واشنطن حصدت ٩٧ مليار معلومة في شهر واحد
باريس – «برس نت» (خاص)
«أكبر من وكيليكس» إنه «أكبر تسرب تجسسي في تاريخ أميركا» هكذا وصف بيت كينغ، رئيس لجنة مكافحة الإرهاب والاستخبارات في مجلس النواب الأميركي مسألة فضح برامج التجسس الأميركي. ودعا في بيان إلى تسليم إدوارد سنودن اللاجئ في هونغ كونغ إلى الحكومة الأميركية وشدد على «ضرورة ملاحقته بكل السبل القانونية».
وأعلنت جهزة الاستخبارات الأميركية، وخاصة وكالة الاستخبارات المركزية «سي أي إيه» (CIA) التي كان يعمل معها سنودن تلاحق «موظفها السابق» الذي سرب معلومات خطيرة عم تجسس وكالة الأمن الوطني «إن إس إيه» (NSA) على مستعملي شبكات أكبر شركات الإنترنت في أميركا وفي العالم.
وقد كشفت صحيفة «ذي غارديان» البريطانية أمس عن اسم الشاب البالغ التاسعة والعشرين من العمر والذي كان يعمل محللاً لدى شركة متعاقدة مع وكالة الأمن الوطني الأميركي والذي كان وراء تسريب المعلومات حول برنامج أميركي سري للمراقبة الإلكترونية .
وقال سنودن عبر «سكايب» مبرراً عمله إنه «أراد حماية الحرية الشخصية للأفراد»، وأكد أنه في «هونغ كونغ». وصرح في المقابلة مع صحيفة «ذي غارديان»: «لا أريد أن أعيش في مجتمع يرتكب مثل هذه الأفعال وفي عالم يتم فيه تسجيل كل ما أقوله وأفعله». وأضاف أنه مستعد «للتضحية بكل شيء». ونشرت «ذي غارديان» تسجيل فيديو لمقابلة على موقعها في الإنترنت حيث تحدث فيها مباشرة، ومن دون أن يغطي وجهه معلناً: «هدفي الوحيد كان اطلاع الناس على ما يرتكب باسمهم، وفي حقهم».
وسنودن هو ثاني شخص يقوم بتسريب أكبر كمية من المعلومات في تاريخ الولايات المتحدة بعد الجندي برادلي مانينغ الذي يحاكم أمام محكمة عسكرية لتسريبه عشرات آلاف الوثائق والبرقيات الدبلوماسية إلى موقع «ويكيليكس».
وأوضح سنودن للصحيفة البريطانية أنه لم يشأ أبداً إبقاء هويته سراً. وقال: «أدرك أن علي دفع ثمن أفعالي»، لكنني «سأكون راضياً عندما تنكشف القوانين السرية والسلطات المتزايدة للحكومات ولو للحظة واحدة». مضيفا للصحيفة أن «وكالة الأمن القومي تكذب باستمرار أمام الكونغرس حول نطاق المراقبة في الولايات المتحدة»، إشارة مباشرة إلى ردة فعل الرئيس الأميركي باراك حسين أوباما الذي قال إن «الأميركيين غير مستهدفين» في هذه العمليات. وأضاف سنودن: «نحن نجمع معلومات عن الاتصالات في الولايات المتحدة أكثر مما نقوم به في روسيا»، وتابع: «لا يمكنكم معرفة كل ما يمكنهم فعله ومدى قدراتهم مثير للرعب».
وأوضح أنه قرر كشف هذه البرامج أمام الإعلام بعد أن وصل إلى نتيجة أنها تشكل «استغلالاً» للناس باسم الأمن. كما أنه انتظر انتخاب باراك أوباما قبل التحرك على أمل أن يلتزم بوعوده بأن يحمي الشعب الأميركي بشكل أكبر من هذه الممارسات. إلا أن سنودن قال: إن «أوباما استمر على نهج أسلافه».
