ياسين بقوش: تحية الى روح فنان من الزمن الجميل
بيروت ــ علي مرتضى
في هوليوود، يكرم العالم فنانيه الكبار ويصنع لهم التماثيل ويسلمهم الجوائز في حياتهم ويخلد ذكراهم بعد مماتهم أما في سوريا اليوم فيلقى الفنان مصيراً آخر ربما كان أسهاه القتل.
لم يذهب الفنان القدير الذي طالما أضحك أجيالاً من متابعي الكوميديا السورية، بل العربية، من دون أن يترك آثاراً تدل عليه. فياسين بقوش بن عبد القادر، الذي غادنا في ظروف صعبة تمر فيها سوريا، لم يكن ينتظر أن يكون القتل مكافأته لقاء إضحاك الناس وإزلة الهم والغم عن قلوبهم على مدى نصف قرن من الزمن.
أحد مؤسسي الكوميديا العربية في بداية الستينات، هو سوري الجنسية ذو أصول ليبية، ولد عام 1938 في دمشق.
لقد ترك الفنان الشهيد خلفه سلسلة من الأعمال الجميلة على مستوى المهنة، فيما خلّف على مستوى العائلة 11 ولداً أكبرهم هيثم مهندس مدني وأصغرهم نهاد (تيمننا بالفنان نهاد قلعي الذي شاركه معظم أعماله).
لن يكون مجدياً التعريف بتاريخ «ياسينو»، لكن ما لا يعرفه كثيرون أن انطلاقته بدأت في ستينيات القرن الماضي مع أقطاب الجيل المؤسس للكوميديا السورية أمثال: دريد لحام ورفيق سبيعي وناجي جبر ونهاد قلعي وغيرهم.
قدم عشرات الأعمال التلفزيونية السينمائية الكوميدية، حيث اشتهر بشخصية «ياسينو» على الشاشة الفضية.
وفي السنوات الأخيرة شارك بقوش في عدد من الأعمال الكوميدية والتاريخية ومنها ما اعتمد عليه كممثل رئيسي مثل «ياسين تورز» و«ياسين في المطبخ» وشارك بدور حاخام يهودي في المسلسل التاريخي «سيف بن ذي يزن».
كما شارك في بطولة مسرحيات كوميدية على مسارح العاصمة دمشق.
كان ياسين فناناً يسير ويتصرف على فطرته، أدواره كانت ساذجة، لكن تمثيله في بدايته كان يبدو فيه التصنع، بعيداً عن التلقائية. وهذا ربما راجع لبداية الفن السوري آنذاك ،حيث كان يقدم شخصيات شعبية، تستدرجك للضحك بسبب المواقف و التباين الجسدي والخلقي فيه، فقد كان شخصيته فريدة لدور كوميدي مضحك.
كان “ياسينو” إحدى تلك الشخصيات التي ما تزال الذاكرة العربية القديمة تستحضرها.
انزوى ياسين بقوش الذي سجن نفسه في دور “الأجدب” والمغلوب على أمره، والمضطهد من قبل “غوار”، “وفطوم حيص بيص”، لذا لم يلتفت له المنتجون الجدد، ولعل أفضل أدواره كان دور مشغل سينما.
في إحدى مقابلاته يقول بقوش: «أطلقت شخصية «ياسينو» على الدور وهي تبتعد عن اسمي «ياسين» ولقبي بقوش الحقيقي، وكان جدي أبو والدي ليبي الأصل من منطقة زوارة ولاستقراره في دمشق قصة تاريخية، ففي فترة الحج مرض جدي وتركه رفاقه في مكة المكرمة وعندما شفي جاء من مكة إلى الشام وبقي فيها ولم يتابع السفر بسبب المشقة، حيث كانت وسيلة النقل هي البغال والجمال، فتزوج من الشام وأنجب والدي، ولم اعرف أن جذورنا من ليبيا إلاّ بعد أن أصبحت مشاهداً في التلفزيون الليبي، إذ راسلتني عمة لي «شقيقة والدي» من زوجة جدي الليبية، وجاءت في عام 1976 وتعرفت علينا وعرفت أننا من منطقة «زوارة» على الحدود بين تونس و ليبيا”.
وعن اسم عائلته يشرح الفنان الشهيد “عرفت أن اسم بقوش جاء من البقاش وهي كلمة بربرية تعني «الكذاب»، وعلى أية حال، «شخصية ياسينو» لم تزعجني، بل حمتني من الغوغاء الذين إذا نادوني في الشارع بـ«ياسينو» فلن أغضب، فهذا اسمي وكلنا يتذكر ما حصل للراحل نهاد قلعي عندما نادوه «بورظان» فانزعج وقاموا بضربه بالكراسي وشُلّ الرجل، اما شخصية «ياسينو فهي محببة لدى الجمهور».
اشتهر بقوش بشخصيته الكوميدية المحبوبة وبأعماله مع الفنان دريد لحام وهو الشريك الأساسي له بدور ياسين وهي شخصية الإنسان البسيط الساذج.
“ملح وسكر”، و”صح النوم”، اثنان من أبرز أعمال الراحل، ومن أبرز ما قدمت الدراما السورية في حقبتها الأولى. في هذه الأعمال كرست “كاراكترات” سورية خالدة، مثل “أبو عنتر” و”أبو كلبشة” و”ياسينو” صبي المقهى الساذج. هذه الشخصية الأخيرة التي أداها بقوش باسمه الحقيقي، وعاد ليبني عليها أعمالا كاملة منها “ياسين في المطبخ” و”ياسين تورز”، شارك إلى جانبها في العديد من الأعمال السينمائية خلال فترة انتعاش القطاع الخاص، الذي غاب لاحقاً في ظل سطوة الدولة على الإنتاج السينمائي وتحويله إلى مكان آخر لتوزيع المكافآت.
انتهت الحياة بياسين بقوش عن عمر يناهز 75 عاماً، قتيلاً في ظروف دموية تمر فيها سوريا. وقد منحه الرئيس السوري بشار الأسد، وسام الاستحقاق السوري من الدرجة الممتازة، بعد أسبوعين من مصرعه في 24 شباط 2013 إثر تعرض سيارته لقذيفة “آر بي جي” أثناء مروره في حي العسالي في مخيم اليرموك حيث كان يقيم في دمشق. و تمكن الاهالي من إخراج جثمانه من سيارته التي احترقت بالكامل، فانتهى بذلك دور “الأجدب” الذي أضحك جمهوره فمات مظلوماً محترقاً.