بعد القصير: نابليون ضد بونابارت
روبير بشعلاني
الحرب في سوريا هي أيضاً حرب إعلامية بامتياز. ولنعترف أن غباء الإعلام الخليجي والناتوي فيها موضوعياً كبير.
كبير الى حد جعل المواطن العربي يشكك حتى بمعلوماتهم الصحيحة, لا بل صار يميل الى تصديق الإعلام المضاد حتى بشكله البروباغاندي الدعائي.
الإستفاقة “المتفاجئة” على “حرب الطوائف” لا تشذ عن هذا الغباء. فاكتشاف الطائفية من قبل هذا الإعلام فجأة والتركيز عليها شبيه اكتشاف الماء الباردة قبل الساخنة. كما لو ان معركة القصير ومشاركة حزب الله فيها هو الذي “خلق” الطائفية من عدم وايقظ فتنة كان, وكما نعلم جميعنا, الملك الوهابي, محاطاً بكامل طاقمه الإنساني, يسعى بكل طاقته لتنويمها بانتظار تذويبها نهائياً.
التركيز على “الإكتشاف” العلمي الثوري الجديد لا يستحق بالحقيقة الإهتمام ولا التوقف عنده. فليس من جديد في هذا المجال غير انخراط حزب الله في المعركة وهو غير مسؤول عن طابع المعركة ولا عن طائفيتها كما لو أنه هو الذي خلقها. واذا كانت الحملة الإعلامية الخليجية المدفوعة الثمن سلفاً, والتي انخرط فيها عدد من الصحافيين المشهورين , منهم من يحمل عامودا ومنهم من ينتظر, تريد أن تحمّل “الشيعة” مسؤولية إيقاظ “الفتنة” الطائفية بهدف تهييج “السنّة” واستخدامهم في الحرب لتخويف حزب الله ودفعه للتراجع, حملة ساذجة لأنها لا تقدم ولا تؤخر بالوقائع على الأرض فإنها من الغباء بحيث لا يمكن أن تؤثر على أطرافها الفاعلين.
وحده الإعلام الذكي يستطيع ان يربك وخصوصاً عندما لا يتظاهر باكتشاف الطائفية والطوائف بل يعمل بواقعية على الإنطلاق منها ومن حقائقها الفعلية لتحليل موازين القوى واستشراف الآفاق المقبلة والتوقعات.
أذكاه هو الإعلام الذي ركز حملته اليوم على حزب الله داعيا إياه, “بكل محبة”, الى التراجع سريعا محذرا من مغبة حرب أقلوية فاشلة سلفاً ضد “الأكثرية”.
أقول أذكاه لتناوله “مواداً” إجتماعية صحيحة من حيث المبدأ عكس جماعة اليسار شلح المغيّم في سماء الحرية و”الشعب” على الطريقة الاورمركزية وهو لعماه ليس يمكنه التمييز بين تاريخ اوروبا وتاريخ المشرق وبين معارك الحرية ومرامي الغرب منها, بين الشعب وبين 70 أمة غربية منخرطة بهذا الشعب.
مصلحة “شيعة لبنان” ليست في استعداء محيط واسع وطائفي أكثري قد يوقظ المارد الذي ينام في القمقم بحسب هذا الإعلام الذكي. الأقلوي لا يلعب أدواراً “نابوليونية” عادة فهي تتجاوز حجمه. هذا الطرح يفترض أن حزب الله يمثل طائفة لبنانية أو هكذا يجب أن يكون.وأن الحرب في سوريا سورية. وأن الأكثرية طائفة ناجزة, كما يفترض أن الحزب هو الذي يقود الحملة “النابوليونية” لا الغرب الناهب.
لكن عندما نعرف ان الغرب الناهب هو الذي يقود “الحملة البونابارتية” على المنطقة كما تدل أدواته الخليجية وإ علامها وإصراره على”الحرية” وتدخله المباشر وغير المباشر, فإن حزب الله, رغم المظاهر, ورغم ” ذهابه” الى القصير, لا يفعل غير المقاومة. فهو بتدخله لم يقم بالتعدي على الأراضي الأميركية لكي يحتلها, يضمّها, ويقيم دولته هناك على ما أعلم. ردود الفعل الغربية( فرنسا وبريطانيا واميركا ) الحادة على خسارتهم القصير,وكأن القصير مدينة تقع على نهر السين أو التايمز, أبلغ دليل. وعليه وبما أن الحرب في سوريا ليست سورية أو داخلية قط, فإن “الأقلوي” لم “يذهب” لكي يرجع بل هو “بقي” في أرضه.