وقبل ثلاثة أسابيع، انفصل سنودن عن صديقته بعد أن كان يعيش حياة مريحة في هاواي وكان راتبه السنوي يبلغ 200 ألف دولار، للتوجه إلى هونغ كونغ قبل أن تنشر «ذي غارديان» و«واشنطن بوست» في نفس الوقت المعلومات التي سربها. وقال: إنه «مستعد للتضحية بكل ذلك لأن ضميري لا يسمح لي بأن أترك الحكومة الأميركية تدمر الحياة الخاصة وحرية استخدام الإنترنت والحريات الأساسية للأفراد في كل أنحاء العالم مع هذا النظام الهائل للمراقبة الذي تبنيه سرا».
ويتحدر سنودن من إليزابيث سيتي في ولاية كارولينا الشمالية وانتقلت عائلته بعد ذلك للإقامة في ماريلاند حيث مقر وكالة الأمن القومي الأميركية. وأقر سنودن بأنه لم يكن تلميذا مجتهدا وأنه لم ينه دراسته في المعلوماتية في جامعة ماريلاند.
وفي عام 2003 التحق بالقوات البرية وبدأ تدريبا للانضمام إلى القوات الخاصة مبررا خياره بالمبادئ نفسها التي استخدمها اليوم. وقال: «أردت أن أحارب في العراق للمساعدة على تحرير العراقيين من القمع» وبعد تعرضه لحادث أدى إلى إصابته بكسر في الساقين، ترك سنودن الجيش وعمل حارساً أمنياً في أحد المباني السرية لوكالة الأمن القومي في جامعة ماريلاند.
والتحق سنودن بعد ذلك بوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية حيث عمل في أمن الأنظمة المعلوماتية. ونظراً لمعلوماته حول الإنترنت وموهبته في البرمجة الإلكترونية، ترقى بسرعة حتى وجد نفسه في جنيف.
وكان سنودن يعمل منذ أربع سنوات لحساب وكالة الأمن القومي بصفة موظف لإحدى الشركات المتعاقدة معها من بينها «دل» و«بوس ألن هاملتون» الشركة الأخيرة التي عمل لديها. وفي نفس الوقت، أصدرت شركة «بوس ألن هاملتون» الاستشارية في واشنطن بيانا بأن سنودن كان يعمل معها، واشترك في عمل مع «إن إس إيه» حسب عقودات استشارية.
وأعرب سنودن عن أمله ألا تقوم هونغ كونغ بترحيله إلى الولايات المتحدة. وقال: إنه يعتزم طلب اللجوء من آيسلندا المعروفة بدعمها «للمدافعين عن الحرية في الإنترنت». وقال سكوت روبنسون، نائب رئيس الشؤون العامة في القنصلية الأميركية في هونغ كونغ لوكالة الصحافة الفرنسية: «ليس لدينا في الوقت الحالي أي شيء ضده». ورفض مكتب الأمن في هونغ كونغ، المسؤول عن الهجرة والشرطة والاستخبارات، التعليق حول الموضوع.
ومعلوم أن الولايات المتحدة وهونغ كونغ كانتا وقعتا على معاهدة تبادل المتهمين والمجرمين في عام 1996. لكن، كان ذلك قبل عودة المستعمرة البريطانية السابقة إلى سيطرة الصين. ولهذا، لن تكون سهلة أي محاولة أميركية لترحيل سنودن. كما أن الصين تملك حق عرقلة أي عملية تسليم سنودن للحكومة الأميركية، كما قالت المصادر الأميركية.
ووصف مدير وكالات الاستخبارات الأميركية «دي إن إيه» (DNA) جيمس كلابر، قال، في مقابلة تلفزيونية، إن تسريب مثل هذه الأسرار «يؤذي الأمن الوطني، ويؤذي جهودنا في الحرب ضد الإرهاب». وندد بما سماها «الأضرار» التي تسبب بها نشر هذه المعلومات حول برنامج التجسس على الإنترنت.
