«حزب الله» والتوتر في المنطقة (تحليل رويترز)
يعتبر اللبنانيون منذ زمن طويل حزب الله دولة داخل الدولة.. لكن عندما وجدوه يشارك في عملية عسكرية في سوريا ويتبع ممارسات عنيفة في شوارع بيروت أصبحوا يشعرون بأنهم أسرى لأهداف إقليمية تسعى الجماعة لتحقيقها.
فبعد دقائق من وصول متظاهرين عزل إلى السفارة الإيرانية في بيروت يوم الأحد احتجاجا على دعم إيران وحزب الله للنظام السوري طوق مقاتلون من جماعة حزب الله المبنى وأوسعوا المحتجين ضربا بالعصي وأطلقوا الأعيرة الحية مما أسفر عن سقوط قتيل.
هذه المظاهرة الصغيرة التي نظمها حشد مناهض لحزب الله أظهرت أن هذه الجماعة التي تسلحها إيران وتمولها ليست مستعدة للتغاضي عن أي تهديد مهما كان حجمه.
يأتي هذا بعد أن زاد حزب الله بشدة من انخراطه في الصراع السوري الدائر منذ عامين وساعد قوات موالية للرئيس بشار الأسد على استرداد بلدة القصير الحدوية.
وربما يكون انخراط حزب الله في الحرب السورية قد حول الحرب إلى صراع طائفي يحارب فيه الأسد وطائفته العلوية معارضين أغلبهم من السنة ومنهم مقاتلون من تنظيم القاعدة يحاربون تحت لواء جبهة النصرة.
كما احتشدت قوى غربية وتركيا وراء مقاتلي المعارضة رغم قلقها إزاء وجود متشددين إسلاميين بين صفوفهم في حين سلحت روسيا الأسد وقدمت له الدعم الدبلوماسي.
وبعد أن رجحت كفة نظام الأسد وحزب الله في المعركة تتأهب القوات السورية لاستعادة حلب التي ربما تكون نقطة حاسمة في الحرب التي أسفرت عن مقتل 80 ألفا وأجبرت 1.6 مليون على الفرار من البلاد.
ويأتي التحرك إلى جبهة في شمال البلاد في وقت تؤثر فيه الحرب السورية بشكل متزايد على دول الجوار -العراق ولبنان والأردن واسرائيل- وتوسع الصراع الطائفي بين السنة والشيعة بالمنطقة.
قال سياسي قريب من حزب الله “أصبحت سوريا ساحة معركة مفتوحة للقوى الإقليمية والدولية. إنها ساحة مفتوحة لكل من يريد القتال.”
وللمرة الأولى منذ تفجر الانتفاضة في مارس اذار 2011 قال وزير إسرائيلي يوم الاثنين إن حكومة الأسد “ربما لا تبقى فحسب بل وقد تستعيد أيضا أراضي” من مقاتلي المعارضة في تصريح أظهر الصعوبات التي تواجه الغرب في توقع مصير سوريا وتقييم مسألة التدخل في الصراع.
وقال مسؤول أمريكي إن واشنطن ربما تقرر هذا الأسبوع ما إذا كانت ستبدأ في تسليح مقاتلي المعارضة بعد التقدم الذي أحرزه الأسد وبعد تدخل حزب الله.
فالتغير الذي طرأ على الساحة هو تدخل حزب الله للقتال إلى جانب الأسد في حين جعلت جبهة النصرة سوريا نقطة جذب لمقاتلين اجانب سواء من السنة أو الشيعة.
وقال مسؤول غربي “لنضع الدعاية التي نراها من حزب الله جانبا.. الهجوم الذي يجري الإعداد له حول حلب مصدر قلق سواء في واشنطن او باريس أو الرياض.”
وأضاف “يمكن أن تكون هناك كل أشكال السجال السياسي في العالم لكن أهم عنصر هو توازن القوى على الأرض. وهذا التوازن يتغير.”
ومضى يقول “علينا أن ندرس المخاطر… إذا سلحنا المعارضة فهناك احتمال أن تسقط (الأسلحة) في الأيدي الخطأ وإذا لم نفعل فقد يقتل آلاف آخرون ويصبح حزب الله في مواجهة النصرة.. أي الخيارين أسوأ؟”
هذا التغير في ميزان القوى يقلل من احتمالات تمكن مؤتمر السلام الذي كانت الولايات المتحدة وروسيا تعتزمان عقده في يوليو تموز بين المعارضة السورية والحكومة من الوصول إلى اتفاق على عملية تحول سياسي لتنحية الأسد من السلطة.
ومثل هذه التغييرات في السياسة الغربية تجاه سوريا إلى جانب التطورات التي تحدث على ساحة المعركة تضع لبنان في مأزق كبير.
ففي بلد ما زال يتعافى من آثار حرب أهلية دامت 15 عاما كان مشهد مقاتلي حزب الله وهم يحتفلون بسقوط القصير أو إطلاقهم النار على محتجين مثار خوف الكثير من اللبنانيين.
وزاد قتل المحتج في بيروت يوم الأحد من قائمة الاعتراضات على حزب الله بين اللبنانيين الذين كانوا يعتبرونه يوما رمزا للمقاومة يعلو على السياسات الداخلية.
قال فواز جرجس أستاذ سياسات الشرق الأوسط في كلية لندن للاقتصاد “ما نراه خطير جدا. اشتباكات مسلحة.. ضعف الدولة.. قتل محتج. إنها حرب محدودة النطاق.”
