لبنان :قوى الأمن الداخلي تمتهن التعذيب والاغتصاب
يبدو أن التعذيب والاغتصاب وحده ما تجيده قوى الأمن الداخلي اللبناني داخل مقرات الاحتجاز، بعدما كشفت منظمة “هيومن رايتس ووتش” اليوم عن عن شهادات مؤلمة لما تعرض له المحتجزون، وبشكل خاص الذين يتهمون بتعاطي المخدرات أو العمل في مجال الجنس
خاص – برس نت
كشفت منظمة هيومن رايتس ووتش في تقرير نشرته اليوم أن قوى الأمن الداخلي بلبنان تهدد متعاطي المخدرات والعاملات بمجال الجنس والمثليات والمثليين والثنائيات والثنائيين ومتحولي الجنس، وتسيء معاملتهم وهم بعهدتها.
التقرير الذي حمل عنوان “جزء من عملنا: إساءة معاملة وتعذيب الفئات المستضعفة في مخافر الشرطة اللبنانية” ونشر في يوم الأمم المتحدة العالمي لدعم ضحايا التعذيب، استند إلى
أكثر من 50 مقابلة تم إجراؤها مع أشخاص اعتقلوا للاشتباه في تعاطيهم للمخدرات أو العمل بمجال الجنس أو المثلية على مدار السنوات الخمس الماضية.
ووفقاً لـ “هيومن رايتس ووتش”، كانت أكثر أشكال التعذيب التي تم الإبلاغ عنها انتشاراً هي الضرب بالقبضتين أو بالأحذية أو بأدوات من قبيل العصي والقضبان والمساط، في حين أفاد محتجزون سابقون بالتعرض للتعذيب وإساءة المعاملة في كافة المنشآت التي حققت فيها هيومن رايتس ووتش، بما في ذلك مخفر حبيش في بيروت، ومخفر الجميزة، ومخفر بعبدا، ومخفر المصيطبة، ومخفر زحلة، ومخفر الأوزاعي، ومخفر صيدا، وفرع المعلومات في الجديدة، ومقر الحجز على ذمة المحاكمات بسجن النساء في بعبدا.
وحمل التقرير شهادات مؤلمة عما يحدث في مراكز التوقيف اللبنانية. فمن أصل 25 سيدة أجريت معهن المقابلات وتم اعتقالهن للاشتباه في تعاطي المخدرات أو العمل بمجال الجنس، قالت 21 منهن لـ”هيومن رايتس ووتش” إن الشرطة أخضعتهن للعنف أو الإكراه الجنسي، المتراوح من الاغتصاب وحتى تقديم “الترضيات” ـ السجائر أو الطعام أو تحسين الظروف في زنازينهن أو حتى تحرير محضر شرطة أكثر تساهلاً ـ في مقابل الجنس.
“سمية”، وهي عاملة في مجال الجنس كان قد تم احتجازها على ذمة المحاكمة لمدة تسعة أشهر في سجن بعبدا، اكدت لـ”هيومن رايتس ووتش”، أن “المتوقع هو أن يحاول ضباط الشرطة ممارسة الجنس مع المعتقلات بتهمة الدعارة”. وأضافت “إنه أمر طبيعي، فهم لا ينظرون إلينا كبشر. إنهم يعرفون أننا فقيرات، وبلا عائلات على الأرجح، ولا يوجد من يسأل عنا. من السهل استغلالنا. اعتقلت 3 مرات في السنوات الخمس الأخيرة. وفي كل مرة كان يحضر أحد الضباط للزنزانة ويحاول معي”. ومضت تقول “في البداية كنت أعترض وأقاوم، ثم أدركت أنه لا فائدة. إذا رغبت في معاملة حسنة فعليك ممارسة الجنس معهم. إذا فعلت هذا سيعتنون بك. وإلا تعرضت للضرب والإهانة، بل الاغتصاب. إذا تركتهم ينامون معك فربما ساعدوك حتى على الخروج بدون اتهام”.
غرام، سيدة أخرى اعتقلت بعد احتجاز الشرطة لابنتها للعمل بمجال الجنس، وتم توجيه الاتهام إليها بتسهيل عمل ابنتها بالدعارة، روت لـ”هيومن رايتس ووتش” أن أحد الضباط في مخفر الجميزة اغتصبها في فبراير/شباط 2012. ومما جاء في شهادتها “بقيت في مخفر الجميزة 3 أيام وعوملت أنا وابنتي أسوأ معاملة. أثناء وجودي هناك، جاءني أحد الضباط ليلاً وقال إنني إذا لم أتركه ينم معي سأدخل السجن لمدة 10 سنوات ولن أرى ابنتي لمدة أطول. فشعرت بالخوف لدرجة أنني تركته. في اليوم التالي نقلت إلى مخفر بعبدا حيث قضيت 3 أيام أخرى قبل نقلي إلى سجن بعبدا. لم أخبر أحداً بما حدث. كنت خائفة. كان قد هددني حتى ألتزم الصمت”.
