سوريا: أسرار التجاذب الروسي الغربي في قمة «مجموعة الثماني»
باريس – بسّام الطيارة
بعد يومين من انتهاء قمة «مجموعة الثماني» بدأت التسريبات حول الأجواء التي رافقت صدور البيان الختامي ترشح إلى سطح الوسط الديبلوماسي. مصدر ديبلوماسي فرنسي عال وصف لـ«برس نت» تلك الأجواء بأنها كانت «حامية ومتوترة» وأن الرئيس فلاديمير بوتين كان «منعزلاً» بين نظراءه، ولكنه يعترف بشكل غير مباشر بأنه استطاع «الصمود» وهذا ما يبرر برأيه صدور بيان وصفه الديبلوماسيون الأوروبيون بأن «بيان تسوية الحد الأدنى».
ولكن في حين تصف المصادر الفرنسية بأن البيان يتضمن «عدداً من التنازلات المؤثرة على مسار الأحداث في الأيام المقبلة» فإن مصدراً مقرباً من الوفد الروسي أكد من جهته بأن «ثبات بوتين» مكن الروس من «انتزاع تنازلات من الغربيين وخصوصاً الفرنسيين».
وقد وصفت مصادر متقاطعة «عملية صياغة البيان» بأنها جاءت بعد «أزمة عصيبة» إذ أن الروس الذين لم يكن قد شاركوا في صياغة البيان هددوا بعدم توقيعه بعد أن وجدوا أن أربع نقاط في الشأن السوري من خمس نقاط تضمنها البيان لا «يمكن القبول بها».
١) النقطة الأولى «التي كان لا خلاف عليها» كانت «وقف حمام الدم في سوريا والعمل على حل سياسي».
٢) النقطة الثانية التي تتناولت «موتمر جنيف ٢» فقد رفض الروس بشكل مبرم أن تتضمن أي تلميح إلى «مصير الأسد»، فجاءت «فضفاضة» مثلما حصل في بيان «جنيف ١».
٣) النقطة الثالثة تتعلق بالحكومة الانتقالية، فقد رفض الروس أي إشارة إلى أنها «تتولى صلاحيات الرئيس السوري» والاكتفاء بالقول بأنها «تتولى كل الصلاحيات التنفيذية». وقد اعتبر الغربيون ذلك بأنه «نجاح نسبي» على أساس تفسيرهم بأنها تضمن «إشراف الحكومة على أجهزة المخابرات والأمن والجيش» على أساس ما تضمنه بيان جنيف ١ من أن الحكومة الانتقالية «تتشكل بالتوافق المشترك وتتمتع بصلاحيات تنفيذية كاملة»، بينما يشير مقرب من الوفد الروسي إلى «الدستور السوري» الذي يعطي الرئيس صلاحيات «لن تنزع منه قبل تغيير دستوري». أي أن التباين «يعود إلى تفسير هذه النقطة المرتبطة بالنقطة الثانية» الواردة أعلاه حسب مصدر أوروبي تابع مشاورات الصياغة.
٤) النقطة الرابعة التي كانت محط «تداول مكثف» فقط دارت حول فقرة محاربة المنظمات الإرهابية والمتطرفة: فقد كانت الصيغة الأولى «تشير إلى حزب الله والقاعدة بشكل عام»، فأصر الجانب الروسي على حذف اسم حزب الله، ويعترف المصدر الأوروبي بأن «دولتين أوروبيتين دعمتا الروس في هذا المطلب»، فتم حذف اسم حزب الله والاكتفاء بـ «الخطر المتنامي للارهاب والتطرف في سوريا» مع إشارة إلى تنظيم القاعدة (الفقرة ٨٦ من البيان النهائي) الذي يطلب من «السلطات السورية والمعارضة محاربة القاعدة والمنتمين إلى القاعدة وطردهم من سوريا» والاكتفاء بتحميل الفقرة «وكافة الفاعلين غير الحكوميين» مع إعراب الأسف للتلوين «الطائفي» للصراع.(We call on the Syrian authorities and opposition at the Geneva Conference jointly to commit to destroying and expelling from Syria all organisations and individuals affiliated to Al Qaeda, and any other non state actors linked to terrorism)
وقد رأى البعض أن هذه التعابير «تتوافق جداً مع وصف النظام للثوار»، فدمشق لم تتوقف عن الحديث عن «إرهابيين». وقالت مصادر فرنسية ديبلوماسية أن هذه «الفقرة متعلقة بما سينتج عن لقاء جنيف وأنه وليس تعاوناً بين نظام الأسد والمعارضة»، في حين يقول ديبلوماسي روسي بأن هذه الفقرة «تعني محاربة الإرهابيين اليوم قبل غد».
