٤ مبادرات تؤسس لمسار ثالث: مصر بلا مرسي وبلا حكم عسكري
لم تكن الاشتباكات التي نشبت بين متظاهرين بميدان التحرير، وسط القاهرة، مساء الجمعة الماضية بسبب ترديد شباب من حركة “6 إبريل” لهتافات ضد “حكم العسكر” من قبيل المفاجأة، حيث تشهد الساحة السياسية المصرية التمهيد لطريق ثالث، يرفض عودة الرئيس السابق محمد مرسي، ويرى أنه من الضرورة طي صفحته، لكنهم في الوقت نفسه يرفضون سيطرة الجيش على الحكم.
وبدأ الحديث عن هذه المبادرات بعد أيام من عزل مرسي، إلا أن تصريح المتحدث العسكري الجمعة الماضية بأنه لا يوجد ما يمنع ترشح الفريق عبد الفتاح السيسي لرئاسة الجمهورية، في حال تقاعده، أكسبها زخمًا كبيرًا، خاصة مع تصريحات ناشطين سياسيين وصفوا فيها إشاعات ترشح الفريق السيسي ثم نفيها بهذا الشكل بأنها “بالونة اختبار”، من جانب المؤسسة العسكرية.
وتنطلق المبادرات الأربعة التي شارك في صياغتها تيارات سياسية متباينة، من تحليلات للقائمين عليها، تشير إلى أن المؤسسة العسكرية وإن كان قد بدا أنها رجعت خطوات للوراء بعد بيان الفريق عبد الفتاح السيسي في 3 يوليو/تموز الذي عزل الرئيس السابق محمد مرسي، وعهد بالحكم لرئيس مؤقت وحكومة مدنية، إلا أنها لا تزال حاضرة في المشهد.
وانطلاقًا من هذه الرؤية، فإن هدف المبادرات هو التخلص من حضور القوات المسلحة في المشهد السياسي، لكن في الوقت نفسه يؤمن القائمون عليها أن عودة الرئيس محمد مرسي ليست حلاً، ومن ثم فإن الحل الذي تكرر فيها جميعًا هو ضرورة الإسراع بالمرحلة الانتقالية، وطالب بعضها بضمان الخروج الآمن للرئيس السابق.
إحدى هذه المبادرات هي تلك التي طرحها زعيم حزب “غد الثورة” أيمن نور بمبادرة من نائب رئيس الحزب محمد محيي الدين وبحضور جلال المرة عن حزب “النور” ويسري حماد عن حزب “الوطن” وكل من محمد القصاص وعبد الرحمن هريدي عن حزب “التيار المصري” وكل من عمرو نبيل وأيمن مرسي عن حزب “الإصلاح والنهضة”.
وتضمنت المبادرة ضرورة عودة الرئيس السابق محمد مرسي إلى منزله، أو إلى أي مكان يختاره، ومعاملته بما يليق طبقًا للقانون وقواعد المراسم والبروتوكول برئيس مصري سابق، وبخاصة أنه أول رئيس مدني منتخب لمصر عقب ثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011، وتوفير الحراسة المقررة للرؤساء له والمخصصات والمزايا المقررة للرؤساء السابقين، ومنع ملاحقته قضائيًا بدعاوى كيدية.
ودعت المبادرة إلى ضغط المرحلة الانتقالية، بحيث لا تستغرق أكثر من 9 شهور إلى عام كحد أقصى لا يمكن تجاوزه.
ورأى القائمون عليها ضرورة تقسيم المرحلة الانتقالية إلى ثلاث مراحل، أولها تعديل الدستور والعودة إلى دستور 2012 بتعديلاته في مدة أقصاها ثلاثة شهور، وثانيها إجراء انتخابات البرلمان في مدة أقصاها ثلاثة شهور من تعديل الدستور، وثالثها إجراء انتخابات رئيس الجمهورية في مدة أقصاها ثلاثة شهور من انتخاب البرلمان، وهي نفس التقسيمة المعلنة للمرحلة الانتقالية من الرئيس المؤقت عدلي منصور.
وتضمنت المبادرة رفض أية تعديلات علي المواد المتعلقة بهوية الدولة وبالشريعة الإسلامية، وبالقوات المسلحة في الدستور الذي تم تعطيل العمل به، كما أكدت على ضرورة الإفراج الفوري عن المعتقلين كلهم، ووقف الملاحقات والمضايقات الشرطية التي بدا للقائمين على المبادرة، وكأنها تستهدف تيارًا بعينه علي غرار ما كان يتم قبل ثورة 25 كانون الثاني/ يناير 2011.
وبنفس المنطق، دعت المبادرة التي تبنتها جبهة “الثورة الآن وليس غدًا” التي تضم ناشطين من تيارات مختلفة، إلى الإسراع بالمرحلة الانتقالية، لكنها اختلفت عن المبادرة السابقة أنها لم تشر من قريب أو بعيد إلى فكرة الخروج الآمن لمرسي، كما أنها ترى ضرورة الإسراع بالانتخابات الرئاسية قبل أي شيء.
