معارك طائفية في أفق منطقة الشرق الأوسط (تحليل رويترز)
يهدد استيلاء قوات حكومية سورية يتقدمها مقاتلون من جماعة حزب الله الشيعية اللبنانية على بلدة القصير بتحويل الحرب في سوريا إلى معركة طائفية أوسع بين القوى السنية والشيعية تجتاح البلدان المجاورة.
وعزز سقوط البلدة بعد قتال على مدى أسابيع موقف الحكومة السورية وترك المعارضة المسلحة تتجرع أكبر هزيمة تتعرض لها في الصراع المستمر منذ أكثر من عامين والذي أسفر عن مقتل 80 ألف شخص.
وفي دمشق رفع الانتصار الروح المعنوية للحكومة المحاصرة. وعادت المظاهرات المؤيدة للرئيس بشار الاسد للظهور ويمكن مشاهدة صور أسرته مرة أخرى على سيارات تجوب الشوارع الداخلية للمدينة.
وعبر نشطاء المعارضة عن غضبهم إزاء التفكك المزمن لمقاتليهم وتقاعس العرب والغرب عن تسليح جماعات المعارضة.
وكتب النشط المعارض ياسر اليوسف على صفحة (حلب الآن) على موقع فيسبوك للتواصل الاجتماعي “أصبحنا ألف حق وليس حقا واحدا فضاعت القصير.
“الطرف الآخر يقاتل براية واحدة و نحن أصبحنا نقاتل برايات وحددنا شكل الدولة وتقاسمنا المناصب والمجالس والهيئات.”
ويهدد القتال الآن بأن يتخذ بعدا أكثر طائفية واتساعا بالمنطقة. وربما ينذر انسحاب مقاتلي المعارضة السورية السنة إلى شرق لبنان بهجمات انتقامية ضد قرى شيعية ومعاقل حزب الله هناك.
وقال تشارلز ليستر المحلل لدى مركز الارهاب والتمرد التابع لمؤسسة آي.اتش.إس جينز “ما من شك في أن خسارة القصير والأعداد الكبيرة جدا للخسائر البشرية التي تحدثت عنها التقارير من البلدة ستخلق رغبة في الانتقام لدى البعض على الأقل في أوساط المعارضة المسلحة.”
لكن مسؤولا أمنيا كبيرا في المنطقة صاغ الكلام بصراحة أكبر قائلا “حزب الله دخل صراعا سنيا شيعيا (في سوريا) معلنا الجهاد لذا فهو يتوقع جهادا مضادا في المقابل.”
وسقوط القصير ضربة استراتيجية للمعارضة المسلحة التي عانت من انتكاسات في هجوم حكومي مضاد تدعمه حاليا جماعة حزب الله والحرس الثوري الإيراني.
وانقطعت الآن خطوط الامداد للمعارضة عبر القصير بينما استعادت الحكومة السيطرة على الطريق السريع بين حلب ودمشق. واستعادت الحكومة أيضا امكانية الوصول من دمشق الى المعقل الساحلي للأقلية العلوية التي ينتمي إليها الأسد.
ويقول مسؤولون عسكريون في المنطقة إن الأمر الأشد إثارة للقلق بشأن السيطرة على القصير هو أنها كانت بالأساس عملية لجماعة حزب الله بداية من التخطيط وصولا إلى نشر المدفعية وغيرها من الأسلحة وانتهاء بالمعارك الفعلية.
وقال مصدر سوري مطلع “استولى حزب الله على البلدة وأتاح للجيش السوري دخولها. قدم الجيش السوري دعما من خلال القصف العنيف بالقنابل والقذائف.. لكن حزب الله كان القوة الضاربة.”
وينظر إلى مشاركة حزب الله -وكيل إيران- في الحرب كدليل على اعتقاد في طهران بأن هزيمة الأسد التي بدت ممكنة بوضوح العام الماضي ستشكل تهديدا غير مقبول لإيران.
لكن من المستبعد أن تكون السيطرة على القصير نقطة تحول حاسمة في حرب وصلت إلى حالة الجمود حيث لا يزال يتعين على قوات الأسد استعادة السيطرة على مساحات شاسعة من شمال البلاد وشرقها في وقت لا تزال فيه المعارضة المسلحة متشبثة بموقفها رغم انقسامها وضعف تسليحها.
