محاكمة عربي من إسرائيل حارب إلى جانب المعارضة السورية
تتجسد المعضلة التي تواجهها اسرائيل وهي تحاول إعداد استراتيجية بخصوص الصراع الدائر في سوريا منذ أكثر من عامين في قضية تنظرها محكمة قرب تل أبيب.
وتحاكم اسرائيل شابا من عرب اسرائيل انضم لفترة قصيرة إلى قوات المعارضة التي تقاتل للاطاحة بالرئيس بشار الأسد.
واتهم حكمت مصاروة الخباز البالغ من العمر 29 عاما الذي ألقي القبض عليه بعد عودته لاسرائيل بالحصول على تدريب عسكري بصورة غير قانوني والاتصال بعملاء أجانب والسفر إلى دولة معادية.
والمحاكمة معلقة على سؤال لا يجد جوابا وهو ما هو الطرف الذي تؤيده اسرائيل في الحرب – إذا كانت تؤيد أي طرف أصلا – وهل ستكون المعارضة المسلحة في نهاية المطاف صديقا أم عدوا؟
ويحاول الادعاء في لود تصوير مصاروة على أنه متحالف مع أعداء اسرائيل لكن القاضي أفراهام ياكوف يحاول جاهدا استجلاء الحقيقة. وقال خلال جلسة للمحكمة في الآونة الأخيرة “لا يوجد توجيه قانوني فيما يخص الجماعات المتمردة التي تقاتل في سوريا.”
وكانت الأمور أبسط خلال عقود حكمت فيها أسرة الأسد دون منازع.
واسرائيل في حالة حرب من الناحية الفنية مع جارتها الشمالية. واحتلت مرتفعات الجولان في حرب 1967 وبنت مستوطنات وضمت الجولان إليها. لكن الحدود ظلت هادئة إلى حد بعيد لعقود.
وسوريا جزء مما يوصف بمحور المقاومة إلى جانب ايران وحزب الله اللبناني. لكنها تجنبت الدخول في صراع مفتوح مع اسرائيل.
ولم تسارع اسرائيل للترحيب بالانتفاضة ضد الأسد عندما اندلعت في مارس آذار 2011. ورغم أن بعض الزعماء ينادون الآن بالاطاحة بالأسد يخشى البعض مما قد يحدث في أعقاب ذلك.
ويقول أوفير شيلاه من حزب يش عتيد الذي يشارك في الحكومة الائتلافية “السؤال بالنسبة لنا لم يعد ما إذا كان بقاء الأسد في السلطة أمرا جيدا أو سيئا وإنما كيف نحمي مصالحنا في هذا الوضع المنقسم والغامض الذي قد يستمر لعقود.”
وأصبحت المعضلة أكثر حدة منذ أن أصبح لمقاتلين اسلاميين مرتبطين بالقاعدة دور بارز في خطط المعارك التي تخوضها المعارضة.
ويعتقد الاسرائيليون أن واحدا من كل عشرة مقاتلين جهادي قد يحول سلاحه صوبهم بمجرد رحيل الأسد. كما يساورهم القلق من أن مقاتلي حزب الله حليف الأسد قد يتمكنون من الوصول إلى ترسانته من الأسلحة الكيماوية وغيرها من الأسلحة المتطورة.
لذا تحلت اسرائيل بضبط النفس في التعامل مع الأزمة السورية ولم تطلق الرصاص على القوات السورية عبر مرتفعات الجولان المحتلة الا عندما طالتها نيران طائشة وهونت من شأن غارة اسرائيلية على قافلة يشتبه في انها كانت متجهة إلى حزب الله في يناير كانون الثاني.
ويقول مسؤولون إن اسرائيل أبدت فتورا تجاه مقترحات غربية بزيادة المساعدات للمقاتلين السوريين لمساعدتهم في مواجهة تفوق قوات الأسد.
وقال مسؤول اسرائيلي لرويترز إنه يرد على أي اقتراحات بشأن دور عسكري أجنبي بسؤال هو “هل تعرفون حقا نيابة عن أي جانب ستتدخلون ؟”
لكن مع تشكيل حكومة ائتلافية جديدة تميل صوب اليمين برئاسة بنيامين نتنياهو وزيادة الأعباء على الجيش الاسرائيلي الذي يتعامل بحذر مع عدة جبهات – بينها مصر التي يحكهما الاسلاميون – فالرسالة ليست موحدة على الاطلاق.