وقال الكاتب اللبناني سركيس نعوم إن هناك بالفعل دولة داخل الدولة وإن ما حدث يظهر أنه إذا واجه حزب الله أي تحد فسيخرج إلى الشارع.
وأضاف أن حزب الله قمع الاحتجاج حتى لا يتكرر في مكان آخر.
وتوالت التعليقات الغاضبة على وسائل التواصل الاجتماعي ونشرت صور للمحتج القتيل هاشم سلمان وهو شاب شيعي من فصيل معارض لحزب الله.
كما نشرت صور لمقاتلي حزب الله وهم يهاجمون الحشد مع تعليق يتهم حزب الله بالفاشية.
وقال جرجس “خسر حزب الله الكثير بالفعل على الأرض.. ليس عسكريا.. لكن حين تفقد الدعم الشعبي بين المستقلين وبين الأغلبية الصامتة.. فإنك تخسر. سيلاحقه هذا في النهاية لأنه لم يكن هناك خطر أمني.”
وتمثل مشاركة حزب الله في معركة القصير نقطة تحول بالنسبة للجماعة التي شكلتها إيران في دمشق عام 1982 بهدف محاربة اسرائيل بعد غزوه لبنان.
قادت جماعة حزب الله صعود الشيعة في لبنان ليصبحوا أقوى فصيل في البلاد وأجبرت اسرائيل على إنهاء احتلال دام 20 عاما لجنوب لبنان وشكلت جبهة عسكرية مع سوريا وإيران في مواجهة اسرائيل والولايات المتحدة.
أما الآن فإن الكثير من اللبنانيين يعتبرون دعم الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله للرئيس السوري في الانتفاضة التي يقودها السنة من الحسابات الخاطئة التي ستستدرج لبنان إلى مستنقع الصراع السوري وتصعد القتال في لبنان وتعمق الانقسامات الطائفية بين السنة والشيعة في المنطقة.
قال جرجس “الانقسام الداخلي بين الشيعة والسنة عميق وواسع كالصدع بين العرب والاسرائيليين وتلك التصريحات تكشف الكثير عن العواصف العنيفة والخطيرة التي تختمر في الاراضي العربية.”
وأيا كانت التطورات التي ستحدث.. فإن مكانة نصر الله في المنطقة قد اهتزت. كان ينظر له دوما على انه بطل عربي تصدى لاسرائيل وكان الشيعة يوقرونه باعتباره الرجل الذي صعد بطائفتهم إلى قمة السياسة اللبنانية.. لكن بات البعض يصوره الآن على أنه حامي الاستبداد في سوريا ومندوب المؤسسة الدينية الحاكمة في إيران.
وحزب الله مدرج بالفعل في القائمة الأمريكية للمنظمات الإرهابية لمهاجمته أهدافا إسرائيلية وأمريكية وهو يواجه الآن عقوبات من قوى غربية. وتغير الرأي العام العربي وبات يعتبر حزب الله فرعا للحرس الثوري الإيراني ويرى أنه يكترث بالمصالح الإيرانية أكثر من اكتراثه بمصالح لبنان.
وتعهدت دول خليجية عربية بفرض عقوبات على أعضاء حزب الله العاملين في الخليج.
وفي حين يقول حزب الله إنه يسعى لحفظ السلام داخل لبنان فإن تدخله في سوريا سيزيد من الضغوط التي تهدد بانهيار الدولة الهشة وتحد من قدرتها على احتواء خطر الجماعات السنية المتطرفة.
ومن الممكن ان يجبر احتمال انتقام السنة حزب الله على السيطرة بشكل أكبر على الأرض. كما أن تدخله في سوريا ربما يشعل حربا أخرى مع اسرائيل التي قصفت ثلاث مرات هذا العام ما وصفته مصادر أمنية بأنه قوافل لنقل صواريخ إيرانية عبر سوريا إلى حزب الله.
ويقول حزب الله إنه لن يتم استدراجه إلى حرب طائفية شاملة في لبنان الذي أصبح فيه أقوى فصيل.
كما أن خصوم حزب الله ليسوا مستعدين أو قادرين على خوض معارك معه في شوارع بيروت. وتقول مصادر امنية إن الخطر يمكن أن يأتي من جماعات تابعة للقاعدة في شمال لبنان وجنوبه قد تنتقم من حزب الله بهجمات انتحارية.
وعلى الصعيد السياسي تسببت الحرب في سوريا والخصومة بين الطرف الموالي للأسد والطرف المعارض له داخل لبنان في منع بيروت من تشكيل حكومة جديدة.
وقال جرجس “هناك فراغ خطير في السلطة. الجيش وقوات الامن اللبنانية تعاني ضغطا هائلا في طرابلس وشرق البقاع وأماكن اخرى. وفي ظل هذا الوضع ظهر حزب الله كقوة مهيمنة وكصاحب سطوة سياسية له قوة عسكرية وقاعدة سلطة.”
وقال السياسي الموالي لحزب الله إن الحزب لا يعتزم قبول أي حل وسط. وقال “حزب الله ليس لديه خط أحمر.. سيتجاوز أي خط وينطلق للشوارع عندما يشعر أنه في خطر.” وأضاف أن الساسة يمكن أن “يذهبوا إلى أقصى الأرض لكنهم لن يتمكنوا من تشكيل حكومة دون موافقته.”