بدورها تحدثت نوال البالغة من العمر 29 عما تعرضت له من اعتداء جنسي على يد الشرطة. ففي يوليو/تموز 2012 تم القبض على نوال على يد رجل شرطة عسكرية في ساعة متأخرة من الليل في حي الأشرفية في بيروت، إثر مشادة مع رجل كان يتحرش بها. قالت إنها أُخذت إلى مركز الشرطة العسكرية في منطقة المتحف، حيث اكتشف رجال الشرطة أن معها أقراصاً دون وصفة طبية. تم التحفظ عليها تلك الليلة في مركز الشرطة العسكرية لأن على حد قولهم لها، لا مكان لها في مخفر حبيش، حيث كان المفترض أن تُحال إلى هناك. في اليوم التالي تم نقلها إلى مركز شرطة بعبدا، حيث قام رجل شرطة بالاعتداء عليها جنسياً. ومما جاء في شهادتها “في ذلك الوقت كان هناك رجل شرطة واحد في المركز. سألني إن كان هناك من قام بتفتيشي، وأخذني من يدي إلى مكان مجاور لدورة المياه. مرر يديه على جسدي ووضع يده داخل مشد الصدر وفي سروالي الداخلي، وأولج أصابعه فيّ. أحسست بالخزي، لكن كنت خائفة للغاية ولا أقوى على الاحتجاج. فيما بعد، عندما تغيرت الوردية، تبعني رجل شرطة آخر إلى دورة المياه عندما ذهبت إلى هناك لأغسل وجهي. حاصرني وخلع سروالي وأجبرني على ملامسته. رحت أبكي لكنني فعلت كما أمر”.
أما الرجال فلم يكن وضعهم أفضل حالاً. محمد، الذي اعتقلته الشرطة لحيازة مخدرات، كشف لـ “هيومن رايتس ووتش” أنه قضى 11 يوماً رهن الاحتجاز في مخفر زحلة في 2007، تعرض خلالها للضرب بعنف حتى اعترف بتعاطي المخدرات. وأوضح “أخذوني للاستجواب عارياً، وسكبوا فوقي الماء البارد، وقيدوني إلى مكتب وعلقوني في وضع الفروج [وهي طريقة للتعذيب يعلق فيها الضحية من قدميه مع تقييد اليدين إلى قضيب حديدي يمر أسفل الركبتين]. كسروا أنفي وكل أسناني، وضربوني بمسدس حتى انخلع مفصل كتفي”.
أما نديم، فقضى يومين في مخفر حبيش في أكتوبر/تشرين الأول 2010 بعد اعتقال الشرطة له حين لم تجد أخاه، الذي كانت تشتبه في قيامه بترويج المخدرات. وأوضح أنه حين لم يجد أفراد الشرطة أدلة على تورط نديم في ترويج المخدرات، قاموا بتغيير التهمة إلى المثلية الجنسية. ووفقاً لشهادته “تعرض نديم مراراً للضرب والتهديد والفحص الشرجي. ووما قاله “لم يتوقف الترهيب والضرب قط [في حبيش]… سألني [أحد الضباط] لماذا يحمل هاتفي رسائل وأسماء رجال مثليين. فسألته إن كان التحدث مع رجال مثليين يخالف القانون. فعاود ضربي بقسوة حتى جرح عيني وبدأت أنزف. توسلت إليه أن يتوقف عن ضرب وجهي لكن هذا استفزه أكثر وضربني بمزيد من القسوة. وأرغمني على توقيع اعتراف بممارستي للجنس مع الرجال، وهو يكيل لي اللكمات طوال الوقت. ثم جعلني أنزع ثيابي كلها ونظر إليّ، وقال إنني مخنث وأهانني وهددني”.
وأضاف “في اليوم التالي حضر رجلان آخران واستجوباني ثانية. في ذلك الوقت كانت قضية المخدرات قد أسقطت، وصارت تتعلق بالمثلية…. حين أخبرت ضابط التحقيق بإرغامي على الاعتراف بممارسة الجنس بالإكراه، جاء بسلك كهربي غليظ وجلد به راحة يدي. ثم قال إنه سيحضر طبيباً شرعياً لفحصي، في محاولة لاستدراجي للاعتراف مرة أخرى… جاءت نتيجة الفحص سلبية، فلم يجدوا بداً من الإفراج عني دون اتهام”.
هذه الممارسات دفعت “هيومن رايتس ووتش” للتأكيد على أن ممارسة الشرطة للتعذيب وإساءة المعاملة ترتكز على نقص الحماية القانونية أو سوء تنفيذها، وتركيز القضاء على الاعترافات دون غيرها من أنواع الأدلة، وثقافة الإفلات من العقاب، وغياب آليات الإشراف السليمة.
ونبّهت إلى أن الآليات القائمة بالفعل، مثل لجنة حقوق الإنسان التابعة لقوى الأمن الداخلي، تعاني من نقص الموظفين ولا تمارس أية سلطة حقيقية. كما أشارت إلى امتلاك “وزارة الداخلية آلية منفصلة للشكاوى، لكنها معيبة ويصعب التعامل معها ومتابعتها”. يبقى أن الأسوا ما وجدته “هيومن رايتس ووتش” لجهة أن القضاء تجاهل بانتظام الشكاوى الواردة بحق رجال الشرطة.