سوريا: تردد غربي في حسم مصدر الهجوم الكيميائي
طلب الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون أمس الخميس من الحكومة السورية السماح لمفتشي المنظمة الدولية بالتحقيق في احدث مزاعم عن وقوع هجوم بالغاز وإتاحة دخولهم على الفور لمناطق في ريف دمشق يسيطر عليها مقاتلو المعارضة حيث قتل مئات على ما يبدو على بعد أميال قليلة من الفندق الذي يقيم فيه الفريق. مع هذا لم تكن هناك أي علامة على أنه سيسمح للخبراء قريبا بأخذ عينات من الموقع الذي شهد فظائع قورنت بقتل آلاف الأكراد العراقيين بالغاز السام في حلبجة في عام 1988 .
وقال المكتب الصحفي لبان في بيان “يعتقد الامين العام ان الحوادث التي وردت عنها تقارير امس ينبغي ان يجري التحقيق فيها دون تأخير.” واضاف ان طلبا رسميا ارسل من الامم المتحدة الى الحكومة السورية في هذا الصدد. وقال ان الامين العام “يتوقع تلقي رد ايجابي بدون تأخير.”، وانه سيرسل أنجيلا كين كبيرة مسؤولي نزع السلاح في الأمم المتحدة لمحاولة إقناع الحكومة سوريا شخصيا بالاستجابة لهذه الطلبات.
وقالت مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الانسان نافي بيلاي يوم الخميس ان مزاعم الهجوم بأسلحة كيماوية في سوريا “خطيرة للغاية” ويجب التحقيق فيها بأسرع ما يمكن.
وقالت حكومة الرئيس باراك أوباما إنها “فزعت” من الأنباء عن تلك الوفيات. وقالت متحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية ان أوباما أمر أجهزة الاستخبارات الأمريكية بان تعمل على وجه السرعة للتحقق من سبب الوفيات. ولكنها أقرت بأن ذلك قد يكون أمرا صعبا بالنظر إلى عدم وجود علاقات دبلوماسية بين واشنطن ودمشق. وقالت المتحدثة جين ساكي للصحفيين “نحن غير قادرين في هذا الوقت على القطع باستخدام اسلحة كيماوية.” واضافت “نبذل قصارى جهدنا لمعرفة الحقائق.”
في حين قال مسؤول أمريكي آخر ان اجهزة الاستخبارات لم يتحدد لها إطار زمني للقيام بهذه المهمة وسوف تتأنى “للوصول الى نتيجة بقدر من اليقين.” وحسب التقييم الأولي للاستخبارات ان الهجوم فيما يبدو من صنع حكومة الأسد. غير ان حكومة اوباما أوضحت أن أي رد من جانبها سيتوقف على تأكيد وقوع هجوم كيماوي ومنشأه.
وقال معارضو الرئيس بشار الأسد إن عدد القتلى يتراوح بين 500 وما يزيد على ألف قتيل وإنه لا يزال يجري العثور على مزيد من الجثث في أعقاب الهجوم الذي وقع قبل فجر الأربعاء والذي تنفي الحكومة السورية مسؤوليتها عنه.
ولا يزال من غير المحتمل أن يترجم الحديث عن رد أجنبي قوي لاسيما من جانب بريطانيا وفرنسا إلى تحرك سريع ومنسق نظرا للانقسام بين الغرب وروسيا في اجتماع مجلس الامن الدولي يوم الأربعاء والحذر الشديد في واشنطن يوم الخميس.
وقال وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس إنه يتعين على المجتمع الدولي الرد بقوة إذا ثبتت المزاعم بأن قوات الحكومة السورية هي المسؤولة عن أشد الهجمات بالأسلحة الكيماوية فتكا على مدنيين منذ 25 عاما لكنه أكد أن مسألة إرسال قوات إلى سوريا ليست مطروحة.
