الرئيسية » رأي » فداء عيتاني »

ذعر الاقليات

فداء عيتاني

عدا عن الذعر، ما الذي تقوم به الاقليات وقياداتها للمشاركة في واقعها بفعالية، والاندماج في محيطها دون الاصطدام به كل حين وعند كل تحول سياسي؟ والسؤال الاساس ربما كيف عايشت الاقليات فترات الاستقرار حتى وصلت الى حالات الذعر الهستيري ايام الازمات؟

لا يمكن اغفال اننا نعيش في عالم غير متسامح مع الاخر، وان الكثير من المظالم وقعت تاريخيا على الاقليات، في الشرق خاصة تم تهميش هذه الاقليات واقصائها وافقارها واختيار نخبها بما يناسب السلطات القائمة. معضلة الاقليات ومشاركها في الحكم والمواطنة لا تحل عبر شعارات تطمينية من قبيل “قبل الحرب لم نكن نعرف طوائف بعضنا”، او الاسوأ منها “كلنا شركاء في الوطن وكلنا اخوة”. ولا تحل عبر اغفال المشكلة، ولا يمكن ان تختصر بان فئة مضطهدة وخائفة من فئات اكبر واقوى، او اكثر عددا، او اشد بأسا. ولكن مشكلة الاقليات ايضا لا يمكن ان تجد حلولها في التحول نحو العنصرية، والكلام حول النوع والكم، او في الانعزال ومنع الاختلاط التجاري والانساني والعمراني، وصولا الى اثبات تفوق العنصر الاقلوي مقارنة بمن هم حوله من مواطنين، ولا يمكن ان تحل على قاعدة تجميع كل طاقات الفئة في بوتقة واحدة لمواجهة الاخرين. او رفع شعار مظلومية ابدي لا يجد حلا ولا يقبل الحلول الا على قاعدة اضطهاد الاخرين من الاكثرية والاقليات الاخرى.

في لبنان تم تهميش المسلمين بصفتهم من الاقليات، اشرك جزء من السنة في السلطة ايام الاستقلال الاول، واشرك بعض ممثلي الشيعة الممقوتين من اهل بيتهم، واستمر الظلم اعواما طويلة، وانفجر في حرب اهلية، ايضا تحت شعار حماية الاقلية المسيحية في الشرق.

الحرب الاهلية التي انتهت بانتصار الشيعة المدعومين من النظام في سوريا لم تنه الهواجس المسيحية، بل على العكس، فاقمتها وادت الى مرحلة “الاحباط المسيحي”، بعد ان كانت الحرب تخاض ضد “المارونية السياسية” التي تضم فيمن تضم سنة وشيعة ودروز وتحالفت في مرحلة من المراحل مع العلويين في شمال لبنان.

الهواجس المسيحية اليوم تضخم الى حد كريكاتوري، حين غزا الاميركيون العراق وفي اعوام الحرب الطائفية (كما يدعو العراقيون الاعوام الممتدة من 2003 الى 2008) فتك اهل العراق ببعضهم، وليس دون تشجيع من دول الجوار ومن قوات الاحتلال الاميركية والبريطانية، كانت النتيجة ما بين من سقط في حرب الغزو ومن سقط في حرب الطوائف اكثر من مليون قتيل، وبعضة ملايين اخرى من النازحين واللاجئين الى خارج البلاد، الا ان الدخول الى كنيسة في بغداد كان كافيا ليوحي لك بان الحرب كلها تخاض ضد المسيحيين.

يحدثك الحرس المسلح امام الكنيسة عن مآسي تقشعر لها الابدان، يخبرك بالظلم الذي تعرض له المسيحيون طوال حكم صدام حسين وما تلاه، وعن اضطهاد السنة (الاقلية الاخرى في العراق) لهم، وعن عنف الشيعة ضدهم، ثم يسر لك راعي الكنيسة وكاهنها عن مآساة اخرى تجلت بهجرة المسيحيين من بغداد، فقدت كنيسته رعاياها، اغلبهم اصبحوا في بلاد الغرب او في لبنان.