وتتشكل المبادرة من عدة عناصر أهمها، الانطلاق من ثلاثة أهداف هي: “الإسراع بتسليم السلطة إلى مؤسسات منتخبة ديمقراطيًا، عدم إقصاء أو شيطنة فصيل سياسي بأكمله؛ إخراج القوات المسلحة نهائيًا وبشكل كامل من العملية السياسية، الإعلان عن إجراء الانتخابات الرئاسية خلال مدة لا تتجاوز ثلاثة أشهر من الآن، تليها الانتخابات البرلمانية خلال مدة لا تتجاوز ستة أشهر من الآن، تأجيل عملية وضع دستور دائم للبلاد إلى ما بعد إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، نظرًا لأوضاع الاحتقان والاستقطاب السائدة التي لا تسمح بصياغة دستور ديمقراطي توافقي، إقرار وإصدار مشروعات قوانين إعادة هيكلة الشرطة”.
وتتشابه مبادرة “مركز الحضارة للدراسات السياسية” إلى حد كبير مع المبادرة السابقة، لكنها ورغم أنها منحت صفة “الانقلاب” لما حدث بمصر، إلا أنها ترى أن عودة الرئيس محمد مرسي ليست حلا، وتطالب في المقابل بضرورة العودة إلى المسار الديمقراطي الذي أسسته ثورة 25 يناير ويعد أهم مكتسباتها.
وطالبت المبادرة بضرورة تشكيل حكومة ائتلاف وطني حقيقية تمثل جميع الأطياف على قدم المساواة؛ مهمتها الأساسية الإعداد لانتخابات مبكرة: رئاسية في موعد لا يتجاوز 3 أشهر ثم برلمانية، في موعد لا يتجاوز ستة أشهر، تشكيل لجنة وطنية حقيقية محايدة للمصالحة الوطنية، تشكيل لجنة وطنية محايدة لصياغة التعديلات على الدستور، ضرورة إيقاف كافة الإجراءات التعسفية والقمعية تجاه التيار الإسلامي ورافضي الانقلاب.
وتتشابه إلى حد كبير مبادرة رابعة طرحها منتدى الدفاع عن الحريات والديمقراطية “تحت التأسيس” مع المبادرة الثالثة، وتنطلق تلك المبادرة التي وقع عليها مجموعة من الشخصيات العامة منها الكاتب فهمي هويدي، أستاذ العلوم السياسية، ونادية مصطفى، وسيف عبد الفتاح، وعماد شاهين، ومحمد كمال إمام، وابراهيم العيسوي الأستاذ بمعهد التخطيط القومي، وحسن الشافعي مستشار شيخ الأزهر، من عدة مبادئ هي التمسك بأهداف ثورة 25 يناير (العيش، حرية، كرامة إنسانية، عدالة اجتماعية)، “رفض الحكم العسكري تحت أي غطاء مدني زائف، استعادة العمل بالدستور مع تشكيل لجنة لتعديله بطريقة ديمقراطية ودستورية سريعة، عودة المسار الديمقراطي بمؤسساته وضماناته، التمسك بكافة الحقوق والحريات الشخصية والقانونية والسياسية، والتي هي أهم مكتسبات ثورة يناير”.
وإذا كان بعض مما دعت إليه المبادرات قد تم تجاوزه من خلال تشكيل حكومة حازم الببلاوي التي بدأت بالفعل ممارسة عملها، وتشكيل لجنة تعديل للدستور بدأت هي الأخرى ممارسة عملها، فإن كمال حبيب الباحث في شئون الجماعات الإسلامية يرى أن هناك أفقًا للحل، بشرط اتخاذ إجراءات من شأنها بناء الثقة بين الطرفين.
ويقول حبيب للأناضول: “يعني مثلا هناك فكرة طرحها مفكرون ومثقفون تعتبر تطويرًا لهذه المبادرات الثلاث وتتعامل مع التطورات التي حدثت منذ بيان عزل مرسي في 3 يوليو/تموز، وهو استفتاء الشعب على خريطة الطريق التي أعلنت في بيان الجيش” ثم فصلها في إعلان دستوري الرئيس المؤقت عدلي منصور. .
والميزة المهمة التي تقدمها هذه الفكرة، كما يرى حبيب، أنها تؤكد على مبدأ أن السلطة للشعب، وليست لقوة الجيش.
“وحتى يمكن أن تتحول هذه الفكرة وغيرها من المبادرات إلى واقع عملي، لابد أن يقدم طرفا النزاع تنازلات، وفي نفس الوقت لابد من بناء الثقة، وذلك بالإفراج عن المعتقلين وتقديم تعهدات بعدم الملاحقة الأمنية بعد فض الاعتصام والجلوس على مائدة المفاوضات”.. يضيف حبيب.
ولا يبدو في الأفق حتى الآن، ميل أي من الطرفين نحو هذين الشرطين، وهو ما قد يؤدي إلى أخطار جمة، خاصة إذا كان الجيش يفكر في اعتماد الخيار الأمني.
ويقول حبيب: “اعتماد هذا الخيار أمر كارثي بمعنى الكلمة، ولا بديل عن الحوار والتفاوض”.