ووصفت السلطات السورية المزاعم ضد قواتها بأنها “حملة منظمة كاذبة جملة وتفصيلا” مشيرة إلى توقيت الهجوم وتأكيدات سابقة بأنها لو كان لديها أسلحة كيماوية فإنها لن تستخدمها ضد السوريين أبدا وأشارت موسكو حليفة الأسد الرئيسية إلى “استفزاز” من قبل مقاتلي المعارضة الذين يتطلعون إلى الحصول على مساعدات عسكرية غربية.
وبعد أشهر من المفاوضات مع حكومة الأسد للسماح للمفتشين بزيارة سوريا وصل إلى دمشق قبل أربعة أيام فريق تابع للأمم المتحدة مهمته هي التحقق فقط من مزاعم استخدام وجود أسلحة كيماوية في ثلاثة مواقع محددة في حوادث صغيرة قبل عدة أشهر. وليس من مهام الفريق تحديد مصادر هذه الأسلحة. ولا يتجاوز تفويضهم ذلك. وفشل مجلس الأمن الدولي المنقسم الذي عقد اجتماعا طارئا يوم الأربعاء في تبني مطالب غربية بإجراء تفتيش فوري للمواقع القريبة من دمشق. ودعا فقط إلى ضرورة “الوضوح” بشأن الحادث.
ولم تقدم الحكومة السورية أي رد علني على الفور يوم الخميس على الدعوات لمنح فريق الأمم المتحدة حرية الوصول إلى المنطقة.
ويقول كثيرون من المقاتلين والنشطاء في المعارضة إنه لم يعد لديهم اهتمام بوعود بإجراء تحقيقات من جانب الأمم المتحدة أو المساعدة من الخارج. وقال الناشط براء عبد الرحمن “نحن على بعد سبعة كيلومترات .. خمس دقائق فقط بالسيارة من مكان إقامتهم.” وتابع “نتعرض لإبادة بالغاز السام بينما هم يحتسون القهوة ويجلسون في فنادقهم.” وقال قاسم سعد الدين وهو قائد عسكري وناطق باسم القيادة العسكرية العليا للمعارضة إن المعارضة مازالت تتشاور بشأن كيفية الرد على الهجوم أو ما إذا كان يجب الرد عليه.
وقال لرويترز إن الناس يزدادون يأسا عندما يرون جولة أخرى من البيانات السياسية واجتماعات الأمم المتحدة دون أي أمل في التحرك. وأضاف أن المعارضة لا تزال تدرس كيف سترد على الهجوم.
وتحجم القوى الغربية التي تدعم المعارضة عن الالتزام الكامل تجاه انتفاضة تزداد هيمنة الإسلاميين المرتبطين بالقاعدة عليها. لكنهم قالوا إن الاستخدام الكبير والواسع النطاق للأسلحة الكيماوية المحظورة سيغير قواعد اللعبة.
وقال جورج صبرا وهو عضو بارز في الائتلاف الوطني السوري المعارض لرويترز إن المعارضة تطلب أن يتوجه فريق المفتشين مباشرة وبحرية كاملة إلى موقع الجرائم التي ارتكبت يوم الأربعاء. وأضاف أنه يتعين على مجلس الأمن الدولي تعديل مهمة الفريق لتفويضه بزيارة أي موقع. لكنه أبدى شكوكا لأن النظام السوري يفرض قيودا على مهمة هؤلاء الخبراء التي تقتصر على زيادة عدد قليل من المناطق ستنقلهم السلطات إليها.
وفي باريس دعا فابيوس إلى تحرك إذا ثبتت صحة المزاعم. وقال لشبكة (بي.إف.إم) التلفزيونية الفرنسية “سيتعين أن يرد المجتمع الدولي بقوة في سوريا لكن إرسال قوات على الأرض غير مطروح.”
وأضاف أنه إذا لم يكن بوسع مجلس الأمن الدولي اتخاذ قرار فسيتعين اتخاذ قرار “بطرق أخرى” دون أن يسهب فيما يعنيه.