حين تخرج من الكنيسة تبدأ عملية الهروب من الحواجز، والخشية من الخطف، وسماع دوي انفجار هنا، وتحليق مروحي هناك، ثم اطلاق نار، واحياء مغلقة المداخل بالكامل، وحاجز مشبوه قريب من الفندق، وشركة امنية تتعرض لهجوم، اغلاق طريق بسبب الاشتباه بسيارة مفخخة. تنسى عندها ان في بغداد مسيحيين، وتتذكر ان الحرب طاولت كل اوجه الحياة، وحينها تنتبه الى ان الشيعة والسنة العراقيين يعتبرون ان المسيحيين لطالما كانوا مدللين لدى نظام البعث.

لم يتعرض مسيحيو العراق لما يفوق واحد من الالف من الخسائر التي لحقت بالعراق عموما، سواء في الغزو والاحتلال الاميركي، او في الحرب العشوائية التي شنتها الطوائف ضد بعضها، او في عمليات المقاومة التي طاولت الاميركيين والجيش والشرطة العراقيين، او في عمليات تنظيم القاعدة التي نفذت ما يقارب 3700 عملية تفجير انتحارية، واحدة منها فقط كانت خلال احتلال كنيسة مسيحية في بغداد، والباقي موجه ضد احياء سنية وشيعية وشخصيات مختلفة ما بين علمانية وشيعية، وبعض العمليات ضد الاميركيين (بحسب احصاءات وزارة الداخلية العراقية للعام 2011).

ولكن في بيروت كان الاعلام اللبناني يظهر اللاجئين المسيحيين العراقيين كل ما تحرك احدهم الى البلاد او خارجها، بينما يمر خبر مقتل العشرات في انفجار سيارات مفخخة وانتحاريين مرور الكرام خلال ثوان سريعة.

كذلك الامر في سوريا اليوم مع مسيحيي سوريا، حيث يسعى البعض في لبنان وسوريا الى اعتبار ان هناك مقتلة كبيرة تستهدفهم، وانهم هدف لعمليات التهجير القسرية، وقد بلغ الرقم الالاف منهم، البعض قال اربعة الاف والبعض الاخر اكد انهم ستة الاف من المهجرين، في حرب خسر فيها النظام السوري حوالي 50 الفا من جنوده، ومات في مناطق الثورة من جراء القمع والقصف والتصفية والقتال ما يزيد عن المئة الف، ويقبع مئة اخرون او يزيد ايضا في السجون والمعتقلات عند النظام، وتشرد حوالي اربعة ملايين سوري من منازلهم، وهرب من البلاد حوالي المليونين، حيث يعيش ما يقارب المليون في خيم ومعسكرات لجوء، بينما تركز بعض الاقليات على اربعة الاف مسيحي (او ستة الاف) وتشير الى تهدم كنسيتين، في الوقت الذي يحاول النظام السوري جهده دفع طياريه ومدفعييه الى اصابة المساجد ودور العبادة. مطيحا بمساجد تاريخية ومدمرا مدنا كاملة وقرى عن بكرة ابيها.

النظام السوري نفسه الذي يمتطي ظهر اقلية يحاول دفعها كما باقي الاقليات في سوريا الى الوصول لحالة الذعر الهستيرية، للغرق في المزيد من الدماء والدفاع عن نفسها باسنانها ونواجذها، ورفدها باقليات ومقاتلين من دول الجوار، الشيعة من العراق ولبنان، ولدفع العلويين والدروز والمسيحيين والشيعة الى القتال بشراسة وتوهم الخطر الكبير الذي يحيق بهم بحال سقط النظام السوري – الذي بالمناسبة هو نظام المئة الشخص من المستفيدين في شركتي سوريا القابضة والشام القابضة – فان النظام يعمد الى القتل على الهوية، فان كنت من دارة عزة مثلا او من منطقة احتضنت الثورة مبكرا فسيكون مصيرك القتل على حواجز النظام في بعض احياء حلب غير المحررة، كما يعمد الى قصف المساجد لاثارة ردة فعل غريزية سنية وتطرفا سنيا يدفع الى اعتماد السلفية الجهادية ودعايتها كحل وحيد مع “النصيريين”، مما يؤدي تلقائيا الى تكتل العلويين الى جانب النظام كخيار وحيد لا مفر منه لدرء خطر “الارهابيين السنة”.

الصيغة نفسها اعتمدها حزب الكتائب في بداية الحرب الاهلية في مجازره التي قام بها بناء على ما دون على هوية الشخص، فان كان مسلما فمصيره القتل مباشرة، مما دفع بالحرب الاهلية الى التحول لحالة من التذابح المذهبي، وضمن للكتائب اللبنانية ووريثتها القوات تجنيد المسيحيين في لبنان تحت شعار “امن المجتمع المسيحي”، و”يريدون تهجيرنا او قتلنا”.