الوهم الآخر الذي يجب ان يسقط والى الأبد هو استمرار الإعتقاد بطائفية حزب الله انطلاقا من جذوره وولادته في بيئة شيعية لبنانية. فحزب الله لم يكن يوما ممثلا للطائفة الشيعية في لبنان, بالمعنى اللبناني للتمثيل, أو بالأحرى لم يقم بما من شأنه ان يقود الى ذلك . بل هو تأرجح بين بداية حزبية كونية عقائدية إسلاموية, خاصة بالشيعة كمذهب, وبين حركة تحرر تمتد الى مشروع الدولة الوطنية المستقلة الايرانية وصولاً الى طروحات حالية قومية عربية غير واضحة تماماً بعدُ أو لنقل انها في طريق التبلور. لكن المؤكد أنه لم يطمح يوماً لأن يكون حركة “أمل” مثلاً بما تعنيه من تمثيلية شيعية لبنانية صرفة واهداف تحاصص ل”الملك” اللبناني.
بالطبع لو كانت اهداف وطبيعة تدخل حزب الله في سوريا “أهلية” أو طائفية لما كان يمكنه, ب”مليون ونصف شيعي لبناني” أن يسجل انتصاراً بالمعنى العميق على أكثرية عددية واضحة. لو كان فعلاً هكذا لما كان يمكنه تجنب مواجهة حركة آلية معاكسة للأكثرية تدفع بها إلى التكون والإرتقاء الى مصاف الطائفة.
فحتى إشعار آخر الأكثرية في بلاد الشام ليست طائفة بالمعنى الاجتماعي,كما يُظن, ولا يمكن أن تشكل وحدة متجانسة. وهي ليست “الشعب” كما يشاع من قبل العظميين. هي مجموعة أعيان مناطقية وعائلات موسعة غنية لا يمكن ان تذوب أو تنتحر لمصلحة طائفة قرابية موحدة. من هنا خسارتها للملك في ستينات القرن الماضي بعد سلسلة من الانقلابات العائلية جرت بين عائلاتها وبين أعيانها وفي صفوف أكثريتها ذاتها. من هنا مثلا أسباب تشرذم المعارضة موضوعياً وعجزها عن التوحد اليوم ومن هنا تحلق الجسم السني الرئيس الواسع حول النظام في سوريا .
ومن هنا “حاجتها”, المعارضات, لرئة الخارج تركياً كان ام حمديا أم بندرياً أم فابيوسياً أم أوباماوياً. ومن تشوّق كل طرف فيها لتقديم “افضل خدمة” تنافسية ممكنة للخارج لعله يصطفيه هو بعد “سقوط” النظام المأمول. هؤلاء الأعيان الذين يعرفون بالسليقة أنهم عاجزون عن إسقاط النظام بقواهم المبعثرة إجتماعياً قبل تبعثرها السياسي والعسكري يعرفون أن عملية الإسقاط لن تحصل إلا من الخارج وان الإصطفاء, اصطفاء الحكام الجدد, لن يكون إلا من قبل الخارج هذا ذاته. فمن هنا بقاءهم بالقرب منه لا على أرض الصراع.
ومن هنا “السياحة” في فنادق الغرب وتركيا وعدم الرجوع الى المناطق “المحررة” والتي ناهزت بحسبهم ال60 بالمئة من سوريا.. الطائفة تنتج منهجياً وبالعادة زعيماً أكثرياً يتحدث بإسمها فأين هذا الزعيم في “الأكثرية” السورية ؟ أليس غيابه دليلا على عدم وجود الطائفة كجسم إجتماعي ؟ وما هو قانون في سوريا هو قانون ايضاً في لبنان. سنّة لبنان ليسوا, هم ايضاً, طائفة.
أن تكون أكثرية البيئة سنّية لا يعني بالضرورة توحدها حول معركة إسقاط سوريا من قبل “بونابارت” العصور الجديدة. استعمال “المواد الأولية” الصحيحة إجتماعياً لا يعني الاستسهال والتبسيط وأخذ “القادوميات” التحليلية.فبين العائلة والعشيرة والقبيلة ونشوء الطائفة بون شاسع لا يمكن القفز فوقه بهذه السهولة.
