البرلمان اللبناني يمدد لنفسه واستمرار التوتر السياسي
وافق مجلس النواب اللبناني على تأجيل الانتخابات البرلمانية التي كانت مقررة في يونيو حزيران حتى اواخر العام المقبل بسبب عدم الاستقرار في البلاد بفعل النزاع في سوريا وعدم الاتفاق على قانون انتخابي جديد.
ووسط احتجاجات من مجموعات قليلة اقر مجلس النواب التمديد حتى 20 نوفمبر تشرين الثاني 2014 بعد عشر دقائق من اجتماعه بأغلبية 97 صوتا من اصل 128 نائبا.
وجاء في نص التمديد “تعدل مدة انتهاء المجلس النيابي بصورة استثنائية” على ان تنتهي في 20 نوفمبر تشرين الثاني 2014. وتنتهي مدة ولاية البرلمان وهي من اربع سنوات في 20 يونيو حزيران من العام الحالي.
وهذه هي المرة الاولى التي يقرر فيها البرلمان التمديد لنفسه منذ الحرب الاهلية التي دارت بين عامي 1975 و1990.
وحتى قبل بدء تصاعد اعمال العنف في لبنان الاسبوع الماضي كان السياسيون اللبنانيون منقسمين بشدة بشأن تغيير قانون الانتخابات في البلاد.
وكانت الحكومة اللبنانية المستقيلة قد حددت السادس عشر من يونيو المقبل موعدا للانتخابات النيابية وفق القانون المعمول به وسط شكوك في اجرائها بسبب معارضة غالبية القوى السياسية وآثار النزاع السوري على البلاد.
وقال رئيس البرلمان نبيه بري في بداية الجلسة “لأشهر عديدة حاولنا الوصول الى التوافق. هل الأجواء تسمح بحرية الناخب وحرية المرشح؟”
وشهد لبنان سلسلة من اعمال العنف بسبب النزاع في سوريا خصوصا في مدينة طرابلس الشمالية التي سقط فيها 29 قتيلا وعشرات الجرحى.
وقسمت الحرب الاهلية في سوريا لبنان حيث يؤيد غالبية الشيعة الرئيس السوري بشار الاسد ويؤيد كثير من السنة معارضيه وهو ما يزيد الضغوط على الجيش اللبناني لاحتواء التوتر الطائفي في البلاد.
وقتل ثلاثة جنود من الجيش اللبناني يوم الثلاثاء في سهل البقاع الشرقي بعدما اقدم مسلحون على اطلاق النار عليهم ولاذوا بالفرار نحو الحدود السورية.
وفي العاصمة بيروت سقط صاروخان على معقل حزب الله في الضاحية الجنوبية الاحد الماضي بعد خطاب للامين العام لجماعة حزب الله حسن نصر الله تعهد فيه بالقتال مع الأسد حتى النصر.
ويمتد العنف في سوريا الذي أودى بحياة أكثر من 80 الف شخص خلال 26 شهرا الى الأراضي اللبنانية بوتيرة متسارعة تبعث على القلق على مصير لبنان الذي فقد ما بين مئة الف و150 الف شخص في حربه الأهلية.
ويقاتل حزب الله إلى جانب قوات الاسد لطرد مقاتلي المعارضة من بلدة القصير السورية الحدودية بينما تسلل كثير من المسلحين السنة المؤيدين للمعارضة عبر الحدود للانضمام الى الانتفاضة.
وقال رئيس تيار المردة الزعيم المسيحي سليمان فرنجية ان التمديد هو السبيل الوحيد لمنع تصاعد التوترات السياسية وتجنيب البلاد الحرب الاهلية.
وقال للصحفيين بعد انتهاء الجلسة”أعتقد أننا لا نمدد لمجلس النواب نحن نمدد لئلا تحصل حرب أهلية ولكي لا ينتقل الخلاف من خلاف سياسي الى خلاف أمني لا سمح الله او خلاف عسكري”.
