انتابت حالة من الدهشة دبلوماسيين غربيين بعد أن تخلى المجلس الوطني الانتقالي في ليبيا عن بعض الشخصيات التي كان الدبلوماسيون يتوقعون انضمامها إلى الحكومة، ليختار عوضاً عن ذلك أسماء مغمورة نسبياً. ويكمن التفسير في التوترات التي تحاصر زعماء البلاد الجدد، في الوقت الذي يحاولون فيه إعادة بناء ليبيا بعد حكم الزعيم الراحل معمر القذافي الذي استمر 42 عاماً.
ويبدو أن تشكيل الحكومة، التي ستدير البلاد حتى إجراء الانتخابات، وضع في الاعتبار استرضاء الجماعات المتناحرة من شتى المناطق، والتي تتنافس على نصيب من السلطة منذ الإطاحة بالقذافي. ولخص رئيس الوزراء الليبي المكلف عبد الرحيم الكيب، المنهج عند إعلان تشكيل الحكومة في مؤتمر صحافي قائلاً “إن ليبيا كلها ممثلة”.
وتروي الطريقة التي اختير بها أعضاء الحكومة قصة الصعوبات المحيطة بعقد مصالحة بين المصالح المتنافسة. فمصادر في المجلس الوطني الانتقالي قالت إنه بعد الاتفاق على تشكيلة الحكومة أعيد النظر فيها مرة أخرى بعد معارضة بعض الأعضاء. واستبعدت التشكيلة النهائية مسؤولين محنكين كان دبلوماسيون وبعض المسؤولين الليبيين واثقين من انضمامهم للحكومة، لتحل محلهم شخصيات مغمورة نسبياً.
ومن أبرز الأمثلة على هذا اعلان الكيب أن عاشور بن خيال، الذي لا تتوفر عنه معلومات كثيرة باستثناء أنه دبلوماسي من درنة في شرق ليبيا، سيشغل منصب وزير الخارجية، ليستبعد بذلك ابراهيم دباشي، الدبلوماسي المحنك ونائب مندوب ليبيا في الأمم المتحدة، الذي كان قد تم الاتفاق على تعيينه وزيراً للخارجية في وقتٍ سابق.
ومن بين التنازلات الأخرى الواضحة من أجل المصالح الإقليمية، تعيين أسامة الجويلي، قائد المجلس العسكري ببلدة الزنتان في الجبل الغربي، وزيراً للدفاع.
ولعبت الزنتان دوراً مهماً لأن مقاتليها قادوا التقدم صوب العاصمة طرابلس في آب/ اغسطس، الذي أسقط القذافي، لكن اسم الجويلي لم يكن مطروحاً إلى أن نجحت الوحدات التي يقودها في اعتقال نجل القذافي سيف الإسلام، مطلع هذا الأسبوع. وسينظر الى تعيين الجويلي على أنه يسدد ضربة لعبد الحكيم بلحاج، وهو إسلامي متشدد سابق، يشغل الآن منصب رئيس المجلس العسكري في طرابلس، كان يتنافس للحصول على منصب وزير الدفاع.
اما وزير الداخلية الجديد فواز عبد العال فهو من مصراتة، وهي مركز قوة إقليمي آخر، ولعب مقاتلوها دوراً محورياً في الحركة المناهضة للقذافي.
ومن المرجح أن تقبل الحكومات الغربية، التي ساندت المجلس الوطني بقوة، التنازل عن اختيار أكفأ المرشحين لصالح الحفاظ على الهدوء بين الفصائل المتناحرة.
كما سيشعر الغربيون بالاطمئنان لأن الإسلاميين، الذين كانوا مضطهدين في عهد القذافي ونشطوا من جديد بعد الإطاحة به، لم يحصلوا على المناصب التي كانوا يتطلعون إليها، خصوصاً وزارة الدفاع.
وعلى الرغم من فشل بلحاج في الوصول إلى منصب وزاري، يرى البعض أن هذه الانتكاسة، على الأرجح، مؤقتة. ويقول محللون إن الشخصيات، صاحبة اكبر ثقل سياسي في ليبيا ومن بينها بلحاج، تعمدت الابتعاد عن الحكومة الانتقالية، لأنها تستهدف الفوز في الانتخابات المقرر إجراؤها في غضون ثمانية اشهر.