«الثلاثي الغربي» يطبخ جنيف-٢ في واشنطن
باريس ـ بسّام الطيارة
الرئيس الأميركي باراك حسين أوباما ورئيس الوزراء التركي رجب طيب أوردوغان عقدا لقاء في واشنطن تمحور، وفق مصادر تركية، حول الازمة السورية والملف النووي الايراني. تابع الصحافيون هذه الزيارة ولكن فاتهم لقاء وراء الكواليس لمسؤولي الملف السوري لدى «الثلاثي الغربي»، أي الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا. هذا الثلاثي، الذي وصفه سفير سابق بأنه «مجلس إدارة العالم» (Directoire du monde)، يبدو وكأنه اخذ على عاتقه، منذ انهيار حائط برلين، «المهمات العسكرية»، من تحرير الكويت عام ١٩٩١ إلى ضرب ليبيا قبل سنتين. اللقاء الذي وصفه مصدر فرنسي بأنه «غير سري وغير معلن» جمع الأميركي روبرت فورد، والبريطاني جون ويلكس والفرنسي إيريك شوفاليه. الملفت للنظر أن شوفاليه، آخر سفير لفرنسا في سوريا، لم يأت وحيداً، بل رافقه المدير العام للشؤون السياسية والأمنية، جاك أوديبير، أي المسؤول الأول عن … الملف الإيراني.
هدف الاجتماع، حسب ما تسرب بشكل شبه رسمي، «وضع الحلفاء في أجواء التحضيرات لجنيف ٢» والدخول في تفاصيله. ولكن مصدراً، طلب كتم هويته، أفاد بأن للاجتماع ثلاثة أهداف مترابطة بشكل وثيق: ١) وضع خارطة طريق للوصول إلى «تحديد قائمة المشاركين في المؤتمر العتيد»، تأخذ بعين الاعتبار المطالب الروسية التي حمّلها وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، لنظيره الاميركي، جون كيري، عند الاتفاق على الخطوط العريضة. ٢) التوافق على صيغة اللقاءات وجدول أعمالها وضمانات التنفيذ، وهذا ما يقود إلى النقطة الثالثة : ٣) تدارس الدور الذي يمكن أن تلعبه إيران في عملية «ضمان تنفيذ النظام السوري» للقرارات التي يمكن أن تتأتى جراء المفاوضات. والنقطة الثالثة تبرر وجود أوديبير المتابع النشط للملف الإيراني منذ سنوات.
النقطة الاولى في هذا الاجتماع، حسب مقربين من هذا الملف، تهدف إلى «بلورة نتائج الجهود التي تمت في الأيام الأخيرة لإقناع المعارضة بقبول جنيف ٢». بعد هذه الموافقة، تقول المصادر، إن الصعوبة سوف تكون في الاتفاق على قائمة المشاركين. إذ يوكد مصدر متابع بأن «المعارضة عاجزة عن الاتفاق على وفد معين، وخصوصاً أن الاتفاق الأميركي الروسي في هذا المجال، والذي يشار إليه بـ«ثلاثة أثلاث»، يقضي بإشراك ثلاث كتل متساوية تمثل: ١- المعارضة الخارجية أي الائتلاف الوطني للمعارضة السورية ٢- معارضة الداخل المستقلة التي تمثلها هيئة التنسيق للتغيير الديموقراطي والتيارات القريبة ٣- ممثلون للقوى العسكرية في الداخل.
ويقول المصدر إنه من الصعب على هذه الكتل أن تتفق «ودورنا أن نساعد في إيجاد توافق بينها»، وهو تعبير ديبلوماسي للقول «ضرورة فرض حلول بصيغة أسماء». ويؤكد مصدر مقرب من الائتلاف هذه الصعوبة، ويقر بأنه «يوجد ١٢٠٠ فريق في الداخل وإذا ترك الأمر لهم فسوف يرسلون ١٢٠٠ ممثل!».
وحسب التسريبات من مصادر أميركية فإن وفد الائتلاف سيتضمن «جورج صبرا وسمير نشار وعبد الاحد اصطيفو وسهير الاتاسي وفاروق طيفور (العائد من السعودية)». أما وفد هيئة التنسيق ومعارضة الداخل والتنسيقيات فسيضم كل من «هيثم مناع ورجاء الناصر وصالح مسلم محمد وجمال شيخ باقي ومنذر خدام». أما وفد القوى العسكرية «فمتروك أمر اختيار أعضائه لسليم ادريس قائد المجلس العسكري الموحد» خلال لقاء مقرر في اسطنبول في ٢٣ و٢٥ من الشهر الحالي. ولا تستبعد المصادر أن يتم توسيع وفد المعارضة السورية ليصبح العدد ٢١ وأن يتم اختيار رياض سيف رئيساً للكتلة الجديدة، التي من المتوقع في هذه الحالة أن تضم أيضاً رياض الترك.
