مع مقاتلي حزب الله في القصير (خاص)
الهرمل – «برس نت» (خاص)
بدا «الشاب» مرهقاً وتعباً مع ذلك يبتسم. هو عائد من «جبهة الواجب» حسب تعبيره أي من معركة القصير التي لم تنته. يدرك أننا نريد طرح سؤال يريد أن يتهرب ولكنه فخور بما يفعل. يبدو هذا واضحاً على سحنته. يقول «معركة القصير هي أم المعارك». نسأل «لماذا؟»، لا إجابة يبتسم فقط. نسأل: أنت من حزب الله؟ يجيب مبتسماً «أنا مقاوم واجب». نسأل: تقاوم في القصير. الابتسامة لا تفارق ثغره. يفكر قليلاً قبل أن يجزم «أني أنفذ الأوامر فقط». يتردد قليلاً قبل أن يضيف «نعم القتال في القصير جزء من مقاومتنا ضد اسرائيل».
الحديث مع «العائدين من القصير» صعب جداً فالتزام الصمت والابتعاد عن أضواء الإعلام سمة من سمات مقاتلي حزب الله. يمكن فقط أن تتسقط أخبارهم في حال صادف وجودك عودة المقاتل إلى منزله. والعودة تكون عادة مفاجأة …للعائلة. إذاً هي الصدفة.
نسأل: هل أنت في إجازة؟ يبتسم لا يجيب.
يشرح أحد المقربين من حزب الله أن «معركة القصيرتضع بوضوح حزب الله في مواجهة المعارضة السورية المسلحة» ولكنه يشدد عل أنها «نواة المعارضة الأشد تطرفاً في الجيش السوري الحر» ويشير إلى أن مقاتلي الحزب يواجهون كتيبة الفاروق وجبهة النصرة إلى جانب كتائب عربية واجنبية. يخرج قليلاً عن جديته ويقول «الغرب يضع جبهة النصرة على لائحة الإرهاب ونحن نحاربها فلماذا ينتقدونا؟؟». يجول بنظره على الحاضرين نساء ورجال وكأنه يسألهم سؤالاً يعرف الجميع إجابته.
جلسته ونظرة المتحلقين حوله تدل على أن المتكلم يحتل مركزاً قيادياً وأن حديثه اليوم استثنائياً ونادراً. وكأنه يريد أن يكافئ المستمعين المتحلقين حوله يشرح لنا: «يدور القتال على رقعة مستطيلة مهمة استراتيجياً تمتد من أعلى القلمون في ريف دمشق إلى مداخل الساحل السوري» ويتابع بأن أهمية المنطقة أنها مخترقة في وسطها بمجموعة من الممرات التي تستعمل لامدادات الأسلحة والمسلحين التي تعبر جبال لبنان الشرقية وتتوجه إلى حمص» ويتابع بأن طرق الإمداد هذه تمر في ما يمكن اعتباره «تقاطع الإتصالات في تلبيسة والرستن قبل أن تتفرق شرقاً نحو حماه وباتجاه الشمال نحو المعرة وادلب وحلب».
يرى محدثنا أن معركة القصير يمكن «ترجمتها سياسيا»، ويشرح أن انخراط حزب الله هو تجسيداً لمبدأ «تحريم اسقاط سوريا في يد المحور التركي القطري والأميركي» ولكنه لا يعتبر هذه المعركة «مناوئة للعملية السياسية المقبلة» (يرفض استعمال كلمة «تسوية جنيف)، ويرى أن النظام يعتبرها تحضيراً للمفاوضات ليكون في موقع تفاوضي اقوى.
نسأل: كيف وصلت المعارك إلى قلب القصير؟
يتردد قليلاً ويقول «كل الصحف كتبت عن الموضوع» ثم يبتسم. ولكنه يتوسع بالحديث: «خلال شهرين اختار الجيش السوري اعتماد تكتيكات مزدوجة فعهد إلى حزب الله، الذي كان حاضراً للدفاع عن القرى الشيعية، ومعه اللجان الشعبية القيام باقتحام المواقع الإستراتيجية بتطبيق هجمات كوماندوس (لا يحب استعمال كلمة حرب عصابات). يوتابع أما الجيش فقام بما يحسن القيام به من جهته باستخدام القوة النارية الكثيفة بالمدفعية والطيران لتدمير تجمعات المسلحين، ويشير هنا إلى « قصف مطار الضبعة حيث قتل منهم العشرات». ويضيف «العملية نجحت بإستعادة حوض العاصي باكمله ماعدا عرجون والحميدية والضبعة» ويشرح أن « الجيش والحزب فضلا تركها للإنقضاض على القصير حيث تجمع المسلحون بعد دفعهم اليها» .
