لا مفر من تفكك سوريا!
نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” في عددها الصادر اليوم، مقالاً بعنوان “سوريا بدأت التفكك تحت ضغط الحرب”، يرسم صورة سوداوية لمستقبل الدولة السورية وقدرتها على الحفاظ على وحدتها في ظل طول أمد الصراع وازدياد وحشيته.
المقال الذي أعده بين هوبرد حذر من أنه عوضاً عن سوريا الموحدة أصبح يوجد ٣ أشكال من سوريا آخذة في الظهور.
—-
بين هوبرد
علم الجهاد الأسود يرفرف فوق العديد من المناطق في شمال سوريا. في وسط البلاد، ميليشيات مؤيدة للحكومة وعناصر حزب الله يقاتلون أولئك الذين يهددون مجتمعاتهم. في الشمال الشرقي. الكرد أقاموا بفاعلية منطقة شبه مستقلة.
بعد أكثر من عامين الصراع سوريا تتفكك. كوكبة من الجماعات المسلحة تقاتل لحقيق مصالحها الخاصة، تقوم بفعالية بانشاء الخطوط لمناطق نفوذ منفصلة. مع توسع الحرب في نطاقها ووحشيتها، يبدو أن سلامة الدولة السورية هي الضحية الأكبر.
يوم الخميس الماضي، التقى الرئيس الأميركي، باراك أوباما، برئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان في واشنطن. خلال اللقاء شدد اوباما مرة جديدة على فكرة حل دبلوماسي من أعلى إلى أسفل.
هذا النهج يعتمد على موافقة المتمردين والحكومة السورية على الاجتماع في مؤتمر السلام الذي أعلن عنه الأسبوع الماضي من قبل الولايات المتحدة الأميركية وروسيا.
أوباما قال “نحن سنواصل ممارسة الضغط على نظام الأسد وسنواصل العمل مع المعارضة السورية”، وأضاف “سنواصل العمل من أجل سوريا خالية من استبداد الأسد” .بينما الدلائل على المجازر والأسلحة الكيميائية تتصاعد. يقول خبراء وحتى السوريين أنفسهم، إن الولايات المتحدة تركز على التغيير في المستوى الأعلى متجاهلةً الانقسام العميق الذي تسببت به الحرب في المجتمع السوري.
بشكل متزايد، يظهر أن سوريا أصبحت مدمرمة بشدة، بحيث أصبح من الصعب على سلطة واحدة ان تعيد دمجها سوية في أي وقت قريب.
وعوضاً عن ذلك، يتبين أنه يوجد ٣ أنواع من سوريا آخذة في الظهور. الأولى موالية للحكومة ايران وحزب الله. الثانية، مسيطر عليها من قبل الأكراد مع صلات بالانفصاليين الأكراد في تركيا والعراق، وأخرى ذات أغلبية سنية تتأثر بشكل كبير بالاسلاميين والجهاديين.
اندرو ج تابلر، زميل كبير في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدني، اعتبر أن “الأمر ليس أن سوريا تذوب بل أن سوريا ذابت”.
صاحب كتاب “في عرين الأسد، رواية شاهد عيان لمعركة واشنطن مع سوريا”، اعتبر أن “الكثير تغير بين مختلف الأطراف، بحيث اني لا استطيع أن أتخيل أن كل ذلك سيعود قطعة واحدة”.
تأجيج تفكك البلاد تساهم فيه الوحشية المتزايدة للمقاتلين من مختلف الأطراف والطبيعة المذهبية المتصاعدة للعنف.
امثلة حديثة تؤكد ذلك. الميلشيات المؤيدة للحكومة استهدفت المجتمعات الساحلية، مستهدفة المسلمين السنة المدنيين. في المقابل، مجموعات المتمردين السنة، استهدفت مراقد دينية لطوائف أخرى. الأسبوع الجالي، انتشر شريط مصور يظهر قائد تمرد في حمص يقطع قلب وكبد “عدو” ويقضمه. محللون يقولون إن تحول طبيعة العنف سيكون لها تأثير كبير على مستقبل البلاد أكثر من الانتصارات الميدانية على كلا الطرفين وذلك من خلال جعل سوريا، صاحبة الجماعات العرقية والدينية المتنوعة التي لطالما شكلت سوريا، أقل قدرة على التعايش مع بعضها البعض.
وفيما تتأرجح المعارك بين المعارضة والحكومة،التقسيمات الجغرافية تتصلب.
بعد خسارة الحكومة الكثير من الأراضي لصالح المتمردين خلال العامين الأولين من الصراع، القوات الحكومة نجحت مؤخراً في التقدم على عدد من الجبهات الأساسية في الأسابيع الأخيرة عبر هزمها المتمردين في جنوب محافظة درعا، خارج دمشق وفي وسط حمص والقرى المحيطة بها.
هذه الانتصارات لا تعكس فقط تحول استراتيجي من قبل القوات الحكومية بل يمكنها أيضاً ترسيخ الانقسامات في البلاد.
بعد أن أدت الانشقاقات لمجموعة من الجنود في بداية الانتفاضة إلى انكماش القوات الحكومية، تخلت هذه القوات عن استعادة أجزاء من البلاد بعيدة عن العاصمة، وفقاً لما أكده حوزيف هوليدي وهو زميل في معهد دراسات الحرب في واشنطن.
عوضاً عن ذلك، ركزت الحكومة على تعزيز سيطرتها على مجموعة من الأراضي التي تمتد من العاصمة دمشق إلىالجنوب وصولاً إلى حمص، وفي وسط البلاد وفي الغرب وصولاً أيضاً إلى المناطق الساحلية المقطونة بشكل كبير من قبل العلويين، طائفة الأسد.
