نقطة على السطر
بسّام الطيارة
في عام ٢٠٠٣ لبس طوني بلير لقب «كلب بوش» لأنه انساق وراء جورج بوش في غزو العراق رغم معارضة شعبية واسعة للعمليات العسكرية. في حينها وقفت فرنسا ضد هذه الحرب وهدد جاك شيراك باستعمال الفيتو، فطالبت غونداليزا رايس وزيرة خارجية بوش بـ«معاقبة» فرنسا وقرر الكونغرس سحب تسمية «فرنش فرايز» (بطاطا مقلية) من لوائح مطعمه وتسمية هذه الوجبة «بطاطا الحرية».
اليوم انقلبت الأمور. وأظهر ديفيد كاميرون «احتراماً» للمواطنيه بأن انصاع لقرار مجلس العموم بعدم المشاركة بالعملية العسكرية لضرب سوريا. وبالمقابل يبدو أن فرانسوا هولاند الذي ردد فوق السطوح منذ انتخابه بأن باريس لن تشارك بأي عملية لا يقررها مجلس الأمن، مستعد لمرافقة واشنطن في إقرار ضربة «معاقبة لنظام الأسد» قبل أن يجتمع البرلمان الفرنسي يوم الاربعاء، علماً أنه سيجتمع من دون إمكانية التصويت على مبدأ المشاركة. هكذا يقول الدستور الفرنسي الذي يعطي صلاحية خوض الحرب فقط لرئيس الجمهورية.
السؤال لماذا هذا الاندفاع الفرنسي؟ ما الذي تغير بين يوم انتخاب هولاند ويوم قرر اللحاق بالرئيس الأميركي باراك حسين أوباما؟
يرى المراقبون أن المحرك الأساسي لهذا الاندفاع هو وزير الخارجية لوران فابيوس الذي كان أول من تحدث عن «معاقبة الأسد» والذي شكل وصوله إلى «الكي دورسيه» تعويضاً على «قلة خبرة هولاند» في الشؤون الخارجية. وبالطبع فإن فابيوس يعتمد في إدارة شؤون الوزارة على الفريق الذي كان قد وضعه الرئيس السابق نيكولا ساركوزي ليقود سياسته الخارجية المقربة من جورج بوش وللتمايز عن سلفه جاك شيراك وهو ما يسميه البعض «فريق المحافظون الجدد على ضفاف السين». وقد وصل فابيوس إلى الخارجية ومعه فريقه الخاص من المستشارين الذي كان يضم عدداً من موظفي الكي دورسيه الذين كانوا يجتمعون اسبوعياً لتحضير ملفات للوزير الذي طالب بهذا المنصب قبل الانتخابات الرئاسية. لم يسعى فابيوس إلى تغير في فريق المحافظين الجدد الذي كان متمكناً من مقاليد الوزارة بل اكتفى ببعض الروتوشات للتخلص من الذين يمكن أن يشكلوا تشويشاً على «تناغم فريقه وفريق المحافظين الجدد».
وبالطبع فإن لفرنسا ثلاثة أهتمامات أساسية في إطار الديبوماسية والسياسة الخارجية: أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا. ولكن فيما باتت تعتبر السياسة تجاه أوروبا من «الشؤون شبه الداخلية» على اساس دور فرنسا في الاتحاد الأوروبي، فإن السياسة تجاه أفريقيا تدار تاريخيا حصرا من الإليزيه تحت تسمية «فرانس أفريكا». على سبيل المثال فإن قرار التدخل في مالي اتخذه هولاند بناء على توصية وزارة الدفاع من دون إحاطة وزارة الخارجية التي اكتفت بـ«حدمة بعد البيع» كما يقال في الأوساط المطلعة.
بينما تدار سياسة الشرق الأوسط والعالم العربي تاريخياً من الكي دورسيه حيث «كان يوجد» الاختصاصيون في الشوؤن العربية والإسلامية، من هنا اتهامات إسرائيل بأن «الكي دورسيه يميل للعرب» منذ عهد ديغول. ولكن الموجة الساركوزية قضت على هذه الاسطورة وبات الكي دورسيه، رغم مرور ديغوليين تاريخيين على رأسه مثل ألان جوبيه، معقل مؤيدي إسرائيل بشكل لم تعهده الديبلوماسية الفرنسية، خصوصاً أنها كانت تقرر في الإليزيه حصراً. وجاء وصول فابيوس إلى الوزارة وقلة خبرة هولاند لتعطي دفعاً قوياً للفريق الممسك بشؤون الوزارة، والذي بحجة «إصلاح توازن ديبلوماسيته في المنطقة بين العرب وإسرائيل» يميل بشكل مفضوخ لإسرائيل.
من هنا يمكن تفسير الاندفاع الفرنسي لضرب سوريا بسبب الكيميائي الذي يعتبر «هاجس إسرائيلي»، رغم أن انهيار النظام في دمشق يشكل دفعاً للقوى الجهادية المسيطرة عسكرياً على المعارضة والتي تحاربها فرنسا في مالي.
من هنا يبدو «دعم الثورة السورية غائباً» إذ أكد هولاند أن الضربة موجهة نحو الكيميائي وليس لإسقاط النظام.