هجرة شباب لبنان: «شو بدنا نعمل بدنا نعيش»
لم يعد لبنان يُطاق. طفح كيل شبّانه في ظل أزمة بطالة تستفحل يوماً بعد آخر. ليس هذا فحسب، اللبنانيون قلقون على مستقبلهم يبحثون عن ملاذ، فيما قارب عدد اللاجئين السوريين النصف مليون لاجئ مما رفع عددهم الى من كانوا هنا من قبل، الى المليون، بحسب إحصاءات الأمن العام.
بيروت ــ علي مرتضى
تخرج علي من كلية الفنون الجميلة منذ 3 سنوات. ولغاية الآن، لم يجد فرصة عمل تحقق طموحاته، فقرر الهجرة. حال علي ينسحب على خلود التي تخرجت من كلية الحقوق منذ سنتين. كان حلم الشابة المثول أمام قوس العدالة للترافع عن وكيل مُفترض، لكن ذلك لم يحصل. لم تجد مكتب محاماة يقبلها كمتدرجة. قصة علي وخلود تشبه إلى حد بعيد قصة كثيرين أحبطتهم الظروف الإقتصادية الصعبة التي سببتها الأوضاع السياسية المضطربة التي تعصف بلبنان منذ اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري في العام 2005.
هكذا تكسّرت أحلام هؤلاء على صخرة الواقع، فقرروا الهجرة إلى سماء تُنسيهم سماء لبنان. والأسوأ من ذلك، سعي بعضهم إلى نسيان حتى ذكرى بلاد الأرز. هذا ما يقوله أنطون معتبراً أن لبنان لم يعد لأبنائه. الشاب الذي يقول مستهزئاً إنه بات يكره المغنية فيروز لأنها غنّت: “بحبك يا لبنان يا وطني بحبك..حبة من ترابك بكنوز الدني”. لا زال يحلم بـ “تأشيرة تخولنا الهجرة الى بلد يحترمنا”.
الطامة الكبرى أنّ البطالة لم تعد تقتصر على اللبنانيين وحدهم فحسب. فقد دخل اللاجئون السوريون ليتشاركوا هذه الكأس المُرة. وظل صعوبة العيش، وغياب الاحتضان الحكومي للاجئين السوريين بسبب الانقسام السياسي. صار الصراع صراعاً وجودياً. إذ يفتقد عدد كبير من هؤلاء حتى لقمة العيش، ففي بعض الأحيان، ترى عائلة سورية بأكملها تستعطي. لا يجد رب العائلة من يُشغّله، فيلجأ إلى التسوّل. ولا تستغربن حينها أن تجد هذا الشخص قد لجأ الى السرقة أو السلب بالقوة. معذورٌ لأنه يُريد أن يُطعم أولاده. أما المرأة، فقد تلجأ إلى العمل في التنظيفات وبعضهن لم يجدن حلاً لأزماتهن سوى ممارسة الدعارة.
وبحسب تقارير قوى الأمن الداخلي اللبناني، فقد ارتفعت نسبة الفتيات السوريات العاملات في الدعارة إلى حد أربعة أضعاف عما كانت عليه في السابق. أحد القادة الأمنيين يقرع جرس الإنذار، مؤكداً أن الانفجار قد بدأ، لكن أعين السياسيين تأبى رؤيته.
وبالعودة إلى اللبنانيين، بحسب تقرير الاقتصاد العربي وبرنامج الامم المتحدة الانمائية الصادر حديثاً، بلغت نسبة الشباب اللبناني المهاجر 30 % ، مشيراً إلى أن هناك 65 في المئة يفكرون في الهجرة، تتراوح أعمارهم بين الـ 25 و 35 سنة. وبحسب احصاء أجرته جامعة القديس يوسف، يتمنى أكثر من ثلثي الشباب الجامعي الهجرة بشكل دائم. وترتفع هذه النسبة بين خريجي كليات الهندسة والطب. وتجدر الإشارة إلى أن ظاهرة الهجرة اللبنانية ليست جديدة، غير ان عدد الذين غادروا البلاد في السنوات العشر الاخيرة يقدر بعشرات الالاف. غالبيتهم من الشباب، علماً أن عدد المهاجرين اللبنانيين بشكل عام يفوق أربعة أضعاف عدد المقيمين فيه.
ويشار إلى أنه بسبب الحروب المتتالية واللاستقرار السياسي الذي يعيشه لبنان منذ 1975 لغاية 2012، خسر لبنان مليون و700 ألف مواطن بسبب الهجرة، غالبيتهم من الشباب، بحسب تقرير الباحث الاجتماعي علي فاعور الخبير في شؤون الهجرة وعلم السكان، مشيراً الى أن: “25 ألف متخرج سنوياً يبحثون عن فرصة عمل”. وتشير دراسة الدكتور علي فاعور الى ان هجرة الشباب، بين عامي 1991 و2000 بلغت 350 ألفاً من فئة الشباب، وبين عامي 2001 و2005 هاجر 210 آلاف، فيما هاجر خلال حرب تموز 120 ألفاً من الشباب.
نسبة السكان بعمر 65 وما فوق من 7،2 في المئة في 2006 الى 8،1 في 2021. وتلفت الى أن انخفاض عدد الأطفال في الأعوام الـ 25 الأخيرة أدى الى انخفاض معدل الإعالة بالنسبة للقوى العاملة من 63 في المئة عام 1996 الى 49 في المئة عام 2021. كذلك فإن الهجرة المتزايدة ستقلّص قاعدة الهرم السكاني الشبابية من 19 في المئة عام 1996 الى 17 في المئة عام 2021.
وتلفت الدراسة الى انخفاض معدل الولادات من أكثر من 9 آلاف مولود حتى شهر آب من عام 2000 الى أقل من 7 آلاف مولود في الفترة نفسها من عام 2005. وترى أن زيادة نسبة العزوبية بين النساء وارتفاع عدد المهاجرين يؤثران في الزيادة الطبيعية للسكان.
ويشير فاعور في دراسته الى أن “الهجرة تؤثر في التباين المناطقي على المستوى الجغرافي، إذ انخفضت فئة صغار السن الى نحو 19 في المئة في بيروت، فيما تبلغ في الشمال 33،5 في المئة، كذلك ارتفعت نسبة كبار السن في بيروت الى 12 في المئة فيما انخفضت الى 5 في المئة في الشمال”.
لعل أزمة البطالة في لبنان أزمة مُزمنة ناتجة عن غياب سياسات حكومية واضحة لسوق العمل، وعن الفارق الشاسع بين متطلبات سوق العمل وبرامج إعداد الكادرات المهنية والتقنية في الجامعات، فالبطالة تخطت الخطوط الحمر كلها، والحكومة لا تكترث ولا تضع برامج لخلق فرص عمل لهؤلاء الشباب.