جشع رأس المال: بيل غيتس يشارك بلاك ووتر ومونسانتو
إعداد : جمانة فرحات
اتحاد ثلاثة من رؤوس كبار وحوش الفساد العالمي:
“مونسانتو” تستحوذ على “بلاك ووتر” ومؤسسة غيتس تشاركها
لا يبدو أن لجشع الرأسمالية وتحديداً تلك القادمة من بلاد العم سام حدود. شركة “مونسانتو” لـ “التكنولوجيا الحيوية الزراعية” التي تمتلك ٩٠ في المئة من سوق المكونات المعدلة جينياً، والمتهمة بالتورط بالعديد من الانتهاكات ذات التأثير على صحة الانسان، قررت أخيراً شراء شركة “بلاك ووتر” (Blackwater) الأمنية بالتزامن مع تصاعد حملة الاحتجاجات حول العالم بوصفها صانعة للموت في البلدان الفقيرة، فيما أبى بيل غيتس على ما يبدو أن يكون بعيداً عن الأرباح التي تجنيها الشركة والمتوقع تضاعفها فقرر شراء ٥٠٠ ألف من أسهم مونسانتو “مؤسسة بيل وميلاندا غيتس” الخيرية.
كثير من الناس لم يسمعوا سابقاً باسم شركة “مونسانتو” (Monsanto) لـ “التكنولوجيا الحيوية الزراعية”، لكن مجرد الحديث عن شراكة بين الشركة العالمية المتعددة الجنسيات وشركة “بلاك ووتر” الأمنية سيئة الصيت، تصبح التساؤلات حول طبيعة هذه الشركة وموجبات تعاملها مع “بلاك ووتر” من البديهيات، فكيف اذا كان الحديث عن شراء الشركة لـ”بلاكووتر”.
تفاصيل هذه القضية كشفها الصحافي جيريمي سكاهيل في “تقرير أعده قبل أيام لصالح صحيفة “ذا نيشن”، أكد فيه أن “مونسناتو” قامت بشراء شركة “بلاك ووتر” التي بدلت اسمها إلى XE، ومن ثم Academi، في محاولة للتخلص من صيتها بعد العديد من التقارير عن ارتكابها الانتهاكات في العراق، حيث كانت تتولى تقديم خدمات أمنية للاحتلال الأميركي، شملت مذابح ضد المدنيين.
وفقاً لسكاهيل، الشركات متعددة الجنسيات، مثل مونسناتو، شيفرون، وعمالقة القطاع المالي مثل بنك باركليز ودويتشه بنك، يتم توجيهها من خلال شركتين يملكهما إيريك برينس، صاحب شركة “بلاك ووتر” وهما ” Total Intelligence Solutions” و “Terrorism Research Center”، لافتاً إلى أن الضباط والمدراء في هاتين الشركتين يتشاركون في “بلاك ووتر”.
أحد هؤلاء يدعى كوفر بلاك، المعروف “بوحشيته كأحد مديري وكالة الاستخبارات المركزية”. الأخير كان مكلفاً باجراء الاتصالات مع مونسناتو في عام ٢٠٠٨ بصفته مدير “Total Intelligence Solutions” ، وأبرم عقد مع “مونسانتو” للتجسس واختراق المنظمات الناشطة في مجال حقوق الحيوانات، المعارضين للمواد المعدلة جينياً، فضلاً عن القيام بالأنشطة القذرة الأخرى لعملاق التكنولوجيا الحيوية.
المدير التنفيذي في شركة “مونسناتو”، كيفن ويلسون رفض في بادئ الأمر التعليق حول القضية، قبل أن يعود ويؤكد لسكاهيل أن شركته لجأت إلى توظيف “Total Intelligence” في عامي ٢٠٠٨ و٢٠٠٩ “فقط من أجل الابقاء على “تتبع علني” لمعارضي الشركة مشدداً على أن ” Total Intelligence” “كيان منفصل كلياً عن بلاك ووتر”. هذه الادعاءات دحضها سكاهيل بعد اشارته إلى امتلاكه نسخاً من رسائل للبريد الاكتروني، تظهر كوفر بلاك، بعد لقائه ويلسون، يشرح لعدد من الضباط السابقين في وكالة الاستخبارات الأميركية في “بلاك ووتر”، أن المحادثات مع ويسلون خلصت إلى أن ” Total Intelligence” أصبحت الذراع الاستخباري لمونسانتو عبر التجسس على الناشطين والقيام بأعمال أخرى بيمها “اختراق أفراد من قبلنا بشكل قانوني لهذه المجموعات”. وتبين أن الشركة دفعت ١٢٧ ألف دولار في ٢٠٠٨ و١٠٥ الاف دولار في ٢٠٠٩.
