ما يقف وراء معركة القامشلي؟
باريس – بسّام الطيارة
رويداً رويداً بدأت أسباب «معركة القامشلي» تتوضح. وبدأت تظهر معالم الاتفاق «الكردي-التركي» على الأرض لتنعكس ردات فعل عسكرية من قبل اللاعبين الفاعلين في الشمال السوري، وقد سلطت الاشتباكات بينهم الأضواء على حي «الشيخ مقصود» في محيط حلب في محاكاة لما يمكن أن يحصل في كبرى مدن الشمال الكردي. فكان لـ«برس نت» لقاء مع صالح مسلم محمد زعيم حزب الاتحاد الديموقراطي الكردي (بي يي دي PYD)، نسأله عن سبب القتال في المناطق التي كانت لأيام خلت تحت سيطرة حزبه وتخضع «لتفاهم ميدان» مع جبهة النصرة والجيش السوري الحر؟ بادر بالإجابة «اشتعلت في الشيخ مقصود ولسنا البادئين» يتردد قليلاً ثم يكمل بصوت هادئ «دافعنا عن أنفسنا فقد قصفنا النظام وأجبنا على مصادر النيران، البادئ أظلم». يشرح بأن الاتفاق الميدان» الذي حصل بعد معركة «رأس العين» ينص على إخراج المظار المسلحة وإنشاء مجلس مدني وأن تقوم «الشرطة الكردية» بتنظيم الأمن. ويتابع بأن الهجوم على حي الشيخ مقصود (الموجودة في موقع استراتيجي مرتفع شمال غرب حلب مثلها مثل جبل السيدة) جاء من طرف لواء الجبهة الكردية. الذين جاءوا من ناحية الأشرفية. ويشرح بأن هذه الكتيبة «تضمن بعض الأكراد أما الباقون فهم متعددو اجنسية» وتعمل الكتيبة تحت مسمى «لواء صلاح الدين» ضمن إطار الجيش السوري الحر. نتوقف عند وصف «متعددو الجنسية» نسأل ما يعني هذا؟ هل يوجد بينهم مقاتلين عرب؟ يجيب صالح مسلم محمد بابتسامة «يوجد العديد من الجنسيات» ولكنه يرفض التوسع في الإجابة على هذه النقطة. ثم يتابع بأن ضمن المهاجمين كان بعض أعضاء حزب آزادي التابع لـ«صلاح بدر الدين» الذين هاجموا حي «الماردينلية» حيث يوجد بعض المؤيدين للنظام غير المسلحين فباتوا هدفاً للجيش السوري الحر الذي دخل عن طريق «بستان باشا». ولكنهم هاجمونا أيضاً وقتلوا عددا من مقاتلينا وقد اضطررنا أن ندافع عن أنفسنا. ويشير إلى محاولة ثانية لدخول الحي قبل يومين في محاولة جس نبض، ويشدد «لقد وجهنا لهم إنذاراً بإخلاء مواقعهم خلال نصف ساعة وهذا ما فعلوه».
لا يتوسع صالح مسلم في التفاصيل رغم أن فضاء التواصل الاجتماعي نقل صوراً عن دخول المسلحين إلى الشيخ مقصود وعلى رأسهم «جبهة النصرة»، حيث كان العمليات عنيفة جداً وتم التمثيل في جثة إمام جامع الحسن الذي تقول بعض مصادر من أبناء الحي «إنه تم قطع رأسه وتعليقها على مئذنة الحي» وأنه «لم يكن الضحية الوحيدة» إذ هدر دم عدد من الموالين للنظام، كما تحدثت بعض الروايات عن «عمليات اغتصاب».
ولكن صالح مسلم يشير إلى أن طيران النظام جاء بعد ذلك وقصف المنطقة «قصف الحي وقصفنا» وذهب ضحية هذا القصف عدد من المواطنين. ويقول بأن ما يمكن فعله في حي الشيخ مقصود، أي صد المقاتلين الغرباء في إشارة إلى جبهة النصرة لا يمكن أن يحصل في القامشلي، بسبب وجود النظام داخل المدينة ولا نستطيع القول إنها «مدينة محررة».
من هنا أهمية «معركة القامشلي» إذ يعتبر الأكراد القامشلي معقلاً من معقلهم منذ أن وضع اليد على شؤون إدارة كافة المنطقة الكردية مع بداية الثورة السورية. والـ «بي يي دي» هو الشقيق غير المعلن لحزب العمال الكردستاني التركي الذي يتزعمه عبد الله أوجلان، والذي يقاتل أنقرة لنيل حق تقرير المصير والاعتراف بالحقوق الوطنية في المناطق الشرقية الجنوبية من تركيا.