وكان الروس قد «عرضوا» لائحة بممثلي النظام السوري، وهم حسب لائحة حصلت عليها «برس نت» كل من «وائل الحلقي وقدري جميل، علي حيدر وأحمد عرنوس وفيصل المقداد وبثينة شعبان». وقد أثارت هذه اللائحة نقطتي ارتباك بين الروس والأميركيين، حملها السفير روبرت فورد، الأولى هي طلب موسكو من الحكومة السورية «إضافة وزير الخارجية وليد المعلم» إلى الوفد، وقد اقتنع الأميركيون بالأمر بعد شرح لافروف «ضرورة المحافظة على استمرارية الدولة في المفاوضات»، إضافة إلى كون المعلم «سني من دمشق»، كما شرح المصدر. وقد يقتنع الثلاثي الغربي بالمعلم كعضو في الوفد رغم كونه على لائحة العقوبات، إلا أن المعارضة «قدمت اعتراضات كبيرة على مشاركة بثينة شعبان». وبالطبع سوف يستبعد وزراء الجبهة الشعبية للتغيير السلمي من أي تمثيل في صفوف المعارضة الداخلية أو هيئة التنسيق، كما طلبت الحكومة السورية.
اما النقطة الثانية من الاجتماع والمرتكزة حول صيغة جنيف ٢، فقد نقل الأميركيون الآلية التي تم الاتفاق عليها وهي مبنية على «مجموعة لقاءات مترابطة ثنائياً»، أي أن اللقاء الأول يحدد جدول أعمال اللقاء الثاني وهكذا دواليك، بمعنى أن مؤتمر جنيف سيكون «مفتوحاً زمنياً» وأن كل توافق على بند سوف يعقبه «اتفاق على ضمان التنفيذ»، وهو «تمرين شبيه بالمفاوضات الفيتنامية الأميركية» حصلت عام ١٩٧٤. محاكاة اللقاءات الفيتنامية لن تقتصر على شكل المفاوضات، بل ستكون مشابهة أيضاً على أرض المعارك. إذ إن الأميركيين والروس «تركوا جانباً مسألة وقف النار» (وهو ما حصل تماماً في فيتنام) بحيث تتم اللقاءات بينما المعارك من حيث المبدأ لن تتوقف. وشرح المقرب من الملف أن هذا «الخيار» مرده إلى صعوبة ضمان قبول الكتائب الجهادية وقف النار، وبالتالي لن يقبل النظام وقف النار، وعوضاً عن رهن نتائج اللقاءات بوقف هزيل للنار، تقرر تركه جانباً في المرحلة الأولى.
النقطة الثالثة هي ضمان تنفيذ الاتفاقات، وهي البند الجديد «السري» الذي اتفق عليه الأميركيون والروس، وهو يقضي بالعمل مع الأفرقاء لضمان تنفيذ ما يمكن أن يتوصل إليه المجتمعون في جنيف. فيقوم الثلاثي الغربي بالضغط على الائتلاف بالتعاون مع القوى العسكرية في الداخل لـ«ردع الكتائب الجهادية» عن «تخريب الاتفاق»، وحتى لو تطلب الأمر «حسماً عسكرياً» في المناطق التي تسيطر عليها قوى المعارضة، هذا من جهة. أما من جهة موسكو فهي عرضت التقارب مع إيران لدفع النظام نحو القبول بنقل صلاحيات الرئاسة إلى الحكومة الانتقالية مع «ضمانات دستورية وحصانة قانونية للأسد» مع ترك مسألة ترشحه لانتخابات الرئاسة لنتائج المفاوضات في جنيف.
ويقول خبير متابع للملف بأن ضمان مصالح إيران وروسيا في بلاد الأمويين يمكن أن يسهل مسألة الضغط على أركان النظام السوري للقبول بحل سياسي ينقذ البلاد. ويبدو أن واشنطن قد قبلت بهذه الخطوات وأقنعت حليفيها الفرنسي والبريطاني بضرورة الأخذ بهذا المسار.
إلا أن من ضمن الأوراق التي تضعها طهران على «طاولة المساعدة» على تمرير الحل السياسي، توجد إلى جانب ورقة مصالحها في سوريا ومسألة حزب الله ووضمان أمن الأقليات الشيعية، ورقة «تسهيل التفاوض في ملفها النووي» وهي ورقة يصعب صرفها لدى «الثلاثي الغربي»، وهذا ما يفسر وجود جاك أوديبير الاختصاصي والمسؤول الأول عن الملف النووي الإيراني والذي يعتبر «الذاكرة الحية للمفاوضات مع إيران».