الرئيسية » رأي » معمر عطوي »

المقاومة والثورة: نقطتان مضيئتان تتلاشيان

attwi 3معمر عطوي

يبدو أن ما تبقى من عقلانية في بلادنا أصبحت آيلة للزوال في ظل السُعار الذي بات سيد الموقف السياسي، إذ تحل الحزبية مكان المواطنية والمذهب مكان الدين، فتتغلب الغرائز على العقل وتكون النتيجة أننا نخسر نقاطاً مضيئة وانجازات فريدة بلمح البصر.

كانت المقاومة الإسلامية في لبنان في المراحل الأولى من الصراع مع الكيان الصهيوني، رغم انحسارها في أبناء مذهب معين، وحزب واحد، مقبولة من جزء كبير من اللبنانيين وُمحتضة شعبياً الى حد واسع، ذلك لأنها لم تكن تحمل خطاباً مذهبياً ولم تسع الى مصالح دنيوية تتعلق بالسلطة وتوابعها، وكانت متعالية عن تفاصيل الشؤون الداخلية فلا تجعل من سلاحها أداة ضغط لتحقيق مطالب تتعلق في السياسة الداخلية.

كان ذلك قبل اغتيال رئيس الحكومة رفيق الحريري في شباط عام 2005، لكن الفترة التي تلتها بدأت المقاومة بالسقوط في براثن الفتنة وانجرّت بسهولة الى فخاخ المخططات التي سعت لتغيير وجه المنطقة. حدث ذلك منذ أعلن حزب الله عن تظاهرة لشكر سوريا بعد انسحابها من لبنان تحت ضغط التحركات الشعبية التي حمّلت النظام الأمني السوري واللبناني مسؤولية اغتيال الحريري.

والمفارقة أن الدخول السوري الى بيروت عام 1986 كان مخضّماً بدماء شهداء المقاومة الاسلامية الذين قتلتهم عناصر “دولة الممانعة” في ثكنة فتح الله قرب منطقة برج ابي حيدر، وكانت سوريا العامل الأكبر الذي أضعف المقاومة حين ضربها بحركة أمل في بيروت والجنوب معيداً عقارب ساعة قدراتها الى الوراء عشرين سنة.

وفي شباط من العام 2008 كان اغتيال الرجل الثاني في حزب الله قائد المقاومة وصانع الانتصارات الشهيد عماد مغنية. تلاه بعد شهور اغتيال مستشار الرئيس بشار الأسد العميد في الجيش السوري محمد سلمان في طرطوس بظروف غامضة. وهو الذي عمل كضابط ارتباط مع المقاومة في لبنان وفلسطين. واغتيال الرجلين في سوريا مسؤولية الاستخبارات السورية بالدرجة الاولى. الأمر الذي يطرح علامات استفهام حول دور دمشق في ذلك.  فالنظام السوري وأجهزته الأمنية ليست نظيفة في تعاطيها مع المقاومة. لذلك كان موضوع انتصار حزب الله لهذا النظام الاستبدادي بداية نهاية المقاومة.

وبدعمها لبشار الأسد خالفت المقاومة ولائها التاريخي ووقوفها مع المحروم فأصبحت مع يزيد الظالم ضد الحسين المظلوم، وخالفت وطنيتها فحوّلت بندقيتها من حماية الشعب اللبناني الى تفتيته وجعله ضحية حروب مذهبية اضافة الى مشاركتها السافرة في تصفية الشعب السوري، خارقة الاجماع اللبناني حول سياسة النأي بالنفس وضاربة بعرض الحائط كل احترام لسيادة الدولة. كما حولت المقاومة الاسلامية اسلاميتها من حالة مضيئة في الأمة أنجزت ما لم تنجزه حكومات ودول ضد الكيان العبري الى حالة شيعية تتجاهل وجود ٣٠٠ مليون عربي ومليار مسلم لطالما وقفوا احتراماً واجلالاً لانتصاراتها، فضحت بكل هؤلاء من أجل عائلة فاسدة تحكم في عاصمة الأمويين. واد من سقوط هذه المقاومة تورطها في السياسة الداخلية وفشل حكومتها في تحقيق أي انجاز للمواطن. بل وقف حزب الله مع أصحاب الأموال ضد الفقراء في تأييده لقرارات الحكومة المجحفة.