ما حاجة مونسانتو لخدمات بلاك ووتر؟
يقدم سكاهيل اجابته على هذا التساؤل قائلاً “لا عجب أن شركة تعمل في مجال علم الموت” كما مونسانتو، أن ترتبط مع شركة أخرى من المجرمين، بعد أن كرست نفسها منذ البداية لإنتاج السموم المتسربة من ما يعرف باسم “العامل البرتقالي” أو Agent Orange الذي ابتكرته لتسهيل تساقط أوراق الأشجار خلال حرب فييتنام فضلاً عن انتاجها ثنائي الفينيل متعدد الكلور والمبيدات الحشرية والهرمونات والبذور المعدلة وراثياً.
بيل غيتس متورط!
اللافت أنه بالتزامن مع نشر سكاهيل لمقاله، ووفقاً لما كتبه الأخير، تم الاعلان عن شراء “مؤسسة بيل وميلاندا غيتس” الخيرية (Bill & Melinda Gates Foundation) لـ ٥٠٠ الف سهم من أسهم شركة مونسانتو بأكثر من ٢٣ مليون دولار. الخطوة التي أثارت تساؤلات حول أسبابها، وصفها سكاهيل بأنها بمثابة نزع لقناع “العمل الخيري” لهذه المؤسسة، متحدثاً عن ما أسماه “الزواج بين اثنين من الاحتكارات الأكثر وحشية في تاريخ التصنيع”. فبينما يسيطر بيل غيتس على أكثر من 90 في المئة من حصة السوق من مجال الحاسوب، تسيطر شركة مونسناتو على حوالي 90 في المئة من سوق البذور المعدلة وراثياً والسوق العالمية للبذور التجارية.
وفيما أشار إلى أن مؤسسة غيتس وشركة مونسانتو عدوانيتان جداً في الدفاع عن الاحتكارات الخاصة بهم بطرق غير مشروعة، اتهم سكاهيل غيتس بأنه على غرار مونسانتو، يشارك في محاولة لتدمير الزراعة في المناطق الريفية في جميع أنحاء العالم، من خلال “التحالف من أجل ثورة خضراء في أفريقيا” (أغرا)، الذي وصفه بأنه يعمل بمثابة حصان طروادة لحرمان المزارعين الأفارقة الفقراء من البذور التقليدية، والاستعاضة عنها بالبذور الخاصة بشركات محددة في البداية، قبل ان يتم استبدالهم أخيراً بالبذور المعدلة وراثياً. وتحقيقاً لهذه الغاية، أوضح سكاهيل أن مؤسسة “غيتس” وظفت، مدير شركة مونسناتو، روبرت هورش في عام 2006، لافتاً إلى أن غيتس يجني أرباح كبيرة الآن بعدما ذهب مباشرة إلى المصدر.
وخلص سكاهيل إلى القول “بلاك ووتر، شركة مونسانتو وغيتس هم ثلاث جهات لنفس الوجه: آلة الحرب على هذا الكوكب ومعظم الناس الذين يعيشون فيها، سواء أكانوا من الفلاحين، المجتمعات الأصلية، الناس الذين يريدون تبادل المعلومات والمعرفة أو من الآخرين الذين لا يريدون أن يكونوا في رعاية ربح وتدميرية الرأسمالية.
وثائق “ويكيليكس” تكشف الدعم الرسمي الأميركي
أظهرت وثائق “ويكيليكس” التي تم الكشف عنها عام ٢٠١١ كيف أن الدبلوماسيين الأميركيين طلبوا تمويلًا لإرسال جماعات الضغط من أجل صناعة التكنولوجيا الحيوية لاجراء محادثات مع سياسيين ومسؤولين زراعيين في “البلدان المستهدفة” في مناطق مثل أفريقيا وأميركا اللاتينية، حيث كانت المحاصيل المعدلة وراثياً لا تشكل الدعامة الأساسية للزراعة. كما شملت البلدان المستهدفة بعض الدول الأوروبية التي قاومت الممارسة الزراعية المثيرة للجدل.