٥) النقطة الخامسة تتعلق بالأسلحة الكيميائية، فقد رفض الروس بقوة الإشارة إلى استخدام النظام للأسلحة الكيميائية فجاءت الفقرة ٨٧ لتشدد على التنديد بـ«أي استعمال للأسلحة الكيميائية» (We condemn any use of chemical weapons in Syria)، والمطالبة بتحقيق دولي حيال هذا الملف. وقد اعتبر مصدر فرنسي أن قبول الروس بأن تذهب اللجنة الدولية للتحقيق في استخدام الأسلحة الكيميائية إلى «كافة المناطق السورية» هو «كسب» مقارنة مع رفض موسكو السابق.
وقد قبل الغربيون بالتغيرات التي طلبها الروس في النقاط الأربع شرط «ترك حرية الخروج عن النص» في المؤتمرات الصحافية التي تلي إعلان البيان. وهنا تجدر الإشارة إلى أن ديفيد كاميرون كان الوحيد الذي «أخذ حرية الخروج عن النص وبـ«شكل فاتر» إذ اكتفى بالعودة إلى تفسير جنيف ١ بقوله «إننا ندعم تماما اقتراح عقد مؤتمر للتوصل لحل سياسي للقتال المرير الدائر في سورية من خلال التطبيق الكامل لإعلان جنيف 2012. وسنساهم بسخاء في حملة الإغاثة الأخيرة الصادرة عن الأمم المتحدة لتقديم المساعدات الإنسانية. ونحن ندين أشد إدانة استخدام الأسلحة الكيميائية وكافة انتهاكات حقوق الإنسان في سوريا».
أما الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند فقد لاحظ المراقبون «تغيير لهجته» بعد لقاءه مع بويتن. ويصف أحد المقربين بأن «بوتين خلال اللقاء لم يبادر إلى الحديث عن سوريا» وأن «هولاند هو الذي فتح الموضوع» ويرى الموراقبون أن تخفيف حدة المواقف الفرنسية جاءت بعد أن تحسس هولاند «التصلب الروسي» وهو ما دفعه خلال مؤتمره الصحافي إلى الإشارة بشكل غير مباشر إلى «إمكانية حضور إيران مؤتمر جنيف ٢» بقول «نرحب بأي طرف إذا كان سيفيد» للوصول إلى حل سياسي.
وفي تناقض لهذا التفسير نفى وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس بعد ٢٤ ساعة هذا التغيير في موقف باريس تجاه المشاركة الإيرانية، وقال فابيوس على هامش زيارة لمعرض الطيران في لوبورجيه «لم تغير فرنسا موقفها. قالت إنه يمكن لكل الأطراف التي لديها مواقف مفيدة أن تحضر المؤتمر. أي أولا أن تقبل هدف مؤتمر جنيف ٢ وهو تشكيل حكومة انتقالية بتوافق مشترك تتمتع بكافة السلطات التنفيذية» في عودة إلى التفسير المتنازع عليه لبيان «جنيف ١» الصادر عام ٢٠١٢. وأضاف «حاليا لم توافق إيران على أن يكون ذلك هدف المؤتمر. إذا أدلت الرئاسة الإيرانية الجديدة بتصريحات بهذا المعنى فسنرى الموقف».
أخيراً اتفق زعماء مجموعة الثمانية على نقطة واحدة تشير إلى «ابتعاد الحل السياسي» هور «عدم الاتفاق على تاريخ عقد مؤتمر جنيف ٢». وزير الخارجية الروسي لافروف يقول أن السبب هو «عدم قدرة الغربيين على حمل المعارضة على توحيد موقفها والتوجه إلى جنيف»، بينما يلمح الغربيون (مصدر فرنسي) إلى أن السبب الأساسي هي الرغبة بـ«إعادة التوازن العسكري على الأرض» في إشارة إلى النجاح الذي حققه نظام الأسد في الأسابيع الماضية.