وأضاف قائلا “نحن نقول لنؤجل المشكلة لأنه للمرة الأولى منذ سنوات عديدة الانتخابات تحدد وجهة لبنان الاستراتيجية وتحدد اذا كان لبنان مع المقاومة او ضدها ومع العروبة أو ضدها” واعتبر أن “الواعين في لبنان يدركون أن هذا التأجيل هو تأجيل للمشاكل”.
اما رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة فقال ان التمديد جاء بسبب “دقة الظرف وحراجة الموقف”. واضاف للصحفيين في البرلمان “لقد أصبحت هذه الخطوة ضرورية ولا مهرب منها تجنبا للفراغ المرفوض من جهة وتفاديا للمزيد من الخروق الأمنية من جهة أخرى لذلك تبدو هذه الخطوة في بعض جوانبها خطوة إنقاذية”.
وسبق التوافق على التمديد تجاذبات سياسية مطولة حول القانون الانتخابي استمرت اشهرا من دون التوصل الى قانون يرضي جميع الفرقاء.
وفي البداية اجمعت كل الاطراف السياسية لا سيما المسيحية منها على رفض اجراء الانتخابات على اساس “قانون الستين” وهو القانون النافذ في البلاد والذي كانت قد جرت انتخابات 1960 على اساسه واعيد احياؤه في الفترة الماضية.
ويقول منتقدو هذا القانون ان تقسيماته تحول دون تمثيل صحيح للبنانيين وان اصوات الناخبين المسيحيين خصوصا تذوب في عدد كبير من الدوائر في اصوات المسلمين مما يمنع المسيحيين من اختيار نوابهم.
واتفق النواب على وضع قانون انتخابي جديد في الفترة الفاصلة عن الانتخابات حيث تم طرح العديد من القوانين ابرزها “القانون الارثوذكسي” الذي يسمح للمسيحيين باختيار نوابهم والذي وصفه معارضوه بانه قانون طائفي.
وبعد تعذر الاتفاق على قانون وافق الفرقاء السياسيين على التمديد ما عدا الزعيم المسيحي المتحالف مع حزب الله ميشال سليمان الذي تغيب مع كتلته عن جلسة البرلمان .
وقال في مؤتمر صحفي في مقره في الرابية “لا ارادة لديهم بإجراء الإنتخابات وقد تكون لأسباب حسابية لأن قانون الستين لا يضمن الاكثرية التي يريدونها” وتساءل “ما هي الضمانات بالوصول الى قانون انتخاب في المستقبل”.
وبالتزامن مع انعقاد الجلسة تظاهر العشرات من المجتمع المدني في ساحة رياض الصلح القريبة من البرلمان وحملوا لافتات تسخر من المسؤولين كتب على احداها “التمديد للنواب هو تمديد لكل الازمات التي يواجهها” كما حملوا صناديق بلاستيكية مليئة بالطماطم (البندورة) رشقوا بها بعض النواب الذين كانوا يمرون بسياراتهم عند مغادرتهم قاعة البرلمان.
كما رفعوا صورة جامعة للنواب وراحوا يرشقونها بالطماطم. وشكل بعضهم سدا بشريا في محاولة لمنع النواب من الدخول الى البرلمان كما حمل بعض المتظاهرين نعوشا لفت بالعلم اللبناني في جنازة رمزية لدفن “الديمقراطية”.
ووصفت الامم المتحدة تأجيل الانتخابات والتمديد للبرلمان بانه مؤسف. وقال المنسق الخاص ديريك بلاميلي في بيان “من المهم طبعا ضمان إستمرارية المؤسسات ولكن من المؤسف عدم التوصل الى اتفاق بشأن الانتخابات”.
واضاف “ان الامم المتحدة ستستمر في تشجيع جميع الأطراف في لبنان على العمل من اجل اجراء الانتخابات النيابية دون ابطاء تماشيا مع التقاليد الديموقراطية في البلاد”.
وبعد التمديد لمجلس النواب تتركز الانظار من الان وصاعدا على الحكومة التي ينوي رئيس الوزراء المكلف تمام سلام تشكيلها والتي تعذر الاتفاق عليها منذ اكثر من شهرين بسبب الخلافات السياسية.