” اليأس المحجوب نساء فلسطين والحركة النسائية” لـ نورما مرقص
جاد عويدات
صدر أخيرا في باريس كتاب للمخرجة الفلسطينية نورما مرقص ” اليأس المحجوب نساء فلسطين والحركة النسائية” عن دار نشر Riveneuve éditions، انه أول كتاب من نوعه باللغة الفرنسية، يؤرخ للحركة النسائية وتطورها في هذا البلد.
يروي الكتاب معاناة المرأة الفلسطينية على مدى عقود وواقع الحركة النسائية الفلسطينية مع إنشاء أول جمعية نسائية في العام 1903 على يد مجموعة من السيدات المسيحيات من العائلات المقتدرة وما لبثت أن تخطى عدد هذه الجمعيات في ستينيات القرن الماضي ستين جمعية، وهي في معظمها جمعيات كانت تعنى بالشأن العام ولا تتعاطى السياسة.
تدرك الكاتبة صعوبة الحديث عن المرأة الفلسطينية. ففي الأصل يصعُب توصيف المرأة الفلسطينية والتعريف بها لأنها مزيج من عدة مجتمعات وأبرزها مجتمعات الشتات التي لجأت إليها بعد النكبة واضطرت حينها للتكُّيف معها مرغمة. أضف إلى ذلك إشكالية التعاطي مع مسألة حقوق المرأة الفلسطينية، كما تقول الكاتبة، فما أصعب الدخول إلى منزل إحداهن، استشهد فيه الوالد وكذلك الأخ والأخ الآخر معتقل، كيف يمكن في هذه الحالة سؤالها: “ما هو تقييمك لحقوق المرأة والحركة النسائية؟” سؤال لا يمكن من خلاله فصل المرأة عن واقعها الاجتماعي المؤلم.
يتطرق الكتاب إلى هذه معضلة حيث لا يمكن فصل صراع المرأة من أجل حقوقها عن صراع الشعب الفلسطيني ونضاله من اجل الحرية والكرامة واستعادة الأرض. لقد ناضلت المرأة وقاومت في الصفوف الأمامية واستطاعت أن تفرض نفسها في النضال، حتى أنها تخلت عن مطالبها المحقة من أجل أولوية الوطن والقضية القومية.
تقول نورما مرقص في مطلع كتابها إنها لم تكتبه كمؤرخة أو باحثة في علم الاجتماع وإنما كفلسطينية تعيش بين عالمين، بين أوروبا وبلدها الأم، ومسيرة الكاتبة وهي مخرجة سينمائية يظهر جليا في أسلوبها الكتابي عبر السرد الصوري للأحداث وتنقل مشاهداتها للواقع الفلسطيني الذي لا يخلو من النقد الذاتي في رؤيتها للمجتمع.
يروي الكتاب قصة معاناة طويلة تعيشها المرأة الفلسطينية منذ عقود، فهي عانت وما تزال تعاني من قمع المجتمع الذكوري من جهة ومن قمع الاحتلال الإسرائيلي وحروبه الطويلة ضد الفلسطينيين من جهة أخرى. وترسم الكاتبة السيرة الذاتية أو بورتريهات للنساء، محور الكتاب، التي التقت بهن خلال عودتها إلى فلسطين وزياراتها المتعاقبة، فيتحول السرد من جهة، إلى مونولوج الكاتبة حديث مع الذات حين تروي قصص فلسطين وطبيعتها الخلابة وعادات وتقاليد المجتمع الفلسطيني والأخوة والمحبة بين أهله وتروي أيضا قصص المدن والقرى التي تحولت غالبا إلى مستوطنات إسرائيلية. من جهة أخرى، هناك الحوار مع سيدات نذرن أنفسهن لخدمة المجتمع الفلسطيني والقضية. هناك سميحة خليل وريما طرزي ومي الصايغ وزاهرة كمال وغيرهن. كلهن له حكايته وأسطورته ومعاناته منذ النكبة وما قبلها حتى عصرنا الحالي. تروي هؤلاء السيدات مسيرتهن الحافلة على مدى الأحداث التي طبعت تاريخ المنطقة، من خلال مشاركتهن في المسيرات ضد الانتداب البريطاني وضد هجرة اليهود بكثافة إلى فلسطين ومن ثم مجازر دير ياسين وأيلول الأسود وصولا إلى حصار بيروت والمخيمات الفلسطينية ودكها من قبل الجيش الإسرائيلي حتى اتفاقات أوسلو وما تبعها. كل هذه القصص والحكايات ترويها السيدات وعبرهن انصبغ تاريخ الصراع الفلسطيني العربي والإسرائيلي بالقصص والتجارب الشخصية.
اليأس المحجوب، فيه ذكريات مؤلمة ترويها سيدات فلسطينيات من العائلات البرجوازية المسلمة والمسيحية قاومن وناضلن ضد الانتداب البريطاني وهجرة اليهودية إلى فلسطين وعايشن حرب ٦٧ والنكسة أيلول الأسود وحصار بيروت. في كل مرة الألم والمعاناة والموت والشتات والتهجير كانت هناك.
يمكن الاستنتاج من خلال هذه الحوارات بان المرأة الفلسطينية لطالما تخلت عن حقوقها والمطالبة بها لأجل القضية المحورية ألا وهي الصراع من اجل الوطن. وكانت في الصفوف الأمامية من خلال الاهتمام باللاجئين وعوائل الأسرى والشهداء وتقديم العون اللوجيستي للمقاتلين والفدائيين. ومع ذلك، دخلت المرأة الفلسطينية معترك الحياة السياسية وناضلت وحملت السلاح ولم تفرض نفسها في منظمة التحرير والمجلس الوطني إلا بعد الانتفاضة، كما تقول الكاتبة. ولكن، وبالرغم من هذه المعركة الطويلة، إن المرأة الفلسطينية بقيت أسيرة المجتمع الذكوري المهيمن القاسي. إنه الأمل الضائع.
استطاعت الكاتبة أن ترسم لصورة جديدة للمرأة الفلسطينية غير الصورة النمطية التي تعودنا رؤيتها والتي تعطى للمرأة في الإعلام الغربي وتمثيلها الدائم على أنها لاجئة ومحجبة وباكية أو متوسلة أو “إرهابية” على شكل صورة ليلى خالد وإنما هي أم وربة أسرة ومناضلة. نجحت نورما مرقص من خلال هذا الكتاب في إضافة توثيق مهم عن المرأة الفلسطينية.