وقال المحلل السياسي المعني بشؤون الشرق الأوسط رامي خوري “إنه انتصار استراتيجي جدا لكنه نصر في موضع بعينه احتاج تحقيقه عدة أسابيع ومساعدة أجنبية هائلة لها كثير من الدلالات السلبية. من المؤكد حدوث رد فعل ضد حزب الله.”
وتسلط معركة القصير أيضا الضوء على كيفية تحول صراع بدأ كانتفاضة ضمن الربيع العربي ضد نظام دكتاتوري إلى حرب بالوكالة بين إيران من جهة والغرب وحلفاء عرب من جهة أخرى وهو صراع معد يمتد شرق سوريا وغربها.
في الوقت نفسه أصبح الأسد يعتمد على حزب الله وإيران وشبكة من ميليشيا سورية تتشكل أساسا من العلويين تعرف باسم قوات الدفاع الوطني اضطلعت بكثير من أدوار الجيش وأضفت على معسكر الأسد صبغة أكثر طائفية.
ورغم أن العلويين يهيمنون على معظم المناصب الكبرى في التسلسل الهرمي الحاكم في سوريا لم يعد الأسد يثق في الجيش الذي يشكل السنة أغلب أفراده.
وينقل تزايد مشاركة الجهاديين العرب السنة إلى جانب المعارضة المسلحة ومن بينهم جماعة جبهة النصرة المرتبطة بالقاعدة خط الجبهة في الصراع الممتد لقرون بين السنة والشيعة في الشرق الأوسط إلى سوريا وربما إلى لبنان أيضا.
وبعد عامين من القتال بات الوضع في سوريا يشبه الحرب الأهلية في لبنان من 1975 حتى 1990 والصراع الطائفي في العراق عقب سقوط صدام حسين.
وفي العراق أعادت الحرب السورية إشعال التوتر بين السنة والشيعة والذي يتفاعل ببطء منذ الغزو الذي قادته الولايات المتحدة للبلاد في 2003.
وعادت أنشطة المسلحين السنة ضد الحكومة العراقية التي يهيمن عليها الشيعة للاشتعال مرة أخرى بتشجيع من الاحتجاجات الشعبية التي اجتاحت العالم العربي. وبلغ العنف في العراق حاليا أعلى مستوياته منذ ذروة الصراع الطائفي في 2006 و2007 .
ورفعت أعلام الجيش السوري الحر في احتجاجات بالعراق مما يسلط الضوء على الصلات بين القبائل السنية في غرب العراق وشرق سوريا. ويلقى باللوم عن كثير من العنف في العراق على جماعة دولة العراق الإسلامية الجناح المحلي للقاعدة التي اشارت بالفعل الى طموحاتها الاقليمية بضم الصفوف مع جبهة النصرة في سوريا.
ويعبر مقاتلون عراقيون من السنة والشيعة الحدود الان للمشاركة في القتال فينضم السنة الى مقاتلي المعارضة في حين ينضم الشيعة الذين قاتلوا في وقت ما القوات الامريكية الى قوات الحكومة السورية.
ومع انكشاف ابعاد هذا الانفلات الدموي للوضع تبدأ خريطة الشرق الاوسط في التغير مع تفتت دول عبر الخطوط الطائفية. ويواجه لبنان والعراق اكبر الخطر لكن لا تبدو اي دولة تجاور سوريا محصنة.
وتذوقت تركيا طعم العنف حين انفجرت قنبلتان في مدينة حدودية مما اسفر عن مقتل العشرات. ويمكن للحرب ان تفتح الانقسامات بين الاغلبية السنية في تركيا وبين الاقلية العلوية.
وبرر حسن نصر الله زعيم حزب الله مجازفته في سوريا بالحاجة الى قطع الطريق على “القوى التكفيرية” في اشارة الى المتطرفين السنة الذين يتبعون نمط القاعدة.
وهو يرى لبنان وسوريا والعراق كجزء محتمل من نفس ميدان المعركة.
