مؤتمر الفكري: المرجع السيّد فضل الله رائد الوحدة والحوار
أقامت مؤسسات العلامة المرجع الديني اللبناني محمد حسين فضل الله، أمس (الجمعة في 5 تموز 2013) المؤتمر الأول حول فكر السيد فضل الله تحت عنوان “رائد الوحدة والحوار”، في قرية السّاحة التراثية في بيروت، وذلك في مناسبة الذّكرى السنويّة الثّالثة لرحيل العلّامة المعتدل المثير للجدل.
وألقى العلامة علي فضل الله، نجل المرجع الراحل، كلمةً أشار فيها إلى الجهد الكبير للسيّد فضل الله في مجالي الحوار والوحدة، ومواجهة الغرائز والعصبيّات، متوقّفاً عند جملة من النقاط، أبرزها «الدعوة إلى إحياء فلسفة الأخلاق وفقاً لمنهجيّة السيد فضل الله، الّذي حاور في كلّ الظروف، وحاور كلّ النّاس.. وإذا كان الاختلاف هو طابع الحياة، فإنَّ غياب مرجعيّاته الأخلاقيّة، يجعل الأمور تفلت من عقالها، ليتحوَّل الاختلاف إلى سلاح خطر، بينما يكون الاختلاف في حضرة الأخلاق صحيّاً وسليماً، حيث لا مفاعيل سلبيّة له».
وقال إن الده «دعا إلى قيام كلّ التيّارات الفقهيّة والمدارس الدينيَّة، بالبحث العلميّ والفقهيّ والعقائديّ، محذّراً من الجمود والتحجّر في الموقف والسّلوكـ»، مشيراً الى أننا بحاجة إلى حركة علميّة ورؤية تناقش كلّ شيء، وتعيد تعريف المصطلحات حتّى في إطار فهم المقدّسات.
ورأى نجل فضل الله أنّ «السيّد المرجع كان يرى أنّ الناس في عمقهم وحدويون، وأن الحقد ليس حقيقة النّاس، ودور الوحدويّين أن يذكّروا النّاس بعمقهم الّذي يطلّ على الوحدة والحوار»، مشيراً الى أنّ المرجع فضل الله كان يرى أنّ المستقبل هو مستقبل الدّعاة إلى الوحدة، وليس لدعاة العصبيّة والأحقاد، فهؤلاء عابرو سبيل في طريق البشريّة، والمستقبل هو للكلمة الطيّبة الّتي أصلها ثابت وفرعها في السّماء.
وتوقّف السيد علي فضل الله عند رؤية العلامة الراحل مواجهة الغلوّ والخرافة، حيث دعا كلّ مذهب إلى مراجعة نقديّة في داخله، وأكّد على المشتركات.
وخلص إلى ضرورة أن تبادر كلّ فئة إلى العمل لمراجعة نقديّة ذاتيّة، أن تراجع أداءها وتعيد النّظر فيما تتبنّاه وتمارسه من أفهام، من خلال مقاربات منهجيَّة موضوعيَّة، مؤكّداً أنّ أحد أبرز عوامل التقريب بين المذاهب، هو إزالة كلّ مذهب لشوائبه، مشيراً إلى أنّ السيّد كان حاسماً وواضحاً في مواجهة الخرافيّين وعدم مجاملتهم.
في الجلسة الأولى للمؤتمر الّتي ترأسها رئيس الجامعة اللّبنانيّة، الدّكتور عدنان السيد حسين، والتي عقدت تحت عنوان “آفاق الوحدة والحوار”، تحدث السيّد حسين عن السيّد فضل الله الّذي كان وحدويّاً بامتياز، وكانت الوحدة الإسلاميَّة محور عمله في حياته، وقال: “قد لفتني قوله إنّ هناك مذهبيَّة عشائريَّة وطائفيَّة وليست فكريَّة في معظم ما نواجهه، وصوَّب ذلك بأنّنا نقبل المذهبيّة الفكريّة ونرفض المذهبيّة العشائريّة”.
ثم كانت كلمة الرئيس السابق لمجمع التقريب بين المذاهب الشّيخ محمد علي التسخيري من إيران، وجاءت تحت عنوان: “ملامح الشّخصية الوحدوية عند سماحة السيّد فضل الله”، وجاء في كلمته:
“فقدنا عملاقاً حواريّاً كبيراً، ومن عرف السيّد فضل الله، عرف فيه المفكّر الذي يطرح الطّروحات الّتي يقيم عليها الدلائل، وهو المجتهد الحقّ الذي درس على كبار العلماء.. فإذا تمت له عمليّة الاستدلال، راح يصّرح بها دون أن يوقفه أحد.. إنّها حقيقته التي أعلنها دون مواربة، وسواء اتّفقنا معه أو اختلفنا، فعلينا أن نُكبِر هذه الرّوح..”.