أما الثورة السورية، فقد بدأت حالة نظيفة طاهرة تطرح ظلامات تاريخية عاناها الشعب السوري من سياسة نظام مستبد مع الأب ومن ثم الإبن وروح الشيطان (الاستخبارات)، ثم تحولت الى آداة بيد الدول التي استغلت حاجتها للدعم من أجل تصفية حسابات قديمة مع هذا النظام. وبدأت الدول الوكيلة للغرب في المنطقة مثل تركيا وقطر والسعودية تحفر الحفرة للثورة لتغرقها في مستنقع من وحول السياسة الدولية القذرة وتحول النزاع من أجل الحرية والكرامة ورغيف الخبز الى صراع دولي أعاد الحرب الباردة الى الواجهة ، بيد انها حامية بالنسبة للشعب السوري الذي دفع ولا يزال ثمن قتل وتشريد وتجويع ومذلة.

أصبحت الثورة السورية في جزء منها عصابات مسلحة قضيتها القتل والخطف والسرقة وتصفية حسابات تاريخية مع الشيعة والعلويين “الروافض والنصيرية”، فكانت الاعتداءات على قرى حدودية في حمص وأخرى في اللاذقية تتم بدافع مقاتلة الشيعة والعلويين، وفي نفس السياق كان اختطاف 11 لبناني على طريق تركيا ولا يزالون قيد الاحتجاز غير الشرعي. مع العلم أن حزب الله بوقوفه الى جانب من يقتل هؤلاء كان الذريعة الأكبر لردة الفعل السلبية المتخلفة هذه التي ارتدت على جميع الشيعة والعلويين مع أن الاسلام يعمل بمقتضى قاعدة قرآنية “ولا تزر وازرة وزر أخرى”. وهل من رجاحة العقل أن يشكر السيد حسن نصرالله بشار الأسد ونظامه على عملية اطلاق لم تتم للمخطوفين وهم لا يزالون في قبضة الخاطفين؟!

وبدلاً من أن تكون الثورة وطنية أصبحت مذهبية في جزء منها يسيطر عليها مقاتلون أجانب شرسون من افرازات تنظيم القاعدة، وفي جزء آخر مجموعات أمنية ترّبت على العنف في كنف النظام وحملت هذه الذهنية معها الى الضفة الأخرى. وظل بعض آخر – ربما الفئة الأكبرمن الشعب السوري- مُهمّشاً، بفعل ابتعاده عن أجهزة الاستخبارات الأجنبية، ومتمسكاً بوحدة سوريا وبأحقية الشعب في حكم نفسه والتخلص من الظلم والاستبداد وفي الوقت نفسه بعدم التدخل الأجنبي في شؤون سوريا.

أمام هذا الواقع بدأ العالم العربي يدخل في نفق مظلم يفتقد الى نقطتين مضيئتين هما المقاومة والثورة، بعدما وقعتها في فخاخ حروب التاريخ “المُقدسة” بين المذاهب ووضعتا العقل على الرف.

 

اقرأ للكاتب نفس:

التعليقات: 4

  1. Anon:

    تكفي التعليقات لفهم ان ما كتب في المقال صحيح..
    نعم اثبتم ان كل كلمة صحيحة…. افهمو المكتوب ياااا عاالم يا عرب…

    تاريخ نشر التعليق: 2013/06/04
  2. قيصر:

    لقد اصبت في توصيفك واقع الحال يا معمر

    تاريخ نشر التعليق: 2013/06/03
  3. مروان العرقوبي:

    (إضافة رد الكاتب)
    بوركت يداك يا اخ عصام حمد فلقد كتبت تماما ما كنت افكر به عند قراءتي لهذه السذاجة من التحليل وكان صديقنا معمر قادما من تورا بورا وليس ابن بلده تحررت بفضل المقاومه.