نسأل: «ألا توجد صفقة بينكم وبين الأتراك نتيجة الاتفاق بين أوجلان والسلطات التركية؟» الجواب يأتي سريعا: «لا توجد أي صفقة سياسية». ولكنه يسارع إلى القول الجازم «لا نحارب أحد من أجل أحد لسنا متحالفين مع أحد لا مع النظام ولا المعارضة» ولكنه يستدرك « ولكننا لعبنا دوراً ونشكل جزء من المعارضة الوطنية ،هيئة التنسيق الوطنية».
ولكن يضيف لا يوجد اتفاق مع الائتلاف مع المعارضة؟ «لا يوجد اتفاق مع الجيش السوري الحر ولا مع الائتلاف، توجد اتفاقات مع الوحدات المقاتلة على الأرض».
إلا أن صالح مسلم يعترف بأن تطبيق الاتفاق بين حزب العمال الكردستاني والسلطات التركية يقود إلى «تغيير المعادلة الإقليمية» ويفتح الباب أمام تقارب بين الـ«بي يي دي» والمعارضة السورية. ويكشف بأن عدداً من أركان المعارضة يقول «بأن السلطات التركيا تمنع حتى الآن أي تقارب مع الأكراد» وبالتالي فإن تنفيذ الاتفاق (إذا وصل إلى مراميه) يمكن أن «يرفع الحظر الذي تضعه تركيا» على كل تقارب بين الأكراد والمعارضة يقول «يصبحون أكثر حرية».
نسأل: هل يقود هذا إلى اعتراف بحقوق الأكراد؟ يجيب صالح مسلم مبتسماً «بعض زعماء الائتلاف يجهلون أن تعليم اللغة الكردية ممنوعة في سوريا، لا يعرفون أنه ممنوع على الأكراد إنشاء مدارسهم الخاصة» ويقول « لا النظام يعترف بنا ولا المعارضة تعترف بنا» ولكنه يؤكد أن الـ«بي يي دي» يظل منفتحاً على هذا التقارب «إن حصل».
يؤكد هذا وجود «صفقة بطريقة غير مباشرة» قد تقود إلى سحب الفيتو التركي على تقارب المعارضة والحزب الكردي الأقوى. ويفتح الباب أمام سؤال يطرحه صالح مسلم على نفسه وبشكل إجابة تساؤلية على سؤالنا الأول عن سبب احتدام المعارك في الشمال فيقول:«النظام يعتقد أن الـ بي يي دي تواصل مع تركيا واتفق معها ويمكن للنظام أن يفكر بإفراغ الأحياء الكردية» عبر ضربها بالطيران.
وتقول المصادر الكردية بأن الاتفاق بين الأتراك وحزب العمال الكردستاني يقوم على أربعة «أرجل»: ١) موقف عبدالله أوجلان من الاتفاق، فلا يمكن للاتفاق أن «يمر» من دون موافقته، ٢) موقف الحزب الديموقراطي الكردي، الذي تتوجب أيضاً موفقته على الاتفاق، ثم ٣) موافقة «حبل قنديل» أي القوى العسكرية التي يترأسها «قره يلان» فلا اتفاق من دون موائمة من القوى الممسكة بالأرض. أما النقطة الرابعة فهي موقف السلطات السياسية التركية التي يتوجب عليها أن «تواكب» الاتفاقيات التي توجت مفاوضات قام بها «حقان فيدان» في سجن «إمرالي».
إذا في حال «وصل الاتفاق إلى خواتيمه» عندها يمكن استحقاق التغيرات التي تتوقعها المصادر الكردية ويتخوف منها النظام، أي تقارب بين المعارضة والـ« بي يي دي» يفتح أمام المعارضة منطقة واسعة لا وجود فيها للنظام ملتصقة بالحدود التركية تسمح بتواجد حكومة في حوض سكاني كبير، فيه نفط وفيه سهول الزراعة الواسعة.
ولكن يبدو أن جبهة النصرة مثلها مثل النظام لا تتوافق حساباتها مع هذا التوجه من هنا يمكن تفسير «الهجوم» الأخير الذي قد يقود إلى خربطة حسابات تركيا والأحزاب الكردية. إذ أن تواجد حكومة مؤقتة للمعارضة في منطقة واسعة لا تواجد فيها لا للنظام ولكن أيضاً لا تواجد فيها للكتائب الجهادية يسمح للجيش السوري بتلقي مساعدات كثيفة تسمح لها بالانطلاق من «مناطق محررة» نحو المناطق التي يسيطر عليها النظام…ولكن أيضاً التخلص من الكتائب الجهادية في الوقت نفسه.