معركة ما بعد القصير في درعا وليست في حلب
باريس – بسّام الطيارة
قبل اسبوعين وفي ١٢ حزيران/يونيو بالتحديد، دعا وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس الأسرة الدولية إلى «وقف تقدم قوات النظام السوري المدعومة من إيران وحزب الله اللبناني نحو حلب » على اعتبار أن القوات الحكومية تمهد لهجوم كبير على هذه المدينة الواقعة في شمال البلاد، بعد سقوط مدينة القصير. وقد أخذ فابيوس قناعاً جاداً وقطب حاجبيه وتابع رداً على أسئلة القناة الفرنسية الثانية «يجب أن نتمكن من وقف هذا التقدم قبل حلب» تردد قليلاً وتابع واثقاً «إنه الهدف المقبل لحزب الله والإيرانيين في آن». ووربط الوزير الفرنسي قوله بطرح ثان حول ضرورة «تحقيق إعادة توازن بين قوات النظام ومقاتلي المعارضة».
وقد تمسك الجميع المراقبون بالطرح الثاني الذي بات «لازمة لتحقيق الحل السياسي» حسب ما رأينا في الأسابيع القليلة الماضية، وباتوا يعولون على مبدأ التوازن على الأرض وهم ينظرون إلى الشمال إلى حلب ومحافظة الرقة.
يبتسم خبير عسكري قدم عددا ًمن «الاستشارات» إلى مراكز القرار الغربية وهو يضع اصبعه على خارطة سوريا، ويقول «صحيح أن السياسيين لا ينظرون إلى الخرائط ولا يتابعون بدقة أخبار المعارك الصغيرة». ويتوسع الخبير بالشرح ويقول «في ٢٢ آذار/مارس أعلن الجيش السوري الحر سيطرته على اللواء 38 التابع لجيش النظام في بلدة صيدا بريف درعا، بعد اشتباكات عنيفة وحصار دام ١٦ يومًا». ويشرح بأن الجيش النظامي تراجع بعد هذه المعركة وترك منطقة الحدود مع الجولان المحتل من «بيت أره» جنوباً إلى «خان أرنبة» شمالاً وانكفأ في اتجاه «سعسع» في حركة يمكن تفسيرها بأنها «لوضع المتمردين في مواجهة الإسرائيليين».
وبالفعل، يتابع الخبير شرح «معارك شهري نيسان وأيار/ أبريل ومايو» فيقول بأن قوات المعارضة استطاعت تفيذ «تداخل» في مثلث أضلاع مرتكز على الحدود الأودنية قمته في «خان أرانبه وكفر شمس» وقاعدته على الحدود تمتد من «بيت أره إلى بصرى» مروراً بـ«مزيرب» ومدينة درعا و«الجيزة»، واكتفت قوات النظام بالاتكاء على «السويداء»، رغم أنها تركت بعض القوات في محيط «الشيخ مسكين» و«أنخل».
وبالفعل وقع قسم من مقاتلي المعارضة في فخ النظام السوري فبعد اسبوع تم احتجاز 21 مراقباً فلبينياً لخمسة أيام لدى مقاتلين سوريين معارضين، وقامت المجموعة نفسها باحتجاز أربعة آخرين في بداية أيار /مايو، ثم في ١٧ من نفس الشهر احتجزت لساعات ثلاثة عناصر من قوة فضا لاشتباك الأممية.
وقد حاول المقاتلون توسيع رقعة المنطقة التي يسيطرون عليها ليس فقط جغرافياً بل «جيوسياسيا» بمحاولة السيطرة على معبر حدودي في المنطقة الفاصلة منزوعة السلاح بين إسرائيل وسوريا وذلك يوم الخميس في ٦ حزيران .يونيو ولكن بعد ساعات قليلة استعاد الجش النظامي سيطرته على معبر القنيطرة الحدودي في الجولان.
وقد دفعت هذه العمليات بالنمسا لإعلان في سحب عناصرها المشاركة وهددت الفيليبين بنفس الخطوة، فيما تقدمت روسيا الحليف القوي للنظام السوري بـ«عرض خدمات» يقضي بإرسال جنود روس ليحلوا محل الجنود النمساويين.
بالطبع كان الروس يدركون بأن معاهدة فك الاشتباك الموقعة عام ١٩٧٤ تمنع الدول الأعضاء الدائمة في مجلس الأمن من المشاركة في القوات الأممية، إلا أن العرض كان مناورة تحمل رسالة لإسرائيل بأن «حدودها على الجولان ستكون آمنة».
في الاسبوع الثاني من حزيران/يونيو كان الوزير فابيوس يوجه اصبعه ونظرات متابعيه إلى الشمال إلى حلب: هل كان فابيوس يرمي إلى «دفع السوريين نحو الشمال لإبعادهم عن الجنوب والحدود الأردنية؟». سؤال بديهي في ظل التصريحات التي جاءت من الأردن ورافقت مناورات «الأسد المتأهب»، حول «جهوزية الأردن للتصدي لكل الاحتمالات». كما أن التلميح بالعصا الأميركية الغليظة (صواريخ باتريوت وطاءرات إف ١٦) كانت بالتوازي مع «اتصالات سورية أردنية لضبط الحدود» كما كشفت عدة صحف.