حماية المقامات المقدسة، الدفاع عن القرى الشيعية اللبنانية في سوريا، الحرب الاستباقية، كلها ايضا شعارات توضح البعد المذهبي للفكر الاقلوي الذي يستند الى الذعر من الاخر، والذي يقود الى القتل بلا رحمة وبلا ضوابط، تحت مسميات الجهاد، الواجب الجهادي هنا حكرا على طائفة ترى في الاخر خطرا وجوديا، وتعظم من شأن القوى السلفية، فعلى سبيل المثال لا يذكر احد في سوريا عدنان العرعور، ولكن الدعاية التعبوية في لبنان لا تزال تستخدمه فزاعة مثيرة للسخرية، تماما مثل الشيخ احمد الاسير الذي يكاد يناصر ما يقل عن 500 شخص، في حين ان لدى حزب الله في حارة صيدا وحدها ما يزيد عن الف شخص، ومع ذلك فانه يتم اظهار احمد الاسير كتهديد وجودي، وان كان مغلفا بالسخرية من شكله وكلامه …الخ.

تغرق الاقلية نفسها بالمال والسلاح، تخدم مصالح الدول الكبرى، تتعامل مع اي شيطان تعتقده يساعدها في حماية نفسها من اكثرية تقاتلها، تستشرس في القتال وصولا الى اباحة القتل بالمجان، تغرق نفسها بجثث ضحايا، ثم تكتشف ان اكثر الموت اصاب ابنائها للدفاع عن ابنائها انفسهم من الموت، تحاط بالنعوش، ثم تعود لتكتشف حدود الديموغرافيا والهزائم الكبرى، وهي حال كل الاقليات المحاربة اينما تصرفت بصفتها اقلية مقاتلة للدفاع عن وجودها المهدد، سعار الاقليات وذعرها يؤدي بها الى الهزائم، سواء في العراق او لبنان او سوريا، وسواء اكانت من السنة المتبعة لتنظيم القاعدة او من الموارنة المقاتلين في لبنان او من العلويين في سوريا، او من شيعة لبنان المنغمسين بمقولة “الحرب الاستباقية”، وان كان من حرب استباقية نجحت الاقلية في ركوبها والانتصار بها وتكريس نفسها في المنطقة، فانها حتما ليست ضد الثورة السورية، بل هي بالتأكيد يجب ان تكون ضد اسرائيل، بدل انتظار اجتياح يزيل المقاومة، كان الاجدى بالمقاومة مهاجمة العدو استباقا.

اقرأ للكاتب نفس:

اُكتب تعليقك (Your comment):

صحافة اسرائيل

إعلان

خاص «برس - نت»

صفحة رأي

مدونات الكتاب

آخر التعليقات

    أخبار بووم على الفيسبوك

    تابعنا على تويتر

    Translate »
    We use cookies to personalise content and ads, to provide social media features and to analyse our traffic. We also share information about your use of our site with our social media, advertising and analytics partners.
    Cookies settings
    Accept
    Privacy & Cookie policy
    Privacy & Cookies policy
    Cookie name Active

    Privacy Policy

    What information do we collect?

    We collect information from you when you register on our site or place an order. When ordering or registering on our site, as appropriate, you may be asked to enter your: name, e-mail address or mailing address.

    What do we use your information for?

    Any of the information we collect from you may be used in one of the following ways: To personalize your experience (your information helps us to better respond to your individual needs) To improve our website (we continually strive to improve our website offerings based on the information and feedback we receive from you) To improve customer service (your information helps us to more effectively respond to your customer service requests and support needs) To process transactions Your information, whether public or private, will not be sold, exchanged, transferred, or given to any other company for any reason whatsoever, without your consent, other than for the express purpose of delivering the purchased product or service requested. To administer a contest, promotion, survey or other site feature To send periodic emails The email address you provide for order processing, will only be used to send you information and updates pertaining to your order.

    How do we protect your information?