وكانت التسريبات التي حملها سنودن وسلمها لصحيفتي واشنطن بوست وغارديان كشفت عن وجود برنامجين عملاقين للتجسس: الأول: يجمع، منذ عام 2006، بيانات لاتصالات هاتفية في الولايات المتحدة عبر شركة «فريزون»، واحدة من أكبر شركات التليفون في الولايات المتحدة، وفي العالم، وعبر شركات تليفونات أخرى.
الثاني: اسمه «بريسم» (Prism) واسمه الحركي (US-984XN) ويرصد الاتصالات في الإنترنت لمستخدمين خارج الولايات المتحدة عبر تسع شركات إنترنت عملاقة، مثل «فيس بوك» و«غوغل» و«تويتر» و«يوتيوب» و«سكايب» و«أبل» و«أ.أو. إل» و«بالتانك» و«ميكرسوف» (AOL, Apple, Facebook, Google, Youtube, Microsoft Skype, Paltank et Yahoo)، ويعمل بموجب المادة ٧٠٢ من قانون (FISA) المراقبة والمتابعة خارج الحدود ( Foreign Intelligence Surveillance Act)، وقد كشفت مصادر أنه «قام بـ ١٨٥٦ عملية تنصت وملاحقة في هذه السنة بزيادة قدرها ٦ في المئة عن السنوات الماضية.
وانتقد كلابر التسريب، كشف معلومات مرتبطة بهذين البرنامجين. لكنه دافع عن شرعيتهما، وعن أهميتهما في مكافحة الإرهاب.
كما كشفت غارديان عن برنامج يدعى «بوندلس إنفورمانت» وهو عبارة عن برنامج يسمح لجهاز المخابرات الأميركية بمراقبة «كافة البلدان» وقد تبين أن هذا الجهاز التقت «فقط خلال شهر آذار/مارس من هذه السنة» ٩٧ مليار معلومة بينها ٣ مليار معلومة في أميركا.
من جهة أخرى، ندد غلين غرينوالد، الصحافي في صحيفة «غارديان» الذي كان حلقة الوصل مع سنودن، في مقابلة مع تلفزيون «إيه بي سي» الأميركي، بمحاولات «تخويف الصحافيين ومصادرهم». وقال: «كل مرة يكشف فيها أحد تجاوزات الأنظمة الحكومية تقوم حملة تهدف إلى تصويره على أنه خائن». وقال بارتون غيلمان، وهو صحافي في صحيفة «واشنطن بوست»، وكان اتصل مع سنودن تليفونيا: «يعرف تماما عواقب ما فعل».
وبعد ساعات من إعلان اسم سنودن، ظهرت صفحة في موقع البيت الأبيض عبارة عن عريضة ليوقع عليها الناس، وتطلب من الرئيس باراك أوباما إصدار عفو عن سنودن ووصل عدد الموقعين إلى ١١ ألف بعد ساعات من نشرها، وحسب قوانين البيت الأبيض، لا ينظر فيها إلا إذا وصل عدد الموقعين إلى مائة ألف شخص، خلال شهر من وضعها في موقع البيت الأبيض.
وجاء في العريضة: «ليس إدوارد سنودن إلا بطلا وطنيا. وندعو إلى إصدار عفو سريع، وكامل، وحر، ومن دون شروط عنه». وتبدأ العريضة بعبارة «نحن الشعب»، إشارة إلى العبارة التي تبدأ بها ديباجة الدستور الأميركي.
ومن ناحية أخرى، أعلن تحالف نجوم ومشاهير يضم محافظين وليبراليين، أن سنودن يجب ألا يعاقب. وأصدر التحالف بيانا عن ذلك. وعلى رأس الموقعين عليه: المخرج السينمائي مايكل مور، الذي أخرج أفلاما تنتقد الرئيس السابق بوش الابن، وغلين بيك، صاحب برنامج يميني في التلفزيون. وكتب بيك في صفحته في موقع «تويتر»: «فقط الآن قرأت عن الرجل الذي ظللت أنتظره كل حياتي. البطل الحقيقي».
وكتب مور: «بطل العام، إدوارد سنودن كشف تجسس حكومتنا علينا».