في هذا الاثناء كانت القوات السورية تستعد لمعركة «درعا الثانية»: ففي ١٦ شباط/فبراير حاولت دمشق استعادة السيطرة على «كامل الحدود مع الأردن وإحكام السيطرة على درعا مهد الثورة»، إلا أنها في حينه كانت تحارب على جبهتين متقابلتين انطلاقاً من دمشق حمص وحماة شمالاً ودرعا جنوباً، وهو ما قاد نحو تراجع القوات النظامية وخسارتها بعض الجيوب في غوطة دمشق شرقاً وشمالاً.
يقول الخبير استناداً إلى معلومات مستقاة من مصادر ألمانية أن الجيش النظامي السوري يستعد اليوم للسيطرة على مجمل منطقة الحدود مع الأردن. وبكشف بأن قرار «التوجه» اتخذ قبل أو بعد ١٣ أيار/مايو قبل انتهاء معركة القصير. وويشرح على أن الهدف هو «إقفال الحدود ومنع القوات التي دربها الخبراء الأميركيون من شن هجوم لإقامة منطقة عازلة طول الحدود الأردنية تكون محمية بصواريخ باتريوت».
وتأكيداً على كلامه يشير الخبير إلى نقاط المعارك التي بدأت مباشرة بعد الانتهاء من معركة القصير فهي «متنقلة في سلسلة المدن والقرى الممتدة في المثلث الذي تسيطر عليه قوات المعارضة» وهي حسب شرحه وتسلسل إذاعة بيانات المعارضة: مدينة أنخل والشيخ مسكين في وسط المثلث نزولاً إلى بلدة داعل ومزيرب رنجيبع وتسيل وبلدة طفس في الجنوب وبلدة بصرى في الشرق وخان أرنبة في أقصى الشمال وقمة المثلث إلى جانب كفر شمس ومدينة جاسم.
وقد ربطت مصادر استخبارية إسرائيلية قبل يومين طرح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بشأن وضع قوات في هضبة الجولان بمعركة درعا. وتتقاطع مصادر «ديفكة الإسرائيلية» وتحليل الخبير الفرنسي بأن «الجيش النظامي السوري بمساندة الحرس الثوري الإيراني وحزب الله يعد هجوماً كبيراً على جنوب سوريا». وترى المصادر الإسرائيلية بأن «هناك قوات عراقية تتجمع على الحدود العراقية السورية في شرقي سوريا» لدعم الهجوم.
ولكن يبدو أن الجيش السوري الحر، وبخلاف فابيوس، يدرك أن المعركة الكبرى التي ستلي معركة القصير ستكون في جنوب سوريا. فقد كشفت مصادر مقربة من المعارضة أن الجيش الحر السوري وكتائب جهادية تستعد «لاستقبال جيش الأسد وحلفاءه». وبعد أن كانت «جبهة النصرة» قد طلبت من التيار السلفي الجهادي في الأردن عدم إرسال مقاتلين إلى مدينة درعا، عادت وطلبت «الإسراع بإرسال الدعم بالرجال والعتاد». وقد وصل عدد منهم وقتل عدد منهم وبينهم القيادي «أنس ياسين عوجات» من مدينة معان في جنوب الأردن.
وبالفعل بدأت المعركة منذ اسبوع بوتيرة متقطعة وينتظر أن ترتفع وتيرتها في الأيام القليلة الماضية خصوصاً وأن قوات المعارضة قد استلمت تجهيزات عسكرية متطورة وصواريخ مضادة للمدرعات إلى جانب صواريخ مضادة للحوامات، إلى جانب حوالي الـ ٣٥٠ مقاتل أنهوا تدريباتهم في الأردن حسب مصادر مقربة من المعارضة.
ينهي الخبير حديثه بالقول «إن معركة ما بعد القصير ستكون في درعا»، ويشرح بأن النظام السوري له مصلحة في عدم تحريك معارك على الحدود السورية التركية خصوصاً وأن شنصف الحدود قد أقفلت بفعل المعارك بين الجيش السوري الحر والألوية الكردية» من جهة كما أن قسما من البضائع المهربة ما زالت تأتي عن طريق تركيا وتساهم بتخفيف حدج الأزمة الغذائية. وهو أيضاً يدرك حسب الخبير بأن «آلخطر هو دخول قوات المعارضة المدربة في الأردن لإقامة منطقة محررة في الجنوب»، وبالتالي فأنه سوف يفعل المستحيل لمنع هذا السيناريو قبل أي لقاء لحل سياسي.
httpv://www.youtube.com/watch?v=JBws-xQcEWY