الأكثرية الدينية أوالمذهبية شيء والطائفة شيء آخر تماماً. الأولى كنيسة ودين وعقائد سماوية أما الثانية فعمران بشري واجتماع وسياسة واقتصاد وفكر مجتمعين. وجود الأولى لا يعني المرور بالضرورة الى الثانية. لذلك شروط متعددة وتاريخية. أما محاولات أهل الوهابية الخليجيين وصراخهم وعويلهم المستميت ومنذ سنين عدة استثارة نعرة طائفية سنّية في بلاد الشام وغيرها فمآلها الفشل الذريع كما نرى بأم العين. المال الخارجي وحده لا يخلق نعرة. المسألة أعقد من ذلك بكثير
حزب الله إذن لم يذهب ك”شيعة لبنان” الى سوريا لكي يأخذ الملك من درب “سنة سوريا ” ( “حق الشعب السوري في الحرية”) أو لدعم مستبد ضد “شعبه”, بل ذهب كحركة تحرر وطني عربية لينضم الى جميع القوى الاجتماعية المشرقية بما فيها أغلبية سنّة حلب ودمشق وحمص وكل المشرق ( هذا معطى معروف لدى اهل اوباما نفسه) المقتنعين بضرورة مواجهة “الحملة البونابارتية” الجديدة ومحور الناتو وأدواته التكفيرية الخليجية المتخلفة عقليا وجسديا .
حزب الله لا يقامر بشيعته اللبنانيين بل قل أن وجودهم وغصبا عنهم مستهدف لمجرد كونهم شيعة متصلين شئنا أم أبينا, بهذا الشكل أم ذاك, بمشروع الدولة المستقلة الإيرانية.وهم في هذا المضمار مثلهم مثل اي سنّي “مقامر” يريد الحرية والإستقلال وفك التبعية وتحرير فلسطين. وهم مستهدفون لا من السنّة بل من الغرب الناهب الذي لم يرُق له يوماً ان يقوم اي طرف في منطقتنا بمشروع مستقل عنه. والشواهد كثيرة.
“ذهب” حزب الله لأنه لو لم يذهب لما كان تغيّر شيء ليس فقط في “طبيعة” القوى المتصارعة, فهي هي ذهب أم لم يذهب, بل في معادلات القوى وموازينها, وخصوصاً في عدم “إنتظارها” سلبياً كأنها غير موجودة. مقاومة حزب الله في سوريا, حلبة الصراع اليوم مع الناهب الدولي, لم تأخذ شرعيتها من “تفويض شيعي” لبناني بل من تفويض عربي وإيراني تحرري النزعة ومن تحالف دولي كبير لكل طرف مصلحته فيه.
سياسة النعامة التي تدفن رأسها بالرمل لم تغش يوماً إلا صاحبها. ما يعرضه الإعلام الذكي هنا لا يتعدى إلإستسلام بإسم الواقعية والأقلوية الصغيرة في “محيط أكثري”, وتجاوز “التفويض”.
يا سيد عبدالله يا آدمي قتال حزب الله في سوريا استفزّ الأمة السنيّة في كل مكان. عجبا من هذه الأمة السنّيّة كيف لا يستفزها الإحتلال الأميركي لأفغانستان والعراق واعتداءات الطائرات بدون طيارعلى الآمنين في اليمن وباكستان والصومال بدون أن نتكلّم عن الدعم الأمريكي المطلق للكيان الصهيوني مغتصب فلسطين بأرضها وشعبها. ممكن أن تقول لي أين مشاعر الأمة السنيّة؟؟ اللي استحوا ماتوا
تاريخ نشر التعليق: 2013/11/17حزب الله طائفي والى النخاع ولم يعديخفى على احد تبعيته لايران ومشروعها الصفوي في البلاد الاسلامية عامة والعربية على وجه الخصوص وارتباطه بولي الفقيه في ايران جاء على لسان امين الحزب حسن نصر الله في اكثر من خطاب وليس صحيحا ان الحزب ذهب الى سوريا ليدافع عن الامة العربية او الاسلامية بل بالتحديد ليدافع عن المشروع الايراني الصفوي في المنطقة ونجدة لحليف ايران بشار الاسد ضد شعبه الثأير عليه و للاسف فان حزب الله بتصرفه هذا استفز الامة السنية في كل مكان وسوف يكون لهذا ردة فعل لايعلم خطرها الا الله.
تاريخ نشر التعليق: 2013/06/20اُكتب تعليقك (Your comment):