
كتاب فرنسي جديد عن الكاتب المصري الراحل ألبير قصيري
باريس- أوراس زيباوي
“السيد ألبير قصيري، سيرة حياة” عنوان كتاب جديد صدر عن دار “كورلوفور” في باريس ويحمل توقيع الكاتب الفرنسي فريديك أندو. يتمحور الكتاب حول السيرة الذاتية للكاتب المصري الراحل ألبير قصيري الذي توفي عام 2008، ويصادف صدوره الذكرى المئة لولادته، وهو يقدّم إحاطة شاملة بتفاصيل حياته مؤكداً على مزايا شخصيته الاستثنائية.
لم يسبق للكاتب أن تعرّف إلى ألبير قصيري، كما لم يسبق له أن تحدث إليه، بل كان يراه عن بعد عندما كان يتردد إلى مقاهي حيّ “السان جيرمان دي بري” حيث أقام قصيري بمفرده في فندق حوالى ستين عاماً، وكان ذلك بعد مغادرته لمصر عام 1945.
يروي فيليب أندو أنه اعتمد في كتابته لسيرة قصيري على لقاءات طويلة مع الذين عرفوه عن قرب واولهم الممثلة مونيك شوميت التي كانت زوجته لمدة سبع سنوات، وناشرة كتبه جويل لوسفيلد، وكذلك المغني جورج موستاكي الذي كان من أصدقائه المقرّبين….
إلى ذلك، نهلَ المؤلّف من مقالات وكتابات تركها قصيري بعد أن فقد صوته في السنوات الأخيرة من حياته. واللافت هو التفاصيل الحميمة التي يقدمها عن ألبير قصيري الذي اختار كما هو معروف الكسل مهنة له. وعلى الرغم من انه أمضى حياته بلا عمل مأجور فهو لم يكتب سوى ثمانية كتب لكنها شكلت، على قلّتها، علامة في مسيرة الأدب المكتوب باللغة الفرنسية في القرن العشرين.
يتوقف الكتاب عند خصوصية قصيري مبيّناً غرابة علاقاته حتى مع أقرب المقربين إليه ومنهم مونيك شوميت التي تعرف إليها في سهرة باريسية فتعلقت به وصارت حبيبته ثم قررا الزواج عام 1953. لكنّ الزواج لم يغيّر من عاداته، فلقد ظل بلا عمل ومقيماً بمفرده في غرفة في “فندق لويزيان” وكان يلتقي بها إما في الفندق أو في منزل والدتها في باريس. هذا الزواج الذي أدهش الجميع لم يدم طويلاً، فجاء الانفصال بطلب من الزوجة وبدون إجراء مراسم الطلاق. وهي لم تطلقه رسمياً إلاّ عام 1960 عندما قررت الزواج من الممثل المعروف فيليب نواري.
ومهما تعددت علاقاته مع الكتاب والفنانين من حوله ومنهم الكاتب جان جينيه، والنحات ألبرتو جياكوميتي، والكاتب ألبير كامو، فإن الغرابة كانت السمة التي طبعت تلك العلاقات، حتى أن موقفه من موت كامو المفاجئ إثر حادث سيارة عام 1960، اتّسم باللامبالاة ممّا دفع البعض إلى التشكيك بصداقته مع كامو، علماً بأنها كانت صداقة قويّة.
تفاصيل كثيرة يوردها الكتاب بأسلوب مشوق وهي تغطي جميع مراحل حياة قصيري حتى وفاته وتساهم في الكشف عن لغز هذه الشخصية التي واكبت العصر الذهبي للحركة الثقافية في حي “السان جرمان” مركزا على سلوكه الغامض وأسلوبه الفج في التعاطي أحياناً مع الآخرين وخاصة النُّدُل في المقاهي والمطاعم. وإذا كان قصيري مميزاً وذكياً، فهو كان يلجأ أيضا وأحياناً إلى الكذب، بحسب تعبير الكاتب الذي اعتبر أنّ ألبير قصيري كان يتقن اللعب مع نفسه ومع الآخرين، وقد عاش حياة هادئة ومستكينة.
أخيراً، من الأمور التي يكشف عنها الكتاب أنّ الكاتب المصري باللغة الفرنسية كان يميّز دائماً بين الكاتب والروائي، فالكاتب، بالنسبة إليه، يحتلّ مركزاً أعلى بكثير، وهو، على المستوى الشخصي، لم يكن يحب أن يوصف بالروائي ويعتبر ذلك إهانة له. إنه كاتب قبل كلّ شيء والكتّاب الفعليون قلّة بالطبع، وهو واحد منهم.