بخلاف قصفهم بالطائرات والمدفعية، الأسد لم يقم سوى بجهد قليل لاستعادة المناطق المسيطر عليها من المتمردين في أقصى الشمال والشرق.
طبيعة الذين يقاتلون من أجل الأسد تغيرت أيضاً. بينما غير الموالين قاموا بالانشقاق الموالين استمروا. اميل حكيم، محلل في المعهد الدولي للدراسات الاستراتجية ومقره دبي،يرى أن “جميع هذه الانشقاقات والهروب، أدى إلى وجود مجموعة أكثر ولاء وأكثر قابلية للانتشار، مضيفاً “على الأقل تعرف من يقاتل معك”.
الأسد أصبح يعتمد بشكل أكبر على ميليشات شبه عسكرية موازية تتألف بشكل رئيسي من طائفته العلوية وأقليات أخرى ترى فيه حصناً ضد المتمردين الاسلاميين.
مؤخراً، مقاتلون منتمون لحزب الله الشيعي اللبناني أضافوا المزيد من عرض العضلات، وخصوصاً في المنطفة الحدودية بين لبنان وسوريا وتحديداً من المنطقة القريبة من القصير، وهي منطقة تنتشر فيها قرى سنية وشيعية وشهدت معارك عنيفة في الأشهر الماضية.
هذا التركيز الجديد على تشديد قبضته على وسط البلاد تناسب السيد الأسد وتريحه، وفقاً لما يؤكده عبد الرحيم مراد، وهو سياسي لبناني ونائب سابق زار الأسد في دمشق الشهر الماضي. مراد قال إن الأسد “كان يخبر النكات، كان الأمر مضحكاً جداً”، مشيراً إلى أن الأسد كان مرتاحاً ومسترخياً”.
في الفراغ الذي تركته الحكومة في الشمال والشرق، سيطر المتردون على مساحات من الأراضي وكافحوا لاقامة ادارات محلية.
صحيح أن ادارة أوباما وحلفائها يتشاطرون نفس هدف المتمردين المتمثل في ازاحة الأسد من السلطة، لكن لديهم القليل من القواسم المشتركة الاضافية مع الكثير من الفصائل المتمردة التي تعرًّف صراعها بمفردات اسلامية وتسعى لاستبدال الأسد بدولة إسلامية. من بين هذه الفصائل جبهة النصرة، الجناح المحلي لتنظيم القاعدة، التي وضعتها الولايات المتحدة على لائحتها السوداء للمنظمات الارهابية.
مدة الحرب والتنافس من أجل الموارد، جعل الفصائل المتمردة أنفسها منقسمة بشكل عميق.
صلات فليلة فعالة يمكن ايجادها بين قائد المتمردين في الخارج سليم ادريس وبين أكثر المجموعات المتمردة تأُثيراً على الأرض. الأشهر القلية الماضية، شهدت أيضاً تزايداً في القتال بين الفصائل المتمردة، ما قلل من قدرتها على تشكيل جبهة موحدة ضد الحكومة. هذا الأسبوع، لجنة الشريعة الاسلامية في حلب تحركت بعد اتهامات لمتمردين بالنهب. اللجنة أرسلت مسلحين لمحاصرة مقر المجموعة المتهمة وتوقيف عدد من أفرادها، وصادرت شاحنات مليئة بالسلع المنهوبة. المصادرة، أظهرت وجود خمس غسالات وتلفزيون في احد الأحياء.
شريط مصور آخر نشر هذا الأسبوع، أظهر قائد في جبهة النصرة في شرق سوريا يقف خلف ١١ معتقلاً مقيدين ومغمضي الأعين. وبعد الاعلان عن أنه جرت ادانتهم من قبل محكمة اسلامية بقتل سوريين، استل مسدسه واطلق النار على رأسهم من الخلف واحداً تلو الآخر.
ناشطون توصلوا إلى أن الرجل هو سعودي الجنسية، يدعى قصورى الجيزراوي، وأن الاعدامات حصلت قبل أشهر اذ تبين أن الجيزراوي قتل في آذار الماضي خلال اقتتال بينه وبين إحدى مجموعات المسلحين، وهو ما أدى في حينه إلى مقتل العشرات من الجانبين.
في شمال شرق حيث محافظة الحسكة، تتواجد أكبر التجمعات الكردية، المقيمون استقبلوا الأكراد الفارين من العنف في أماكن أخرى، ما جعلهم يعززون تعليم اللغة الكردية في المدارس وزادوا المسلحين الذين ااشتبكوا مع فصائل المتمردين. العديد من الأكراد المحليين لديهم صلات مع مجموعات في تركيا والعراق ويأملون في استخدام الانتفاضة للدفع باتجاه المزيد من الحكم الذاتي.
هذه التشققات المتفشية، تترك القليل من التفاؤل بأن سوريا يمكن تجميعها معاً مرة أخرى تحت قيادة واحدة في المستقبل القريب. وفقاً للمحلل هوليدي فإن ” الناتج الحقيقي الوحيد الذي يمكن أن أراه خلال الـ٥ إلى ١٠ سنوات المقبلة، مجموعة من الكانتوتات التي تتوافق على وقف اطلاق نار تكتيني لأنها تعبت من اراقة الدماء”، مشيراً إلى أن “هذا المسار ماض للتحقق مع أو بدون الأسد”.
(ترجمة جمانة فرحات)