    رد الكاتب:
    للأسف الشديد ان من قرأ مقالي على نحو لم يفهم مضمونه ودلالاته هو من يستحق أن يكون في صفوف السذج.. لأ أدري كيف فهم المعلقان على مقالي أني ضد المقاومة وقد كتبت عن انجازاتها وعظمتها ما لم يكتبه مالك في الخمرة، بل كنت يوماً جزءاً منها. أتمنى لو تقرأوني بعقل لا بعاطفة.. فالمقال هو عبارة عن تحذير من انطفاء شعلتين مضيئتين في هذه الامة وليس تهفيتاً لفكرة المقاومة التي للأسف اصبحت غاية بدل ان تكون وسيلة للتحرير والتحرر فباتت سنداً لمن يقمع الحرية.. ولا اعرف كيف استنتج العرقوبي أني اتيت من تورا بورا؟! يبدو أن العرب لا زالوا لا يقرأون واذا قرأوا لا يفهمون؟.

    تاريخ نشر التعليق: 2013/06/03
  4. عصام عادل حمد:

    ارى يا صديقي معمّر – وربما لأول مرة – أنك تحمل مفهوماً ساذجاً بسيطاً للمقاومة!.. تريدها أن تقاتل العدو وجهاً لوجه غير ملتفةٍ إلى أي شيء: أنظارها وفوهات بنادقها مصوّبة نحوه لا تتحوّل، وكذلك فكرها وسياستها.. هذا حق لكن بشرط ألا يكون من اللبنانيين من “يخدم” هذا العدو!.. ستقول لا تتّهم وإنها مجرّد تخيلات.. أجيبك على سبيل المثال فؤاد السنيورة اتخذ بغياب نواب المقاومة قراراً بنزع سلاح الإشارة لدى المقاومة كأنما ينفّذ تعليمات لجنة فينوغراد التي أوصت الجيش الإسرائيلي بذلك قبل أية حرب مع المقاومة!!! لذلك اقتضى على المقاومة “””الالتفات””” إلى الداخل، إلى “”مستنقعات”” الداخل!!!! أما وأنّ شاقّي الصدور وآكلي القلوب وقاطعي الرؤوس كادوا يصيرون على حدودنا وهم ما فتئوا يهددون المقاومة بأن دورها بات قريباً.. فقد اقتضى الذهاب إليهم وحماية ظهر المقاومة منهم..
    الثورة نقطة مضيئة تلاشت – للأسف. أما المقاومة فازدادت “نقطتها” تألّقاً ودليل ذلك أن عدوّنا يعدّ لها العدّة والعتاد ويُجري المناورات صباح مساء ويحيك المؤامرات ويعقد التحالفات.. وتجد “منّا” نحن شعب المقاومة من يراها متلاشية – أيضاً للأسف!

    تاريخ نشر التعليق: 2013/05/29

اُكتب تعليقك (Your comment):

صحافة اسرائيل

إعلان

خاص «برس - نت»

صفحة رأي

مدونات الكتاب

آخر التعليقات

    أخبار بووم على الفيسبوك

    تابعنا على تويتر

    Translate »
    We use cookies to personalise content and ads, to provide social media features and to analyse our traffic. We also share information about your use of our site with our social media, advertising and analytics partners.
    Cookies settings
    Accept
    Privacy & Cookie policy
    Privacy & Cookies policy
    Cookie name Active

    Privacy Policy

    What information do we collect?

    We collect information from you when you register on our site or place an order. When ordering or registering on our site, as appropriate, you may be asked to enter your: name, e-mail address or mailing address.

    What do we use your information for?

    Any of the information we collect from you may be used in one of the following ways: To personalize your experience (your information helps us to better respond to your individual needs) To improve our website (we continually strive to improve our website offerings based on the information and feedback we receive from you) To improve customer service (your information helps us to more effectively respond to your customer service requests and support needs) To process transactions Your information, whether public or private, will not be sold, exchanged, transferred, or given to any other company for any reason whatsoever, without your consent, other than for the express purpose of delivering the purchased product or service requested. To administer a contest, promotion, survey or other site feature To send periodic emails The email address you provide for order processing, will only be used to send you information and updates pertaining to your order.

    How do we protect your information?

    We implement a variety of security measures to maintain the safety of your personal information when you place an order or enter, submit, or access your personal information. We offer the use of a secure server. All supplied sensitive/credit information is transmitted via Secure Socket Layer (SSL) technology and then encrypted into our Payment gateway providers database only to be accessible by those authorized with special access rights to such systems, and are required to?keep the information confidential. After a transaction, your private information (credit cards, social security numbers, financials, etc.) will not be kept on file for more than 60 days.