وربما شارك نتنياهو في هذا من خلال التأكيد على أن ايران وبرنامجها النووي هما مصدر القلق الاقليمي الرئيسي لاسرائيل مما عزز وجهة النظر المطالبة بازاحة الأسد حليف طهران عن السلطة.
وعندما قال محلل بالمخابرات الاسرائيلية الاسبوع الماضي إن قوات الأسد استخدمت أسلحة كيماوية ذكر مسؤولون أن حكومة نتنياهو وحلفاءها الأجانب صدموا.
وأكدت واشنطن التقييم الاسرائيلي رغم أن هذا يمثل مشكلة للرئيس الأمريكي باراك أوباما الذي قال إن استخدام الأسلحة الكيماوية سيكون “خطا أحمر”.
وحث نائب وزير الخارجية الاسرائيلي الولايات المتحدة على التحرك بشأن الأزمة السورية وهي دعوة هونت من شأنها شخصيات سياسية رفيعة.
وقال مايكل أورين السفير الإسرائيلي لدى واشنطن إن إسرائيل لا تقدم أي توصيات سياسية لأوباما بشأن سوريا.
وقال لرويترز “نعتقد أن هذه القضية معقدة للغاية.”
واستبعد العديد من المسؤولين أن تهاجم اسرائيل سوريا بصورة منفردة ما لم يكن لديها دليل على تسليم أسلحة كيماوية لحزب الله.
ومن المرجح أن تعتمد اسرائيل على القصف الجوي مع افتقارها الى القوات البرية المتخصصة التي ستحتاجها من أجل عملية البحث عن الأسلحة الكيماوية وتدميرها.
وقد تقبل حكومة نتنياهو بالأمر إذا ما وقعت الأسلحة الكيماوية في يد المقاتلين المعارضين بافتراض أن المقاتلين من المواطنين السوريين العاديين الذي يتوقون لاعادة بناء بلادهم ويكرهون الدخول في حرب كارثية مع اسرائيل.
وقال مسؤول اسرائيلي “إذا حصل الجهاديون على الأسلحة الكيماوية فهذا أمر سيء للغاية .. لكن لا يزال الأمل باقيا في أن هؤلاء الناس يفتقرون الى الوسائل العسكرية الضرورية والمساعدة الفنية المطلوبة لاستخدامها.”
وفي واقع الحال يبحث صناع السياسة الاسرائيليون إلى أي مدى يمكن أن يشكل الاسلاميون السنة المتشددون الذين يقاتلون الأسد تهديدا مباشرا لاسرائيل في نهاية المطاف.
وأطلق كبير المتحدثين العسكريين البريجادير جنرال يواف مردخاي هذا التحذير الشهر الماضي بقوله “الجهاد العالمي” – يعني القاعدة والجماعات التابعة لها – يتمتع بأكبر قدر من النفوذ في الجانب الذي تسيطر عليه سوريا من هضبة الجولان.
وتبدي مؤسسات اسرائيلية أخرى قدرا أكبر من التفاؤل. وقال أحد المسؤولين إن الموساد الاسرائيلي (المخابرات) يعتقد أن العلمانية الراسخة في سوريا سوف تخفف حدة العداء لاسرائيل.
وأضاف “الاسلاميون هناك ليسوا جميعا من السلفيين والسلفيون ليسوا جميعا من القاعدة.
“ربما لا نحقق السلام لكن أعتقد أننا قد نتوصل إلى نوع من الحوار من أجل الردع المتبادل على أقل تقدير.”
ولم تقدم اسرائيل أي مؤشر على أنها تجري اتصالات بالفعل مع المعارضة السورية. لكنها تنسق المسائل الأمنية عن كثب مع الأردن الذي يؤيد بعض فصائل المعارضة.
وعودة إلى قاعة المحكمة حيث يواجه مصاروة عقوبة بالسجن تصل إلى 15 عاما في حال إدانته ويتوقف مصيره على ما إذا كانت السلطات قادرة اثبات أن وحدة الجيش السوري الحر التي قضى معها أسبوعا في مارس آذار تمثل تهديدا على اسرائيل.
ويأمل هلال جابر محامي مصاروة في أن يمنح منطق “عدو عدوي صديقي” الرأفة لموكله الذي ذهب إلى سوريا عبر تركيا بحثا عن أخيه المفقود الذي انضم بشكل منفرد للمقاتلين.
وقال جابر “أعظم الديمقراطيات في العالم بما فيها الولايات المتحدة تساند المعارضة للأسد… لذا كيف تخطيء اسرائيل شخصا يفعل نفس الشيء؟