مسيحيو سوريا ومخاوف التغيير
دمشق ــ رغدة العزيزي
يلاحظ في المجتمع السوري أن هناك ضعفاً في مشاركة المسيحيين ككتلة اجتماعية في الثورة السورية، ويرده البعض الى تخوفهم من شعارات دينية رفعتها قلة من المتظاهرين، والمطالبة بالقرآن كنهج ودستور للبلاد، في الوقت الذي لم يتمكن المسلمون من مناجاة رمز ديني مسيحي، ما أدى إلى إعطاء الثورة في بعض المناطق صبغة دينية إسلامية.
ولا يمكن نسيان جهود النظام السوري في تحريف الحقائق والادعاء بأن مستقبل سوريا سيكون في قبضة الاسلام السياسي. وربما ما زاد من تخوف المسيحيين تصريح البطريرك الماروني بشارة الراعي، الذي أعرب عن تخوفاته من تأزم الأوضاع في سوريا، متوقعاً أن “سوء الأحوال سيؤدي الى وصول الإخوان المسلمين إلى سدة الحكم، ما يؤثر على مسيحيي بلاد الشرق الاوسط”.
وتأتي هذه المخاوف رغم تصريحات المعارض السياسي ميشال كيلو في رؤيته للمستقبل من دون النظام الحالي، وتصويره بأنه نظام ديموقراطي يحترم حقوق جميع الطوائف، داعياً للنظر الى الحركات الاسلامية المعارضة بشكل مختلف عن تجارب السبعينات، اذ باتت تؤمن الآن، كما يقول، بالتعددية والدولة المدنية.
إلا أن الأب الياس زحلاوي يعرب عن مخاوفه بقوله إن “أكثر ما يخيفنا بعض الشعارات الدينية الإسلامية التي رفعتها قلة من صانعي الحراك في سوريا، والتي لم يرض عنها المسلم قبل المسيحي. وهذه الشعارات اكدت لنا أن هناك مشروعاً صهيونياً اميركياً يهدف الى تفتيت البلاد، ما جعل اشتراك المسيحيين ضعيفاً في ما يجري، فباتوا خارج الحراك كي لا يشعروا يوماً بانهم ساعدوا اسرائيل بمخططها الاستعماري، وخلق فجوة في البلاد”.
وللمعارض فايز سارة رأي مخالف، إذ يقول إن “المسيحيين مشاركون في الثورة بنسبة توازي نسبتهم من اجمالي السكان”. وخلافاً لما قاله الاب زحلاوي أيضاً، يعتبر سارة أن “الشعارات التي رفعت ركزت على شعار لا اسلام ولا مسيحية بدنا وحدة وطنية”. ويضيف: “رغم ان بعض الشعارات اخذت طابعاً إسلامياً، مثل الله واكبر، الا ان هذا يبقى في سياقه الطبيعي ضمن بلد يشكل المسلمون فيه 80%، وفي اماكن كان اغلب سكانها مسلمين، وخرج اغلبهم من المساجد. وهذا لا يخيف المسيحيين، فهم امضوا مئات السنين مع المسلمين ضمن حياة متآلفة، واذا كان هناك فقدان لتصريحات من رجال المسيحيين، فهذا ليس بجديد. فغالباً ما اعتادوا الوقوف الى جانب السلطة، وهذا من باب التوصيف لا الادانة. ولدى الاقليات مخاوف تلقي بظلالها على النخبة، ومنها الدينية، فتجعلها حذرة في التعامل مع التبدلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، بينما كان بين رجال الدين المسلمين من اخذ منحى معارضاً، إذ انقسموا الى موالاة ومعارضة في اغلب الاحيان”.
كيف لمجتمع حكمه حزب يدّعي العلمانية واليسارية أن يخلق افراداً مصابين بفوبيا حكم الاسلام السياسي؟ هل ما جاء به البعث طوال الاربعين سنة الماضية كان ادعاء اجوف اضعف العلمانية والمواطنة الحقة في بلد تكسوه الاقليات والتعددية الدينية؟
يقول الاب زحلاوي إن “الحراك على الاراضي السورية جاء نتيجة حتمية وطبيعية لنهج سياسي قام على يد الحزب الواحد طوال اربعين عاماً. ووأد البعث أي فرصة تخلق احزاباً تضمن حريات وحقوق الاخرين، بل راحت كل احزاب الجبهة تدور في فلك البعث وتنطق بذات الروح. ولا آتي بجديد اذا قلت ان ما نجم عن سياسة حزب البعث من تهجير للأدمغة ومصادرة للحريات العامة ومن انتشار لروح الخوف والانتهازية، أدى إلى استشراء الفساد وبات العدو الأول لسوريا. لكن تدخل إسرائيل واميركا في هذا الحراك افقده شرعيته، واتمنى لو بقي الحراك داخلياً فقط، لكنا شاركنا فيه، مسلمون ومسيحيون”.
كيف لشعب تنتهك حرياته ويعيش الفقر، والبؤس، والعوز، أن لا يتحرك له ساكن، وفي حال أرادت اسرائيل منه ذلك فيلبي المطالب حالاً، أليس ما يقوله الاب زحلاوي يثير في النفس الحفيظة؟
وفي رأي مقارب حول دور الاحزاب والجماعات السياسية، وخصوصاً العلمانية، يؤيد فايز سارة الاب زحلاوي ويضيف: “وجود احزاب علمانية يعيد ترتيب العقد الاجتماعي بإقامته على مبدأ المواطنة بدل قيامه على الأيديولوجيات والعشائرية والطائفية او القومية. وهذا ما نطمح له في الدولة المرتقبة القائمة على مبدأ القانون والمساواة والعدالة، فهي دولة كل المواطنين”.
وبعيداً عن العبث بأوراق الطائفية، ليس هناك من حزن او من يحزنون في حال استلام الاسلاميين سدة الحكم عن طريق صناديق الاقتراع، كما يقول الاب زحلاوي. اما سارة فيتحدث بقليل من القلق ازاء الامر: “هناك تجربة مهمة عاشتها سوريا بعد الاستقلال بهذا الخصوص، فكان الحكم لصناديق الاقتراع ولم يكن فيها من يسأل عن دين او انتماء ممثلي الشعب او حكامه، ما سمح بوصول سعيد اسحاق لمنصب رئيس جمهورية في مرحلة انتقالية ووصول فارس الخوري الى أعلى المناصب في الحكومة وفي مجلس النواب. فالمسيحيون ليسوا حالة طارئة او صنفاً مهدداً بالانقراض من سوريا، بل هم أهل أرض، موجودون من قدم التاريخ أي قبل استلام آل الأسد الحاكم منذ اربعين عاماً. ورغم اخطاء البعض في رفع شعارات دينية وتهميش الوطنية منها، الا انه ليس بوسعنا غض الطرف عن الكثير من الشعارات التي أبرزت ألوان الطيف الذي يميز سوريا عن غيرها، وتجاوزت ما أدعت به السلطة السورية من طائفية تجتاح البلاد من خلال الثورة”.
ولا يمكننا ان ننسى قضية مفادها أن الشعوب التي أصبحت اليوم تثور على حاكم جائر وبوسعها إسقاط أنظمة سياسية لا ترضاها، لن يصعب عليها اسقاط التطرف في حال وجوده.