    Do we use cookies?

    Yes (Cookies are small files that a site or its service provider transfers to your computers hard drive through your Web browser (if you allow) that enables the sites or service providers systems to recognize your browser and capture and remember certain information We use cookies to help us remember and process the items in your shopping cart, understand and save your preferences for future visits, keep track of advertisements and compile aggregate data about site traffic and site interaction so that we can offer better site experiences and tools in the future. We may contract with third-party service providers to assist us in better understanding our site visitors. These service providers are not permitted to use the information collected on our behalf except to help us conduct and improve our business. If you prefer, you can choose to have your computer warn you each time a cookie is being sent, or you can choose to turn off all cookies via your browser settings. Like most websites, if you turn your cookies off, some of our services may not function properly. However, you can still place orders by contacting customer service. Google Analytics We use Google Analytics on our sites for anonymous reporting of site usage and for advertising on the site. If you would like to opt-out of Google Analytics monitoring your behaviour on our sites please use this link (https://tools.google.com/dlpage/gaoptout/)

    Do we disclose any information to outside parties?

    We do not sell, trade, or otherwise transfer to outside parties your personally identifiable information. This does not include trusted third parties who assist us in operating our website, conducting our business, or servicing you, so long as those parties agree to keep this information confidential. We may also release your information when we believe release is appropriate to comply with the law, enforce our site policies, or protect ours or others rights, property, or safety. However, non-personally identifiable visitor information may be provided to other parties for marketing, advertising, or other uses.

    Registration

    The minimum information we need to register you is your name, email address and a password. We will ask you more questions for different services, including sales promotions. Unless we say otherwise, you have to answer all the registration questions. We may also ask some other, voluntary questions during registration for certain services (for example, professional networks) so we can gain a clearer understanding of who you are. This also allows us to personalise services for you. To assist us in our marketing, in addition to the data that you provide to us if you register, we may also obtain data from trusted third parties to help us understand what you might be interested in. This ‘profiling’ information is produced from a variety of sources, including publicly available data (such as the electoral roll) or from sources such as surveys and polls where you have given your permission for your data to be shared. You can choose not to have such data shared with the Guardian from these sources by logging into your account and changing the settings in the privacy section. After you have registered, and with your permission, we may send you emails we think may interest you. Newsletters may be personalised based on what you have been reading on theguardian.com. At any time you can decide not to receive these emails and will be able to ‘unsubscribe’. Logging in using social networking credentials If you log-in to our sites using a Facebook log-in, you are granting permission to Facebook to share your user details with us. This will include your name, email address, date of birth and location which will then be used to form a Guardian identity. You can also use your picture from Facebook as part of your profile. This will also allow us and Facebook to share your, networks, user ID and any other information you choose to share according to your Facebook account settings. If you remove the Guardian app from your Facebook settings, we will no longer have access to this information. If you log-in to our sites using a Google log-in, you grant permission to Google to share your user details with us. This will include your name, email address, date of birth, sex and location which we will then use to form a Guardian identity. You may use your picture from Google as part of your profile. This also allows us to share your networks, user ID and any other information you choose to share according to your Google account settings. If you remove the Guardian from your Google settings, we will no longer have access to this information. If you log-in to our sites using a twitter log-in, we receive your avatar (the small picture that appears next to your tweets) and twitter username.

    Children’s Online Privacy Protection Act Compliance

    We are in compliance with the requirements of COPPA (Childrens Online Privacy Protection Act), we do not collect any information from anyone under 13 years of age. Our website, products and services are all directed to people who are at least 13 years old or older.

    Updating your personal information

    We offer a ‘My details’ page (also known as Dashboard), where you can update your personal information at any time, and change your marketing preferences. You can get to this page from most pages on the site – simply click on the ‘My details’ link at the top of the screen when you are signed in.

    Online Privacy Policy Only

    This online privacy policy applies only to information collected through our website and not to information collected offline.

    Your Consent

    By using our site, you consent to our privacy policy.

    Changes to our Privacy Policy

    If we decide to change our privacy policy, we will post those changes on this page.
    Save settings
    Cookies settings