نسأل: ولماذا تطول المعارك ؟
يجيب «اتبع الجيش السوري «سياسة تقليل الخسائر وتحييد المدنيين اولاً» ويكشف عن تدخل العشائر التي «نجحت باقناع السكان بافراغ المدينة والأحياء التي يسيطر عليها المسلحون من المدنيين عبر طرق آمنة بحيث لم يتبق من الأربعين الف ساكن «الا مئات قليلة».
ويرسم محدثنا باصبعه في الهواء ثلاث إشارات ويتابع شرحه«الجيش الذي كان لا يزال يتمركز اصلاً في جزء من شرقي المدينة تمدد نحو غربها وشرقها وجنوبها. بينما تولت قوات النخبة في حزب الله العمليات الإقتحامية في وسط المدينة وباتجاه الحي الشمالي، الذي يشكل ثلث المدينة وحيث اعادت المعارضة تجميع قواتها ونصب خطوط دفاعها » ويقول إن الكتائب بنت « تحصينات وحفرت أنفاق وفخخت الممرات» ويعترف بأن هذه الاستراتيجية «أدت إلى رفع الخسائر في الموجات الأولى لدى المهاجمين خصوصاً في منطقة البساتين» قبل أن «يسيطر المهاجمون على مبنى أمن الدولة كليا وحي الكنيسة والبلدية في وسط المدينة» وهو حسب قوله ما «عزز سيطرتهم على الطريق الدولي» الذي يشق القصير نحو طرطوس.
نسأل: من يقاتل ؟ لا يتردد في الإجابة ويقول:«طبيعة القوى المقتلة مهمة جدا» ويقدر عدد مسلحو المعارضة بثلاثة الاف مقاتل ويؤكد أن «بينهم لبنانيون» وأن هؤلاء إلى جانب المقاتلين العرب «لا مصلحة لهم بأي مفاوضات للإنسحاب من المدينة». ويتوسع بشرح تركيبتهم ما يدل على «عمل استخباراتي عميق» حسب قوله. إذ ينقسم المقاتلون إلى ثلاث مجموعات: منها المجلس العسكري للجيش الحر ويقوده المقدم محيي الدين الزين الملقب بـ«أبو عرب» ثم «كتيبة الفاروق» التي يقودها «أبوعلي» و«جبهة النصرة» التي بايع مقاتلوها «أبي البراء» أمس (المقابلة أجريت قبل يومين).
نسأل: أين هي المعارك اليوم ؟ يتنفس قليلاً بقوة ثم ينظر إلى الخارج قبل أن يجيب «المعارضة اختارت التحصن شمال القصير لأنها مسنودة على منطقة القلمون» ويعتبر أن مبرر ذلك هو «إبقاء خطوط الامداد ولكن أيضاً الانسحاب عبر عرجون والحميدية نحو حمص».
يتوقف محدثنا عن الكلام ويقول ممازحاً «خلص بكفي هيك».
ولكننا نصر على سؤال يدور في رؤوس الجميع: خل من أمل للمعارضة بتثبيت موقعها في القصير؟
يبتسم ويقف متأهباً للخروج ولكنه يقول «لقد حاولوا إيصال مقاتلين عن طريق مشاريع القاع إلى القصير»، يتردد قليلاً ويتابع «ولكن الجيش السوري قتل أحد عشر مسلحاً أمس (المقابلة تمت قبل يومين) حاولوا اختراق الحصار، واعتقل آخرين. وفيما هو على عتبة الدار يقول « الجيش بدأ عملية استكمال الطوق حول المدينة وبالتالي سوف يمنع خروج المسلحين من ثغرة البسااتين نحو عرجون.
هب «الشاب» يقبل يد والدته ويهمس بعض الكلمات في أذن شقيقته التي كانت عيونها تغزل هلعاً ما أن رأته يقف ليذهب وراء «الحاج». مسحت الأم دمعة عن خدها. واستدارت الشقيقة راكضة هحو داخل الدار.