبقى الرابحة في حال سقوط النظام، كونها حاولت التحرك في الداخل رغم كل الضغوط. وهناك معارضة وطنية تريد أن تسقط النظام لكنها لا تملك الادوات والخبرة”. ويتابع “لكن ما يخيفنا بين كل هذه الانواع هو المعارضة التي تهدف إلى تقسيم الكعكة، مستثمرة تاريخاً طويلاً من النضال وبرأيها لا يجب ان يفرط به دون الحصول على حصة وفيرة. كلٌ لديه أجندات خاصة فارغة من أناس يموتون كل يوم في الشارع، حتى بتنا نخشى الوصول إلى مرحلة نطالب فيها بإسقاط المعارضة من ثم إسقاط نظام”.
• التنسيقيات: نخشى الوصول إلى مرحلة نطالب فيها بإسقاط المعارضة من ثم إسقاط نظام
ويوافق حسن كامل ما سبق بقوله “أس الخلاف بين المعارضة هي التدخل الخارجي أو عدم التدخل الخارجي فهناك من يدعو للمصالحة مع أفراد النظام شريطة أن يكونوا نظيفي اليد، أي لم يشاركوا بالقتل او نهب المال العام. وهناك من يرفض الصلح معتمداً على التظاهرات ليسقط النظام، كما هو حالالمجلس الوطني. وهناك تيارات لديها أجندات مع الخارج وتقر بالتدخل الخارجي إلا أن كل هذه التيارات لم تحصل على قوى مطلقة، فحراك الشارع لم يعط فرصة لمنح أحدهم القوة المطلقة”.
ويشبر كامل إلى أن “المعارضة السورية لم يرتق وعيها لوعي اللحظة الوطنية، بل هي في ظل اللحظة الحزبية تدعم برنامجها الوطني وتضع الخطط والبرامج والاستراتيجيات والتحالفات بما يتناسب مع رؤيتها الحزبية، لذلك لم تجتمع على هذه الشعارات بل راحت تستثمر شعارات الشارع، كلاً حسب خلفياته الحزبية والإيديولوجيا وأجنداته الشخصية. وهذا ما يذكرنا بحزب البعث “مدرسة الولاء”، عند تسلمه السلطة فرض الولاء للدولة البعثية على كل شرائح وأحزاب المجتمع، وبمجرد منح الدولة الولاء تعطي بالمقابل السلطة والجاه، ويبدو أن منظومة ومفردات المعارضة تأثرت بهذه السياسة وبنت اعتراضاتها تاريخيا بما يتناسب مع المنظومة الفكرية المهيمنة عليها في المجتمع، ألا وهي هيمنة الحزب الواحد، لذلك أصبحت الوجه الآخر للسلطة في الشارع”.
ويضيف كامل “لكن هذا الحراك، والذي يشكّل قوة ثالثة لها منظومتها الفكرية غير منتمية بالأساس بالمعنى الايديولوجي للمعارضة، فلها ادواتها الخاصة، ما ادى الى نشوء صدمة لدى المعارضة والنظام، ونشأ الاختلاف بالمعنى الفكري، فالشارع غير منتمي إلا للديموقراطية الحقيقية، فلا يؤمن بمنظومات بدأت بإقصاء أخرى لأنها لا تتناسب مع فكرها بالوقت الذي يكون فيه الشارع أعوز إلى الالتحام مع هذه التيارات، بل ما يلاحظه الشارع أن الكثير من المؤتمرات تجتمع وتخطط وتقوم بإعلان بياناتها من ثم تدعو الناس للمشاركة، وهذا احد الأسباب لعدم حضورنا مؤتمر التنسيق الوطني”.
يؤيد ميشيل كيلو ما قاله كامل عن مؤتمر التنسيق الذي اتخذ قراراته دون الرجوع لغيره، ما أدى إلى مقاطعته من قبل الكثيرين. ويضيف “ليست كل المؤتمرات مفيدة لحراك الثورة، فهناك مؤتمرات تطرح الإصلاح والحوار بشروط معينة بالمقابل تطالب الشوارع الساخنة بإسقاط النظام، وبذلك تتجاهل آراء الناس. وليس بوسعنا إنكار أن للمعارضة الخارجية مخططاتها وحساباتها ونحن لسنا ضدها في حال التنسيق مع الداخل وإلا فسوف تشكل نقيضاً للداخل وليس رديفاً، فهناك اتفاق مسبق بأن مركز وتنسيق المعارضة هو في الداخل ولكن وراء الاكمة ما ورائها. إضافة الى خلافات داخل المعارضة السورية على الخطط والاجراءات والتدابير الضرورية”.
ويتابع كيلو “رغم ذلك لا ننكر على المعارضة حقها في تشكيل بديل عن النظام ويجب أن نتقبلها فوجودها قوي في الواقع السوري وليس بالإمكان اقصائها إلا في حال تقصيرها بواجباتها، حينها الأفضل أن ترحل مع النظام”.
ولكن ما يثير الدهشة ان عبد العظيم يتهم المعارضة الخارجية بذات التهم التي وجهت لمؤتمر التنسيق، فيقول “كانت المؤتمرات الخارجية متعجلة وبدون استشارة احد من الداخل وذلك من اجل ان تنصب نفسها لقيادة المعارضة وللحراك الشعبي. إلا أننا في الداخل نفضل المؤتمرات الداخلية حتى لو كنا ضمن قبضة امنية شديدة”.
وفي الاستمرارية في إقصاء الآخر، يقول العودات “هناك ثلاثة تيارات معارضة داخلية في سوريا هيئة التنسيق الوطنية واعلان دمشق والتيارات الاسلامية، والباقي كلام فارغ وهناك حوارات بينها للوصول إلى ائتلاف بهدف ايجاد قيادة موحدة بعكس الخارج الذي ما زال مشتتا”. ويتناسى العودات أن إعلان دمشق والاسلاميين رفضوا المشاركة في مؤتمر حلبون لنفس الأسباب التي جعلته يرفض المشاركة في مؤتمرات الخارج. وحسب قوله “المؤتمرات في الخارج لم تكن مفيدة للحراك الداخلي لأنها لم تفهم الداخل، وقامت باتخاذ قرارات من بعيد، متجاهلة كتل المعارضة وحجم مطالبها، ومعرفتهم مقتصرة على شخصيات قاموا بتنصيبها كقيادات دون أخذ رأيهم. فكل هم الخارج ان يعقدوا مؤتمراتهم وكفى”.
ويبقى السؤال كيف للمعارضة السياسية إيجاد لغة متناغمة بين اطرافها تحمل الشارع السوري إلى فضاء سياسي حقيقي وتنتقل بسوريا إلى حياة سياسية فيها تداول حقيقي للسلطة؟