لكن من المرجح أن يكون التحرك الدولي الفوري محدودا.
وقال مسؤولون أوروبيون تحدثوا بشرط عدم الكشف عن أسمائهم إن الخيارات التي تتراوح بين شن ضربات جوية أو إقامة منطقة حظر للطيران أو تقديم أسلحة ثقيلة لبعض مقاتلي المعارضة لا تزال مطروحة على الطاولة لكن من غير المحتمل اتخاذ إجراءات ملموسة دون دعم من الولايات المتحدة وهو لا يزال مستبعدا.
وقال أحد المسؤولين “رد الفعل الأمريكي في أعقاب الهجوم الذي وقع أمس اتسم بالحذر.” وأضاف “لا يمكننا عمل شيء يذكر بدون القوة النارية الأمريكية.”
ولا تزال قوات الأسد تقصف بشدة منطقة الغوطة ويقول نشطاء إن ذلك سيضع مزيدا من العراقيل أمام دخول مفتشي الأمم المتحدة المنطقة.
وتقول واشنطن وحلفاؤها الأوروبيون إن القوات الموالية للأسد استخدمت كميات محدودة من غاز السارين وهو ما استدعى الزيارة الحالية لفريق الأمم المتحدة. لكن قوات الأسد تواجه أيضا اتهامات باستخدام أسلحة كيماوية ضد مقاتلي المعارضة خصوصا في خان العسل قرب حلب حيث قتل 25 شخصا.
وقال متحدث باسم المعارضة السورية يوم الخميس إنه لا يزال يتم العثور على جثث على مشارف دمشق.
وقال خالد صالح المتحدث باسم الائتلاف الوطني السوري الذي كان يتحدث من اسطنبول إنه يتوقع ارتفاع عدد القتلى بعد اكتشاف وجود منطقة تمتلئ المنازل فيها بالقتلى في بلدة زملكا.
وقال فهد المصري المتحدث باسم الجيس السوري الحر في باريس ان فرعه في دمشق وثق 1729 حالة وفاة بعد هجوم الاربعاء حتى الآن. وأضاف أن آلافا آخرين يعانون من مشاكل في التنفس.
وقال نشطاء بالمعارضة إن رجالا ونساء وأطفالا قتلوا وهم نيام. وقالوا إن عدة بلدات في الغوطة تعرضت للقصف بصواريخ تحمل غازات سامة.
وأظهرت صور التقط بعضها مصورون مستقلون وقدموها لرويترز عشرات الجثث مسجاة على الأرض ولا توجد بها آثار إصابات. وأظهرت بعض الصور خروج رغاوي من أفواه وأنوف بعض الجثث.
وقالت الولايات المتحدة ودول أخرى إنه لا يوجد لديها تأكيد من مصادر مستقلة عن استخدام الأسلحة الكيماوية.
وسوريا إحدى الدول القليلة التي لم توقع على المعاهدة الدولية التي تحظر الأسلحة الكيماوية وتعتقد الدول الغربية أن لديها مخزونات غير معلنة من غاز الخردل والسارين وغاز الاعصاب في.اكس.
وقال خبراء الأسلحة إنه من غير الواضح من الأدلة التي تم جمعها حتى الآن ما هي بالضبط المواد الكيماوية التي من المحتمل أنها استخدمت أو الطريقة التي ربما استخدمت لإطلاقها. وبينما تتحدث جماعات المعارضة عن صواريخ تحمل عبوات غاز قال محللون في الخارج إنه من المحتمل أن تكون الغازات أطلقت باستخدام وسائل أخرى.
ومع أنه يشتبه في أن القوات المسلحة السورية لديها مثل هذه المخزونات أشار المحللون كذلك إلى أن وحدات مارقة لا تخضع لأوامر مباشرة من الحكومة ربما اختارت استخدام هذه الأسلحة وكذلك أيضا بعض جماعات المعارضة إذا كانت استولت على مثل هذه الاسلحة