- أخبار بووم - https://www.akhbarboom.com -

نصف قرن من “الرقص على رؤوس الافاعي”

الرئيس اليمني علي عبدالله صالح، الذي وقع اتفاقاً لنقل السلطة، يمنحه خروجاً مشرفاً من الحكم وحصانة من الملاحقة، عسكري وبراغماتي محنك لعب دوراً محورياً في التاريخ العاصف لبلاده طوال أكثر من نصف قرن.
وبعد أشهر من “الثورة السلمية” لاجباره على التنحي، استطاع من وصف حكمه لليمن بـ”الرقص على رؤوس الثعابين”، من الحصول على شروط جيدة لخروجه من السلطة، ولا سيما أنه سيبقى رئيساً شرفياً لمدة تسعين يومياً، ولن يغادر الا مع اجراء انتخابات مبكرة كما أصر دوماً.
فهذا اللاعب المحنك، لم يفر من بلده كنظيره التونسي السابق زين العابدين بن علي، اللاجئ في السعودية، ولم يقتل مثل الزعيم الليبي معمر القذافي، ولا هو سيحاكم مثل الرئيس المصري السابق حسني مبارك، وحتى حزبه لن يخرج من المعترك السياسي.
ودخل صالح معترك السياسة في 1962 خلال الانقلاب الذي اطاح بآخر الائمة الذين حكموا اليمن، وشارك في اقامة جمهورية اليمن العربية في مناطق معزولة وقاحلة تحكمها الاعراف القبلية.
وفي أعقاب ذلك، اندلعت حرب أهلية دعمت فيها مصر بقيادة جمال عبد الناصر العسكريين في الحكم، بينما دعمت السعودية، الجار الشمالي الكبير، القادة القبليين الموالين للامام. انتهت هذه الحرب في 1970.
وفي نفس الوقت، كانت مناطق جنوب اليمن الحالي تحت سيطرة البريطانيين، خصوصاً عدن والواجهة البحرية للبلاد. وغادر البريطانيون جنوب اليمن تحت وطأة انتفاضة واسعة النطاق في 1967، وقامت بعد ذلك جمهورية اليمن الشعبية الديموقراطية وعاصمتها عدن، واصبحت هذه الجمهورية تدور في فلك الاتحاد السوفياتي.
وفي 1978، اختير صالح الذي كان حينها في رتبة مقدم، من قبل هيئة تاسيسية ليحل مكان رئيس اليمن الشمالي احمد الغمشي، الذي قتل في عملية دبرت في الجنوب.
وصالح، الذي ولد في 21 اذار/ مارس 1942، أحاط نفسه بنواة صلبة من المقربين الاوفياء، ولا سيما اخوته الذين وضعهم في مواقع أساسية في النظام العسكري والامني. كما اعتمد على الحزب الحاكم، حزب المؤتمر الشعبي العام.
وليتمكن من حكم هذا البلد المعقد جداً، تماشى صالح مع التركيبة القبلية والتقليدية للبلاد التي تفتقر للثروات الطبيعية والتي يتمتع فيها شيوخ القبائل ورجال الدين بنفوذ كبير.
وينتمي صالح لقلبية سنحان، وهي احدى قبائل حاشد الاكبر والاقوى في اليمن، والتي خاضت قواته في الاشهر الماضية معارك طاحنة مع مناصري شيخ شيوخها صادق الاحمر. وقال الخبير في شؤون اليمن فرانك ميرمييه “منذ العام 1978، أقدم صالح بهدف الحفاظ على نظامه، على دمج شيوخ القبائل في هيكلية الدولة، ومنحهم مقاعد في الحكومة وجعلهم يستفيدون من الدعم المالي الحكومي”.
وعمل صالح في البداية على الوحدة مع الجنوب، وقد تحققت هذه الوحدة في 1990 بالتزامن مع سقوط الامبراطورية السوفياتية. وتحول صالح بعد ذلك إلى أول رئيس لليمن الموحد، ولكن بعد أربع سنوات، استخدم الحديد والنار لقمع محاولة انفصالية في الجنوب.
وبعد 33 سنة في الحكم لم يحقق صالح تقدماً في مستوى معيشة مواطنيه الذين يعيشون في أحد افقر البلدان في العالم، لكنه انشغل بادارة العديد من الأزمات التي واجهها ابان سنوات حكمه الطويلة. وإلى جانب خوضه منذ 2004 ست حروب مع متمردين زيديين في شمال البلاد، آخرها انتهى في شباط/ فبراير 2010، وتمكن صالح، وهو براغماتي بامتياز، من اجتياز الأزمة التي نجمت عن اجتياح عراق صدام حسين للكويت في 1990. وعاقبت السعودية اليمن لأنه وقف الى جانب العراق، وقامت بطرد 700 الف عامل يمني، ما حرم اليمن من مصدر مهم للدخل.
وواجه صالح تنظيم القاعدة الذي أسسه اسامة بن لادن، السعودي المتحدر من اليمن. الاّ أنه استخدم خطر هذا التنظيم من أجل تعزيز موقعه لدى الولايات المتحدة التي كان يحصل منها على دعم بـ150 مليون دولار سنوياً. إلا أنه منذ نهاية كانون الثاني/ يناير، كان على صالح مواجهة حركة احتجاجية غير مسبوقة، جعلته معزولاً أكثر من أي وقت مضى. إلاّ أنه ظل يسيطر على القسم الأكبر من القوات المسلحة وظل قادراً على تحريك مئات الالاف من المؤيدين في الشارع كل اسبوع، كما نجح في التعامل مع محاولة الاغتيال التي تعرض لها في حزيران/ يونيو الماضي. وفي حين ظن البعض أن سفره إلى الرياض لتلقي العلاج في ذلك الحين قد قضى على اي امال له بالعودة، نجح صالح في مفاجأة الجميع والعودة لمتابعة ادارة الأزمة.