في برقية بعثت من القنصلية في سلوفاكيا في عام 2005، تم ابلاغ وزارة الخارجية أن القنصلية “ستواصل جهودها لتبديد الخرافات حول النباتات المعدلة وراثياً والمناصرة نيابةً عن شركة مونسانتو” أما في عام 2009، فأوضحت برقية صادرة من مدريد أن إسبانيا أعلنت أن شركة مونسانتو قدمت “طلبات عاجلة” لمحاربة حملة المعارضة المناهضة للنباتات المعدلة وراثياً، لتسببها في مشاكل لصناعة التكنولوجيا الحيوية. كما أظهرت وثائق أخرة جهود مماثلة قامت بها السفارات الأميركية نيابة عن قطاع “التكنولوجيا الحيوية الزراعية” في هونغ كونغ، الاتحاد الأوروبي مصر وأماكن أخرى.
احتجاجات عالمية
وفي واحد من أضخم الاعتراضات على نشاط شركة “مونسناتو” التي يعتقد على نطاق واسع أنها تسبب خطورة كبيرة على صحة الإنسان، أوضح تقرير اعدته “سكاي نيوز” الشهر الماضي أن متظاهرين في 52 بلدا و436 مدينة حول العالم احتشدوا الشهر الماضي في إطار الاحتجاجات ضد الشركة رافعين شعارات مثل “طعام حقيقي لأشخاص حقيقيين”.
وكان السبب المباشر لانطلاق هذه الاحتجاجات والتي بدأت فى الولايات المتحدة الأميركية نجاح “مونسناتو” بتمرير ما يسمى بـ”قانون حماية مونسناتو” الذي يمنحها حصانة قانونية، إذ أصبح من الصعب مقاضاتها حتى لو ثبت أن منتجاتها تسبب أضرارا صحية وبيئية.
في المقابل، تصر الشركة على أنها تحترم حقوق الشعب في التعبير عن رأيهم في الموضوع، ولكنها تؤكد أن بذور تحسين الزراعة التي تنتجها تساعد المزارعين على إنتاج المزيد من المحاصيل في أراضيهم مع الحفاظ على الموارد مثل المياه والطاقة.
وبينما كثفت شركات الأغذية العضوية وبعض المستهلكين جهودها لفرض وضع العلامات التجارية على المنتوجات المعدلة التي تتضمن أغذي معدلة وراثياً بحجة أن البذور المعدلة تنتقل من حقل لآخر وتلوث المحاصيل العادية، رفض مجلس الشيوخ الأميركي الشهر الماضي أيضاً بأغلبية ساحقة مشروع قانون من شأنه أن يسمح للدول بأن تطلب وضع العلامات على الأغذية المعدلة وراثيا.
تفاوت في معايير الحماية وارباح متصاعدة
وبالرغم من أن هناك تبايناً في الآراء العلمية حول الآثار المحتملة للبذور المعدلة وراثيا، فإن المؤكد أن أضرارها الصحية والبيئية لم تتضح بعد، لذلك اتخذت دولة مثل بيرو حذرها بإصدارها حظرا على تلك المنتجات لمدة عشر سنوات من المفترض أن تكون خلالها الأبحاث العلمية قد أوضحت المخاطر الصحية والبيئية التي يمكن أن تنتج عنها.
أما المجر، فقامت بحرق 1000 فدان من المحاصيل “الملوثة” بالحبوب المعدلة وراثيا الخاصة بمونسانتو، والتي تعد ممنوعة وفقا لقانون البلاد.
وكانت دراسة فرنسية نشرتها “دايلي ميل” البريطانية العام الماضي أشارت إلى أنها بعد إجراء تجارب على الفئران قد توصلت إلى أن تناول الذرة المعدلة وراثيا، والتي تنتجه شركة مونسناتو، تتسبب في الإضرار بأجهزة الجسم وربما يتسبب في الإصابة بأنواع معينة من السرطان أو في الوفاة المبكرة.
ووفقا لوزارة الزراعة الأميركية، كان نحو 90% من إنتاج الولايات المتحدة عام 2011 من محاصيل الصويا والذرة والكانولا من حبوب معدلة وراثيا، تنتج مونسناتو معظمه، وتحقق الشركة من هذه المنتجات أرباحا كبيرة.
وكانت الشركة رفعت توقعاتها للأرباح السنوية، وفقا لرويترز، التي أشارت إلى أن صافي أرباح الشركة في الربع الثاني من العام المالي الجاري الذي ينتهي في 28 شباط/ فبراير وصل إلى 1.48 مليار دولار أو 2.74 دولار للسهم، مقارنة بـ 1.21 مليار دولار أو 2.24 دولار للسهم في العام السابق.
ووفقا لتقرير حديث أصدره “مركز سلامة الغذاء” الأميركي، فإن ثلاث شركات هي “مونسانتو ودوبونت وسنجنتا” تهيمن على 53% من سوق الحبوب التجاري العالمي.