وأشار التسخيري إلى التّجديد الفقهي لدى السيّد فضل الله، مشيداً بذلك، مؤكّداً في الوقت نفسه الاختلاف معه في مسألة ولاية الفقيه.
بعد ذلك ألقى رجل الدين الدرزي الشيخ مرسل نصر، كلمةً تحت عنوان: “الرؤية التجاوزية للوحدة والحوار لدى السيّد فضل الله”، فقال: “وكأني بسماحة المرحوم آية الله الفقيد العلامة السيد محمد حسين فضل الله ردّد القول:
سيذكرني قومي إذا جدّ جدّهم وفي اللّيلة الظّلماء يُفتقد البدر
أجل، نذكر سماحته في كلّ يوم، وبخاصّة في هذا الزّمن الّذي لم يتأسّ الصّغير بالكبير، ولم يرأف الكبير بالصّغير، وأصبح النّاس كجفاة الجاهليّة، لا في الدين يتفقّهون، ولا عن الله يعقلون، ليس فيه شيء أخفى من الحقّ، ولا أظهر من الباطل”.
أمّا الجلسة الثّانية الّتي حملت عنوان: الحوار الإسلامي المسيحي، فقد ترأسها المطران كيرلليس بسترس، الّذي تحدّث عن مسيرة فضل الله في الحوار الإسلامي المسيحي، قائلاً: ليته يعود، وليت هذه الرّوح تعود إلينا، وخصوصاً في هذه المرحلة.
ثم ألقى رئيس لجنة الحوار الاسلامي المسيحي محمد السماك كلمةً تحت عنوان: “مشتركات الأديان الإسلاميّة ـ المسيحيّة من وجهة نظر السيّد محمد حسين فضل الله”، فأشار إلى أنّ السيّد فضل الل كان يقول بأنّ المسيحيّين مؤمنون حتّى وإن لم يقولوا بنبوّة النبيّ محمّد(ص)، لأنهم يقولون بالإله الواحد.
وقال: “لقد كان السيّد فضل الله في كلّ ما قال وكتب، أميناً لله ورسوله، وتحمّل في سبيل ذلك الكثير، وأساء إليه الكثيرون، ولكنّه استمرّ في الخطّ نفسه، داعياً بالحكمة والموعظة الحسنة… لقد وقف حياته من أجل الوحدة الإسلاميّة، ولكن أين هي هذه الوحدة الآن؟!”.
ثم كانت كلمة لنجل الرّاحل، السيد جعفر فضل الله، تحت عنوان: “ضرورات ومعوّقات الحوار الإسلامي ـ المسيحي كما كان يراها السيد محمد حسين فضل الله”، حيث أشار في بدايتها إلى أنّ رؤية الراحل تملك من ذاتها قابليّة الحوار والنّقاش والاحترام للآخر.
وأشار إلى أنّ “السيّد طرح أن يجتهد المسلمون في معرفة المسيحيّة وفهمها، وأن يجتهد المسيحيّون في فهم الإسلام من خلال مصادره الأصيلة، والسيّد يطرح الاجتهاد كقاعدة لفهم الآخر بعمق، والاجتهاد يفترض المعاصرة”.
ثم كانت كلمة الأب الدّكتور فادي ضو، والتي جاءت تحت عنوان “الحوار الإسلامي ـ المسيحي.. المنطلقات والأهداف، بالاستناد إلى رؤية السيّد محمد حسين فضل الله”.
وتوقّف الأب ضو عند منطلقات فضل الله في الحوار، “حيث لا مقدّسات عنده في الحوار، فيصبح الحوار طريقاً لاكتشاف الآخر، ولكي يُثري الإنسان الآخر. وعند السيّد، أنّ الحوار الّذي نقيمه مع الآخر هو غنى للإنسان المحاوِر والمحاوَر، وعند السيّد، أنّ قضيّة الحوار هي قضيّة الحياة؛ حوار المطر مع الأرض، حوار الزّهور بألوانها… الحياة عند السيّد تتحاور كلّها مع بعضها البعض، ولكن بصمت.. ولكن المشكلة هي أنّ الإنسان وحده هو الّذي يريد أن يفرض نفسه على الآخر.. إلا أنّ السيّد يرى أنّ التعدّدية هي الأساس، وأنّ علينا أن نتواصل ونتحاور لما فيه مصلحة الإنسان، كلّ الإنسان”.