    We implement a variety of security measures to maintain the safety of your personal information when you place an order or enter, submit, or access your personal information. We offer the use of a secure server. All supplied sensitive/credit information is transmitted via Secure Socket Layer (SSL) technology and then encrypted into our Payment gateway providers database only to be accessible by those authorized with special access rights to such systems, and are required to?keep the information confidential. After a transaction, your private information (credit cards, social security numbers, financials, etc.) will not be kept on file for more than 60 days.

    Do we use cookies?

    Yes (Cookies are small files that a site or its service provider transfers to your computers hard drive through your Web browser (if you allow) that enables the sites or service providers systems to recognize your browser and capture and remember certain information We use cookies to help us remember and process the items in your shopping cart, understand and save your preferences for future visits, keep track of advertisements and compile aggregate data about site traffic and site interaction so that we can offer better site experiences and tools in the future. We may contract with third-party service providers to assist us in better understanding our site visitors. These service providers are not permitted to use the information collected on our behalf except to help us conduct and improve our business. If you prefer, you can choose to have your computer warn you each time a cookie is being sent, or you can choose to turn off all cookies via your browser settings. Like most websites, if you turn your cookies off, some of our services may not function properly. However, you can still place orders by contacting customer service. Google Analytics We use Google Analytics on our sites for anonymous reporting of site usage and for advertising on the site. If you would like to opt-out of Google Analytics monitoring your behaviour on our sites please use this link (https://tools.google.com/dlpage/gaoptout/)

    Do we disclose any information to outside parties?

    We do not sell, trade, or otherwise transfer to outside parties your personally identifiable information. This does not include trusted third parties who assist us in operating our website, conducting our business, or servicing you, so long as those parties agree to keep this information confidential. We may also release your information when we believe release is appropriate to comply with the law, enforce our site policies, or protect ours or others rights, property, or safety. However, non-personally identifiable visitor information may be provided to other parties for marketing, advertising, or other uses.

    Registration

    The minimum information we need to register you is your name, email address and a password. We will ask you more questions for different services, including sales promotions. Unless we say otherwise, you have to answer all the registration questions. We may also ask some other, voluntary questions during registration for certain services (for example, professional networks) so we can gain a clearer understanding of who you are. This also allows us to personalise services for you. To assist us in our marketing, in addition to the data that you provide to us if you register, we may also obtain data from trusted third parties to help us understand what you might be interested in. This ‘profiling’ information is produced from a variety of sources, including publicly available data (such as the electoral roll) or from sources such as surveys and polls where you have given your permission for your data to be shared. You can choose not to have such data shared with the Guardian from these sources by logging into your account and changing the settings in the privacy section. After you have registered, and with your permission, we may send you emails we think may interest you. Newsletters may be personalised based on what you have been reading on theguardian.com. At any time you can decide not to receive these emails and will be able to ‘unsubscribe’. Logging in using social networking credentials If you log-in to our sites using a Facebook log-in, you are granting permission to Facebook to share your user details with us. This will include your name, email address, date of birth and location which will then be used to form a Guardian identity. You can also use your picture from Facebook as part of your profile. This will also allow us and Facebook to share your, networks, user ID and any other information you choose to share according to your Facebook account settings. If you remove the Guardian app from your Facebook settings, we will no longer have access to this information. If you log-in to our sites using a Google log-in, you grant permission to Google to share your user details with us. This will include your name, email address, date of birth, sex and location which we will then use to form a Guardian identity. You may use your picture from Google as part of your profile. This also allows us to share your networks, user ID and any other information you choose to share according to your Google account settings. If you remove the Guardian from your Google settings, we will no longer have access to this information. If you log-in to our sites using a twitter log-in, we receive your avatar (the small picture that appears next to your tweets) and twitter username.

    Children’s Online Privacy Protection Act Compliance

    We are in compliance with the requirements of COPPA (Childrens Online Privacy Protection Act), we do not collect any information from anyone under 13 years of age. Our website, products and services are all directed to people who are at least 13 years old or older.

    Updating your personal information

    We offer a ‘My details’ page (also known as Dashboard), where you can update your personal information at any time, and change your marketing preferences. You can get to this page from most pages on the site – simply click on the ‘My details’ link at the top of the screen when you are signed in.

    Online Privacy Policy Only

    This online privacy policy applies only to information collected through our website and not to information collected offline.

    Your Consent

    By using our site, you consent to our privacy policy.

    Changes to our Privacy Policy

    If we decide to change our privacy policy, we will post those changes on this page.
    Save settings
    Cookies settings