الغرب يحضر لحرب إقليمية شاملة
نقطة على السطر
بسّام الطيارة
وأخيراً تحرك باراك حسين أوباما. وأخيراً قررت واشنطن «تسليح» المعارضة السورية بأسلحة «غير قاتلة» تماماً كما قرر الاتحاد الأوروبي رفع حظر (مؤجلٍ) عن مد المعارضة بالسلاح. هذا التشابه في خطوات الغرب الداعم للثوار السوريين، وبشكل خاص الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، أي الثلاثي الذي يسمى اليوم «مجلس إدارة العالم»، يرتكز على عدد من البديهيات التي يتجاوزها الإعلام الغربي ليشدد على بعض المعالم الألسنية مثل «تجاوز الخط الأحمر».
ما يبدو تردداً من قبل القوى الغربية المؤثرة يرتكز في الواقع العملي على سياق خطة عمل لا يحيد عنها الغرب منذ عقود، وتعود إلى محاكاة «ردات فعل القوى الكولونيالية» التي تنتهي بعمل عسكري. وكان هذا سمة الحملات الفرنسية والبريطانية قبل أن تلحق بهما الولايات المتحدة.
تقوم خطط العمل العسكري هذه على عامل مهم هو «كسب الوقت للاستعداد». يكفي مراجعة التاريخ لنرى أن تلك القوى الغربية نادراً ما «كان لها ردة فعل عسكرية عاجلة». وكل الفترات التي تسبق «لحظة إطلاق النار» تبدو وكأنها مراحل تفاوض أو فترات تردد، إلا أن الوقائع التاريخية أثبتت دائماً أنها فترات تحضير للعمل عسكري. أمثلة عديدة بارزة أمام أعين التاريخ في العقود الثلاثة الأخيرة: حرب تحرير الكويت وحرب كوسوفو ثم حرب العراق الثانية وقبل أقل من سنة الحرب الليبية. في كل مرة سبق اندلاع الهجوم «ما يبدو تردداً أو تفاوض ودعوات إلى حل سياسي».
يذكر الجميع لقاء طارق عزيز وجيمس بيكر في جنيف (جنيف أيضاً وأيضاً) بعد عقدين كشف الأرشيف أن عرض بيكر حمل في طياته تماماً «كل ما لا يمكن لنظام صدام قبوله» وأن هاجس الأميركيين لم يكن تحرير الكويت من دون قتال. وهذا ما حصل بعد أشهر عدة عبر ضرب الجيش العراقي والتحضير لحملة جديدة جاءت بعد سنوات من «جولات التفتيش والتفاوض» والبحث عن أسلحة تبين لاحقاً أن لا أثر لها، ومع ذلك حصلت الحرب. في كوسوفو تكرر سيناريو المفاوضات «رامبويي» جنوب باريس والتي دامت أشهر قبل أن ينطلق الحلف الأطلسي بحملته العسكري التي كسرت شوكة صربيا رغم احتجاجات فاترة من روسيا الضعيفة ويلتسين المريض آنذاك. حتى الحرب في أفغانستان التي يراها البعض كردة فعل على هجوم نيويورك الإرهابي في ١١ أيلول عام ٢٠٠١، جاءت بعد شهرين من «المفاوضات السرية ومحاولات كسب الملا عمر لتسليم بن لادن». في الواقع فإن هذه الفترة كانت تسخر للتحضيرات العسكرية (البريطانية والأميركية). في ليبيا، وهذا ما أزعج الروس كثيراً ويفسر بعض من مواقفهم المتشنجة في الملف السوري، قبل أن يجف الحبر على قرار مجلس الأمن الذي «يتيح حماية المدنيين» وبعد عشر دقائق من صدوره وقف نيكولا ساركوزي الرئيس الفرنسي ليعلن أن سلاحه الجوي انطلق يقصف قوافل الدبابات على مدخل مصراتة، علماً بأن ٤ ساعات طيران تفصل بين قاعدة انطلاق الطائرات الفرنسية وأهدافها في جنوب المتوسط. وقد استنتج الروس من جراء ذلك أن قرار الذهاب إلى الحرب كان حاضراً وأن قرار مجلس الأمن كان نوعاً من «الماكياج القانوني».
أما التحضيرات التي تعبئ فترة «التفاوض والبحث عن حلول سياسية قبل الحرب»، فهي عسكرية بالدرجة الأولى ومع محاولات للوصول إلى شخصيات وخصوصاً قادة عسكريين لتسهيل الضربات الغربية. يذكر الجميع عمليات شراء جنرالات عراقيين التي تحدثت عنها «روايات ما بعد الحروب العراقية». أما العمل العسكري فيكون على عاتق فرق كوماندوس متخصصة وتتكلم لغة البلد المعني للتحضير للضربات الجوية عبر وضع «معالم إلكترونية» على الأهداف، أو للوصول إلى أماكن حساسة والسيطرة عليها ما أن يبدأ الهجوم العام، نذكر هنا قبض القوات العراقية في نهاية عام ١٩٩٠ على مجموعة عسكرية فرنسية تتكلم اللغة العربية «ضلت الطريق في الصحراء». في الحالة العراقية كان البحث عن الصواريخ التي تطلق على إسرائيل من أولى مهام القوات التي أرسلت خلف الخطوط. في كوسوفو كانت مهمة الكوماندوس البريطاني نسف مواقع القيادات الجوية والرادارات ومراكز تحويل أنترنيت فباتت القيادات عاجزة عن التنسيق بين بعضها البعض، وهذا ما يفسر إسقاط الصرب «طائرة واحدة »خلال الحملة الجوية علماً أن صربيا كانت مجهزة بسلاح دفاع جوي من طراز متقدم.
عددٌ من الصحف تحدثت عن وجود فرق كوماندوس غربي على الأراضي السورية.
ماذا تفعل القوات الأميركية والفرنسية والبريطانية وراء الخطوط السورية؟ تنسق هجمات قوى المعارضة وهذا ما يعترف به كل الناطقين الرسميين للدول الثلاثة، فهذا يدخل ضمن نطاق «الأسلحة غير الفتاكة» وتجيزها القوانين الأوروبية والأميركية. ولكنها تعمل أيضاً على البحث عن مراكز تخزين السلاح الكيميائي لتأمينها خوفاً من وقوعها في أيدي الكتائب الجهادية، وكذلك تحاول تأمين مخازن الأسلحة المتطورة التي تمتلكها سوريا بكميات كبيرة، وسوف تدمر القسم الذي لا تريده أن يكون بأيدي الجيش السوري الحر لأنه قد يهددها ويهدد إسرائيل. ولكنها سوف تحاول إلقاء القبض على عناصر بارزة من صلب النظام، تحضيراً لمراحل لاحقة إما تفاوضية أو في حال فشل التفاوض لفتح باب «محاكمات تدعم وتبرر لاحقاً الهجوم العسكري» خارج إطار الأمم المتحدة.
في سوريا الحملة آتية لا محالة، ولكن تدخل حزب الله ودعم إيران غير المحدود وتمسك الروسي بمواقفه قد يحول تلك «الحملة» إلى حرب إقليمية شاملة.