وأطلقت صواريخ على جنوب بيروت الذي يسيطر عليه حزب الله الشهر الماضي في حين اشتبكت الجماعة الاسبوع الماضي مع مقاتلين من المعارضة السورية في لبنان. وتشهد مدينة طرابلس اللبنانية اشتباكات دامية بين السنة والعلويين.
وفيما يؤكد المخاطر في لبنان حذر الجيش السوري الحر المعارض من أنه قد يستهدف حزب الله على ارض لبنان ذاته.
وفيما يبرز الانقسام الاقليمي المتزايد بين السنة والشيعة دعا الشيخ السني ذو النفوذ يوسف القرضاوي كل القادرين على الجهاد للتوجه الى سوريا للقتال. وقال ان العلويين والشيعة اسوأ من المسيحيين واليهود.
وقال مصدر امني عربي كبير ان مغامرة حزب الله حولت الحرب السورية الى اختبار اقليمي للقوة بين السنة والشيعة.
واضاف “ارتكب حزب الله خطأ فادحا. نحن نواجه نقطة تحول. يأمل حزب الله ان تكون لمصلحته لكن لا أرى انها ستكون في مصلحته.”
وقال انه بالنسبة لحزب الله وايران سيكون سقوط دمشق -التي تمثل خط الدفاع الاول لايران في صراعها مع الغرب واسرائيل- بمثابة “مقدمة لهزيمة طهران وحليفها الوكيل” في لبنان. ويعني ذلك ان الرهانات اكبر من ان تسمح لهم بالبقاء على الحياد.
ولا يخفي اعداؤهم في الغرب وبين الدول العربية السنية دوافعهم للانضمام للحرب السورية: وهي ليست دعم الديمقراطية وإنما الاطاحة بالحليف العربي الرئيسي لايران ومن ثم ضرب طهران ووكيلها حزب الله.
وقال نصر الله الشهر الماضي في عبارات لا لبس فيها انه يعتبر سوريا ميدان معركة يتوقف عليها بقاء الشيعة. ومن هذا المنطلق تواجه سوريا ولبنان تهديدا من الجماعات السنية المتشددة فيما يرى نصر الله انها مؤامرة تقف وراءها الولايات المتحدة وحلفاؤها خدمة لمصالح إسرائيل في المنطقة.
وقصفت إسرائيل بالفعل ثلاث مرات هذا العام ما تقول انها صواريخ إيرانية في سوريا كانت في طريقها الى حزب الله. وسيزيد التدخل السافر لحزب الله من احتمال شن مثل هذه الهجمات.
فضلا عن ذلك فإن سقوط القصير قد يجعل من الصعب لأي من الطرفين تقديم تنازلات في مؤتمر السلام المقترح عقده في جنيف في يوليو تموز خاصة مع تزايد فرص الأسد وتراجع حظوظ خصومه.
وقال مصدر سوري مطلع على النقاش بشأن المسألة “كانت الأحاديث الخاصة في دهاليز السلطة (في دمشق) تقول إذا لم ننتزع القصير لن نتوجه الى جنيف. كانوا في حاجة الى شيء في يدهم يساومون عليه في جنيف… ومع تحقيق هذا الانتصار يصعب انتزاع أي شيء منهم.”
لكن المحللين يعتقدون ان بمقدور واشنطن وحلفائها استشعار قدر من الارتياح تجاه ما يجري من أحداث في سوريا لثلاثة اسباب:
أولا ان سوريا أصبحت نقطة جذب لمجندي القاعدة والجهاديين من اليمن الى السعودية حيث يقتل كثيرون منهم يوميا.
ثانيا ان الصراع يستنزف احتياطيات إيران. وطبقا لما قاله مصدر أمني عربي فإن طهران تدفع ما بين 600 و 700 مليون دولار شهريا ويأمل أعداء إيران أن يؤدي ذلك الى حدوث اضطرابات داخلية هناك.
ثالثا ان حزب الله ينزلق الى المستنقع السوري بصورة ستضعفه عسكريا وتدمر الكثير من مصداقيته السياسية التي بنيت على مدى سنوات من الصراع مع إسرائيل وهو ما لخصه محلل في بيروت بقوله “لقد سقطت ورقة التوت